اخر الاخبار

تعد ظاهرة الدولرة في الاقتصادات النامية والعراق من ضمنها، من الظواهر الاقتصادية المهمة في حال حدوث الأزمات وتراجع الأداء الاقتصادي والظروف التي تتعاظم فيها معدلات التضخم وكذلك نتيجة للتحرر المالي وفتح الأسواق لتدفق رؤوس الأموال الأجنبية مما سمح بالتداول جنبا إلى جنب مع العملة المحلية لتؤدي ذات الوظائف.

في العراق لا يمكن للصناعة أن تنمو وتتطور على نظام الاقتصاد المفتوح باتباع نظام الخصخصة وانفتاح الاقتصاد الذي تبناه عدد من الاقتصاديين العراقيين تحت ما يسمى باللبرالية الجديدة أو العولمة الاقتصادية او ما يدعوه البعض بالرأسمالية المنفلتة أو الجامحة أو ما تسمى في بعض الأدبيات بالرأسمالية المتوحشة،  وأنه  لا توجد دولة واحدة في العالم النامي اعتمدت ما يسمى بالاقتصاد المفتوح واستطاعت من خلاله أن تطور اقتصادها وتنميه، انما كان العكس تماما وفي جميع الدول النامية التي سارت بهذا التوجه منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا سواء كان مسارها هذا طوعا لاقتناعها بهذا النهج الاقتصادي أو قسرا تحت ضغط الولايات المتحدة مباشرة أو من خلال المؤسسات الدولية التي تمثل آلة الضغط مثل صندوق النقد الدولي او البنك الدولي او منظمة التجارة العالمية .

ويتضح بجلاء دور الليبرالية الجديدة في الدول الصناعية في تقسيم غير عادل للثروة فقد ازداد الفقراء فقرا والأغنياء غنى، وانتهت مرحلة ما تعرف بدولة الرفاهية ولم تكن الزيادات الأسطورية في ثروات الأفراد والمؤسسات نتيجة لتطور القطاعات الاقتصادية كالصناعة والزراعة وانما من خلال المضاربات والاستثمار في المؤسسات المالية كالبنوك وشركات التأمين وإعادة التأمين والبورصات والأسواق المالية والنقدية المختلفة.

  ومن المعلوم أن استخدام الدولار في التعامل المحلي في العراق  بدأ بالتغير في النصف الثاني من عقد الثمانينيات مع تزايد انخفاض قيمة العملة المحلية (الدينار ) وظهور بوادر التضخم السريع في الاقتصاد العراقي نتيجة للحرب العراقية الإيرانية وتأثيره  على استنزاف الموارد المالية  الجارية  وأرصدة الاحتياطات المالية من العملة الأجنبية،  وهو ما سبب في انخفاض سعر صرف الدينار العراقي من0.306 دينار لكل دولار في عام 1980 إلى 707 في عام 1990  لتبدأ الدولرة الجزئية في الظهور في الاقتصاد العراقي  بعد التحول الجزئي إلى القطاع الخاص للمساهمة في التجارة الخارجية عبر الاستيراد بدون تحويل خارجي،  وبعد عام 2003 شهدت الموازنة العامة عجزا مخططا وبشكل متزايد  ومستمر ومن أسباب ذلك هيمنة القطاع النفطي على الاقتصاد العراقي والاعتماد الرئيسي على الإيرادات النفطية في تمويل النفقات العامة ما يجعلها رهينة لتقلبات الأسعار النفطية العالمية يرافق ذلك جمود النظام الضريبي وانخفاض مساهمته في تمويل النفقات العامة  ومنذ عام 2018 سجل معدل الدولرة 13.5 في المائة والعجز الكلي 10.2 في المائة وهو ما يبين شكل العلاقة الطردية بين معدلات الدولرة  والعجز الكلي كنسبة من النتاج المحلي الإجمالي، وفي العام ذاته بلغت نسبة الدين العام الخارجي 19.3 من الناتج المحلي الإجمالي.

وبناء على هذه التحولات في مستوى تأثير الدولرة يأتي دور البنك المركزي في إعادة التوازن بين قيمة الدولار وقيمة الدينار، لهذا توجه البنك المذكور للتنسيق مع وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الفيدرالي الأمريكي لضبط قواعد التحويلات الالكترونية بالدولار من قبل الجهاز المصرفي العراقي، وفي هذا المجال يدلي المسؤولون الأمريكان في تصريح لصحيفة وول ستريت جورنال أن الارتفاع في سعر الدولار لم يكن بسبب الإجراءات الجديدة تجاه العديد من المصارف الأهلية في العراق وانما بسبب التدقيق المالي في المعاملات الدولارية.

ولا يختلف خبراء الاقتصاد في العراق أن السبب الرئيسي في تعاظم هيمنة الظاهرة الدولارية في العراق يرجع إلى انكشاف الاقتصاد العراقي إزاء الأسواق العالمية من خلال تعاظم ظاهرة الاستيراد لكافة انوع البضائع بالدولار إضافة إلى سوء السياسات المالية والنقدية، وبناء عليه فان أولى المعالجات لتفادي هذه الظاهرة يكمن في توسيع قطاعات الإنتاج وتطويرها وتقليص عمليات الاستيراد الخارجي لتحقيق الاكتفاء الذاتي والتحول إلى عملات أجنبية أخرى في تغطية الاستيرادات.

عرض مقالات: