اخر الاخبار

من المعروف أن التعاقدات التي تبرم لتنفيذ المشاريع الاقتصادية والخدمية التي يحتاجها المجتمع من خلال الدولة وتنفذها المؤسسات الحكومية أو الشركات الخاصة لا يمكن أن تتم إلا بالارتباط مع استراتيجيات الدولة كإطار عام يؤسس لنوع هذه المشاريع وطبيعتها وأهميتها ودورها في الارتقاء في الاقتصاد والمجتمع عبر عملية إعمار واسعة يجري التعبئة والتحشيد لها من قبل أطراف الدولة ذات العلاقة كافة.

  وفي كل الدراسات والأبحاث والتقارير التي تصدرها مراكز محلية وعالمية فإن العراق من البلدان التي تمتلك ثروة هائلة يشار لها بالبنان، ولأجل تحويلها إلى قيم مادية ملموسة ومفيدة للمجتمع  لابد من توافر ثلاثة عناصر اساسية مستمدة بالأصل من بواكير الفكر الاقتصادي، العنصر الأول يتمثل برأس المال البشري وآلية الاستثمار  فيه  وكيفية إعداده،  والعنصر الثاني رأس المال الاجتماعي وبدوره يشتمل على رأس المال الاقتصادي أو ما يسمى ( بالبني التحتية ) والتي تتألف من شبكات الطرق والكهرباء والماء والغاز سواء الطبيعي أو المصاحب والاتصالات والأبنية والمؤسسات العلمية وقطاعات التعليم والصحة والمؤسسات القانونية فضلا عن رأس المال المادي الثابت والذي يتعلق بالأنشطة الانتاجية المباشرة من السلع والخدمات، والعنصر الثالث حجم الثروة من الموارد الطبيعية ومخزوناتها، ورغم تمتع العراق بالموارد الطبيعية  الكثيرة إلا أنه يفتقر إلى رأس المال الاقتصادي بوصفه الجزء الاساسي من البنى التحتية.

ومن الجدير بالذكر هنا أن البنى التحتية تحتل أهمية خاصة في برامج التنمية الاقتصادية التي تتطلب قبل كل شيء خدمات بنيوية متكاملة وتشمل الطرق وموانئ وسكك الحديد والكهرباء والطاقة الوقودية.  وبدون توافر هذه البنى فإن عملية الاعمار، التي طالما دعت لها الحكومات المتتالية وزعمت تنفيذها، والانتقال بها إلى مرحلة متطورة من التنمية الاقتصادية ولكن الواقع يشير إلى انها مجرد زوبعة في فنجان. فالطرق العامة البرية متأكلة ومخربة لدرجة أصبحت طرقا للموت حسب تقارير دوائر المرور، ولم نسمع من وزارة الاعمار والاسكان توصيفا لهذه الطرق ومشاريع استراتيجية لمعالجتها، أما الموانئ فان التقارير عنها وإلى حد قريب مثيرة للاستغراب لأنها تحولت بالطرق التي تدار بها إلى مرافق  خاصة تابعة لهذا الحزب أو ذاك او لهذه الميليشيا أو تلك  ولهذا تحولت إلى منافذ للتهريب أو دخول بضائع خارج الصلاحية ناهيك عما يصاحب ذلك من إدخال الممنوعات، وأما سكك الحديد فأمست أوهن من بيت العنكبوت، أذا ما قورنت بمرحلة الستينات والسبعينات بل وقبل ذلك  في اربعينات وخمسينات القرن الماضي .أما الكهرباء فتحولت بعض قطاعاته إلى مستنقع للفساد فحتى عام 2017  كانت مجموع المبالغ الرأسمالية المخصصة لها 40 مليار دولار وهذه المبالغ كافية لإنتاج 40 الف ميجاواط  كافية لسد حاجة العراق والتصدير إلى الخارج .

   وبرغم الاضطراب في السياسة الاقتصادية للدولة فلا زالت المراهنة على مشروع مجلس الاعمار الذي يهدف إلى انشاء البنى التحتية وإقامة المشاريع الكبرى كالطرق والجسور والمطارات والموانئ والسكك سريعة الحركة لما في ذلك من توفير فرص عمل، والأهم في الموضوع أن التمويل لا يعتمد على الموازنات السنوية بل عن طريق الاستثمار المباشر وغير المباشر. واذا ما تحقق كل ذلك فسيكون العراق قد تجاوز الخسائر التي تكبدها في الفترة منذ عام 1979 والتي تقدر 830 مليار دولار .إن النجاح في هذه المشاريع الكبيرة يتطلب وضع خارطة طريق متوسطة وبعيدة المدى مع الأخذ بعين الاعتبار تحديد الاولويات التي يحتاجها الاقتصاد والسوق العراقية واعاد تقييم شامل لكل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والتنسيق مع الحكومة الصينية التي يفترض ان تدخل شركاتها إلى العراق تنفيذا للاتفاقية المبرمة بين الحكومتين، وضمان تمويل المشاريع المبرمجة في المجلس خارج إطار الموازنات السنوية وإنما من خلال صندوق سيادي حكومي وانهاء الازدواجية في المؤسسات المتخصصة في مجال الاستثمار ومعالجة التقاطع في الصلاحيات بين الهيئة العامة للاستثمار والمحافظات .

عرض مقالات: