اخر الاخبار

بعد اقدام البنك المركزي على تخفيض قيمة العملة العراقية وانعكاسات هذا القرار على ارتفاع مستوى الأسعار ومعدلات التضخم في الاقتصاد وتردي مستوى معيشة المواطنين العراقيين ووصول أوضاع الملايين إلى مستوى خط الفقر، يجري الحديث عن رفع الأصفار عن العملة النقدية الوطنية في خطوة لإعادة هيكلية العملة وبالتالي إثارة اشكالية جدلية بشأن راهنية تطبيق هذا المشروع الذي سبق أن طرح من قبل البنك المركزي في عام 2005 واصطدم بمعارضة شديدة من قبل المهتمين بالشأن الاقتصادي والنقدي.

 ومما لا جدال فيه أن العراق ورث في عام 2003 أوضاعا اقتصادية ومالية متقلبة وتضخما نقديا هائلا نتيجة الحروب والحصار الاقتصادي أدت إلى آثار سلبية على انتظام السوق التجارية وأسواق العمل والانتاج ومستوى معيشة متدهور تولدت عنها تشوهات كثيرة في البنى والعلاقات الاقتصادية كان من بينها وجود كتلة نقدية كثيرة الأصفار قليلة القيمة لا تتناسب مع أية تطورات في حاضر العراق ومستقبله، فعلى سبيل المثال ارتفعت قيمة العملة الأكبر من 25 دينار إلى 25000 دينار مما يقتضي والحالة هذه إلى ايجاد مخارج لهذه الاوضاع ومخلفاتها.

ومن الضروري ونحن نناقش هذا المشروع الجدلي نشير إلى أن السياسة النقدية تعتبر أولى مهمات البنك المركزي شأنها شان السياسة المالية بوصفها اداة من أدوات التنمية الاقتصادية والاستقرار الاقتصادي في العراق ومن هذا المنطلق فان تقليص الكتلة النقدية يعتبر من تجليات هذه السياسة ليس بوصفها سياسة منعزلة عن الفعاليات الاقتصادية الاخرى وانما هي جزء اساسي من هذه المنظومة التي تستهدف تحسين الاداء الاقتصادي لكن فعاليتها ونجاحها يتوقف من بين أمور عديدة على وجود جهاز تنظيمي وإداري لمنظومة الجهاز المصرفي الحكومي والاهلي كفوء وقادر على دراسة وتحليل كافة العوامل التي تؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة على تحديد آليات هذا المشروع و راهنيته وضبط ايقاعه.

إن تنفيذ هذا المشروع يتطلب دراسة واقع الاقتصاد في الظروف الراهنة بصورة معمقة قبل الاقدام المتسرع خاصة إذا ما علمنا أن من متطلبات هكذا قرار توفر الاستقرار في مستويات الأسعار واستقرارا سياسيا واعتدالا في معدلات التضخم وقطاعا انتاجيا فعالا، وهذه كلها غير متوافرة في هذه المرحلة، أضف إلى ذلك أن حذف الأصفار وتقليص الكتلة النقدية كاية عملية كبرى سوف تترك بدون شك آثارا سلبية وتخوفا لدى المؤسسات والأطراف التي تتعامل بالعملة النقدية ومنها:

  1. آثار نفسية بعمليات الدين خارج المصارف والسوق النقدية الرسمية ربما تؤدي عن جهل إلى منازعات قد تؤدي إلى اضطرابات مضافة إلى الوضع الامني المتوتر.
  2. تداعيات على سوق الأوراق المالية حيث ستنخفض رؤوس الأموال العائدة إلى الشركات والافراد المتعاملين مع السوق بنفس نسب الأصفار الأمر الذي يتوجب إغلاق السوق لفترة معينة لغرض إصدار شهادات جديدة للأسهم.
  3. المبالغ الكبيرة التي يتطلبها طبع العملات الجديدة التي يمكن توظيفها في مجالات أخرى هي أحوج ما تكون اليها كالخدمات الصحية في زمن الكورونا وكذلك التعليمية.
  4. ان رفع الأصفار سيؤدي إلى انخفاض القيمة الاسمية لدخول العاملين في كافة القطاعات حتى لو احتفظت بقيمتها الحقيقية وهي حالة تسبق انخفاض الأسعار التي غالبا ما تأتي متأخرة.

مما تقدم ولأجل خلق البيئة المناسبة  لحذف الأصفار لابد للبنك المركزي أن يأخذ في الاعتبار اتخاذ حزمة  من التدابير وفي مقدمتها إعادة سعر صرف الدينار إلى سابق عهده لانتفاء الأسباب التي قادت إلى رفع قيمة الدولار توطئة لاستقرار قيمة العملة ومستويات الأسعار وخفض معدلات التضخم مع كبح جماح المضاربات المالية التي تقوم بها المصارف الاهلية التي تملكها الأحزاب المتنفذة بالإضافة إلى بناء احتياطيات أجنبية مؤازرة للدينار العراقي والتي تعد غطاء للعملة العراقية وتحسين نظام المدفوعات واعادة بنائه ارتباطا  بمستقبل التطور الاقتصادي ومعطياته الحقيقية والاسمية. ومن الضروري جدا التدرج في بناء هذا المشروع الواعد بعيدا عن الموسمية والعجالة.

عرض مقالات: