تشكل الحركة التصنيعية وخاصة الصناعات الخفيفة المتمثلة بالصناعات الانشائية والغذائية والكيماوية وصناعة السجاد اليدوي والأثاث والصناعات النسيجية وصناعة الملابس والأواني المنزلية على اختلافها وورش الحدادة والمشروبات الغازية وغيرها الكثير، موضوعا مهما يستدعي دراسة ملفه باهتمام غير عادي من قبل الحكومة من أجل أن يكون مكملا للقطاع الصناعي الحكومي وملبيا لحاجة الطلب المحلي الاستهلاكي على طريق إنهاء ظاهرة إغراق السوق العراقية بالمنتجات الرديئة.
ومن الطبيعي أن نلحظ ابتلاء السوق العراقية بأنواع لا حصر لها من المنتجات الأجنبية رخيصة الثمن ولكنها لا تصمد طويلا أمام استعمالها من قبل المنتجين والمستهلكين، وهذا الوضع فرضه الطلب العالي ورخص أسعاره وغياب المنافسة المحلية من القطاع الصناعي الخاص الذي تعرض إلى الشلل من جراء هروب رأس المال الوطني إلى خارج العراق، حيث تتوفر البيئة الانتاجية الملائمة، وضعف القدرة المالية للصناعيين العراقيين وعدم تبني الدولة برنامجا اقتصاديا محددا يعطي أهمية استثنائية لتطوير هذا القطاع وتنميته وتمكينه على مقاومة المستورد من السلع الرديئة.
إن ما يدفعنا للبحث في هذا الموضوع الاقتصادي الهام اعتبارات عدة يقف في مقدمتها الوضع الاقتصادي المعتل الذي لم يثبت قدرته على مواجهة الحاجات المتفاقمة التي فرضتها أشكال متعددة من الضغوط والتحديات على الصعيدين الداخلي والخارجي لمواجهة ظاهرة نزوح لم يعهدها العراق في تاريخه الحديث، والاعتبار الآخر التوجه الحكومي في تكريس خططها على المشاريع الخدمية دون الإنتاجية المباشرة، ويعتبر جزءا من ترشيد الانفاق التكلفة الاقتصادية الباهظة المترتبة على الاستيراد العشوائي للبضائع والسلع الرديئة، والاعتبار الثالث غياب دور القطاع الخاص على استيعاب الآلاف من العاطلين عن العمل من مخرجات العملية التعليمية، وبالتالي سد نافذة مهمة يتسرب من خلاها الشباب إلى ممارسة الأعمال غير المشروعة كاللوذ إلى تناول المخدرات او الاتجار بها المحرمة قانونيا واخلاقيا.
من هذه المنطلقات ولأجل المساهمة في تفعيل دور القطاع الصناعي الخاص ليكون رافعة مهمة من روافع الاقتصاد الوطني نطرح بعض المقترحات لعلها تسهم في معالجة اوضاع هذا القطاع الحيوي في إطار المنهاج الحكومي المرتقب:
- تفعيل دور القطاع المصرفي العراقي في تنشيط الاستثمار في القطاع الصناعي الخاص من خلال تعزيز السياسة الادخارية التي تعتبر المرحلة الأولى في الاستثمار وهذا أفضل ألف مرة من ممارسات المضاربة المالية الضارة، فضلا عن دورها في التخفيف من ظاهرة التضخم في الاقتصاد ويمكن تطوير فكرة إعادة هيكلة المصارف الحكومية إحدى المعالجات الواعدة.
- اتخاذ خطوات طالما جرى التأكيد عليها سواء من قبل الحكومة او البنك المركزي في تقديم التسهيلات الائتمانية لتنشيط دور القطاع الخاص وخاصة الصناعي بهدف تعافي الاقتصاد الإنتاجي المنطوي على ذاته ودعم المبادرات الصناعية.
- تفعيل القوانين الاقتصادية المعطلة مثل قانون حماية المنتج الوطني وقانون التعرفة الكمركية وقانون المنافسة وقانون منع الاحتكار وغيرها لخلق بيئة مناسبة أمام الصناعيين من أجل حركة تشغيلية ديناميكية تعزز الانتاج الوطني وترفع من نسبة مساهمته في الانتاج المحلي الاجمالي.
- العمل على تشجيع الصناعيين العراقيين في ادخال التكنولوجيا في العملية الانتاجية من أجل رفع مستوى الانتاج من حيث الكم والنوع وهذا يدخل في خطوة استرتيجية مهمة تتمثل في خلق بيئة تكنولوجية تطور الصناعة العراقية بقطاعيها العام والخاص وهذا يتم من بين أمور عديدة تشجيع الاستثمار الاجنبي.
- اتباع سياسات ضريبية ونقدية ومراجعة أسعار الصرف على طريق منع التضخم وتشوهات الأسعار بما تصب في نهاية الامر في خدمة الصناعات الوطنية.
- العمل الجاد في توفير الطاقة الكهربائية لما لها من أهمية في تقليل تكاليف الانتاج وبالتالي تشجيع الصناعيين على تفعيل دورهم في تنمية الصناعة الوطنية ويتحدد دور الدولة في هذا المجال مراجعة وضع وزارة الكهرباء وسياساتها التي لم تحقق تطورا ملموسا على امتدا السنوات الماضية رغم الانفاق الهائل الذي يزيد على 80 مليار دولار وما زالت بحاجة إلى المزيد من الأموال.