اخر الاخبار

من المعروف أن المقصود بالموازنة هو عبارة عن تقديرات تخمينية رقمية مفصلة تعكس حجم النفقات العامة والإيرادات المالية خلال فترة قادمة تنجزها الحكومة غايتها تنفيذ برامج اقتصادية تخدم الشعب شريطة اقرارها من السلطة التشريعية عبر تشريع قانون ملزم باستخدام أفضل الطرق لاستغلال موارد الدولة، فهل طبق هذا المفهوم في الموازنات السابقة أو سيطبق في موازنة هذا العام؟

الغريب في موازنة هذا العام أن الحكومة قد صممتها على أساس التدابير التي اتخذتها في وقت سابق لإعداد الموازنة، منطلقة مما أسمتها بالورقة البيضاء والتي جوبهت بانتقادات لاذعة من الكثير من الاقتصاديين وخبراء المال والشرائح الواسعة المتضرر من طبيعة المنهج الحكومي الذي عرضته الورقة، فقد بلغ حجم الانفاق الكلي العام 164 تريليون دينار أي ما يعادل 113 مليار دولار وبعجز مقداره 72 تريليون دينار ما يعادل 50 مليار دولار، علما أن مجموع الايرادات التخمينية 92 تريليون ما تعادل 63 مليار دولار.

ومن الواضح أن تغطية هذا العجز سيتم عن طريقين الاقتراض الداخلي والخارجي وفرض الضرائب والرسوم على الدخل والخدمات وفائض القيمة على السلع المستوردة، إلا أن  الحكومة في هذا العام لجأت الى طريق أكثر إيلاما عبر تخفيض سعر الصرف للدينار العراقي، الذي ترجم  بمزيد من الضغط على رواتب الموظفين التي تعرضت لضريبة مزدوجة مباشرة وغير مباشرة، فان الحكومة رفعت من نسبة ضريبة الدخل على رواتب الموظفين بكامله وفي نفس الوقت خفضت القوة الشرائية بنسبة 25 في المائة، فأصبحت الرواتب عديمة القيمة  لكنها بنفس الوقت سكتت عن فرض ضرائب تصاعدية على أصحاب الثروات التي تضخمت بفعل الاستحواذ على المال العام وكبار التجار المهيمنين على السوق العراقي الذين أثروا من خلال غسيل الاموال عبر نافذة البنك المركزي وعبر مصارف خاصة تملكها طغمة مالية لها القدح المعلى في تسيير شؤون الدولة.

إن موازنة هذا العام ستخلق مشهدا غير معهود وغير متوقع فإنها ستنقل شريحة الموظفين والمتقاعدين والفئات الواسعة من الكسبة وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى خانة الطبقات الفقيرة، حتى أن العديد من مراكز البحث تقدر وصول نسبة الفقر بالعراق الى 40 في المائة ارتباطا بانخفاض تخصيصات البطاقة التموينية من تريليون وخمسمائة دينار في عام 2019 الى 795 مليار دينار بنسبة 48 في المائة،  وبما أن هذه الشرائح تشكل محور الطلب الكلي في الاقتصاد فان منحنى الطلب العام سيميل إلى الانخفاض الحاد وبالتالي سيتعرض الاقتصاد العراقي الى حالة مأزومة من الانكماش وهبوط معدلات النمو التي لا تشكل بالأصل إثنين في المائة يصاحبها ارتفاع معدلات التضخم والمستوى العام للأسعار وخاصة السلع الأساسية المستوردة.

 ومن النتائج المترتبة على هذه السياسات عدم قدرة قطاعي الانتاج الزراعي والصناعي على الانتعاش، كما تحاول الحكومة اقناع العراقيين لأن هذه القطاعات تعتمد اساسا على استيراد المواد الاولية التي تحتاجها، ومن نتائجها كذلك هروب المستثمرين مع هروب رؤوس الاموال وما ينتج عنهما من انخفاض قيمة الناتج المحلي الاجمالي المتوقعة بحيث تصل الى 11 في المائة فضلا عن ارتفاع نسبة البطالة نتيجة لانخفاض فرص العمل وفقا لمؤشرات الموازنة مع ما يصاحبها من توترات اجتماعية ساخنة.

إن معالجة الخلل البنيوي في الموازنة مرهون بما يسفر عن مناقشة البرلمان الذي سيتحمل مسئولية الأضرار الاجتماعية العميقة، كما الحكومة إن لم تتخذ القرارات الصحيحة من خلال إجراء تعديلات جوهرية في هيكلية الموازنة عبر الضغط على أصحاب رواتب الدرجات العليا السابقين والحاليين والتخفيف من الضغوط على أصحاب رواتب الموظفين والمتقاعدين، كما أن البنك المركزي مدعو إلى مراجعة سعر صرف الدينار بخطوات تدريجية حفاظا على القيمة الشرائية لشرائح الموظفين والمتقاعدين، والحكومة مطالبة أيضا بتقليص الإنفاق غير الضروري في جهاز الدولة، ابتداء من قمة الهرم وتدعيم الإنفاق على البطاقة التموينية وتحشيد الجهد الوطني ضمن عملية تنموية وردم مستنقع الفساد الوجه الآخر للإرهاب.

عرض مقالات: