اخر الاخبار

يعتبر ملف الاقتراض وخاصة الاقتراض الخارجي من أهم الملفات المعقدة في السياسة الاقتصادية في العراق بل وفي غيره من البلدان المتخلفة وأكثرها خطورة في الوقت الحاضر وفي المستقبل بسبب ما تتركه من أعباء ثقيلة على الاقتصاد الوطني سواء في تسديد هذه الديون كأصول أو خدماتها وبالتالي حرمانه من قروض نافعة يمكن أن توظف في التنمية المستدامة.

  إن ما يدفع للبحث في تناول إشكاليات القروض هو استعداد البنك الدولي لتقديم قرض إلى الحكومة العراقية، ومن الطبيعي أن الغرض من هذا القرض والقروض السابقة هو سد العجز المضخم في الموازنات السنوية سيما في هذا العام، ومثل هذا التوجه يتعارض مع طبيعة قروض البنك الدولي التي يفترض أن توظف للاستثمار في عمليات التنمية وليس سد العجز الناشئ عن المبالغة في الانفاق التشغيلي والذي يتعرض إلى عمليات فساد واسعة وزيادة الكلف الاقتصادية دعك من الارتهان للجهات الدائنة.

  إن مجموع الديون المترتبة بذمة العراق بلغت اكثر من 134 مليار دولار بينها 25 مليار دولار تستحق الدفع للأعوام 2020 – 2028 وديون اخرى استحقت  الدفع في عام 2020 كالتزامات تعهدية سابقة من اليابان والمانيا مقدارها 6 مليارات دولار فضلا عن الديون المتبقية داخل نادي باريس وخارجه وأن مقدار الدين الداخلي 60 مليار دولار بين وزارة المالية والبنك المركزي والمصرف العراقي للتجارة ومصرفي الرافدين والرشيد، وما يخفف من أثر هذه الديون انها تدفع عبر الموازنات السنوية، مع العلم أن العراق مطالب ب 14 تريليون دينار تسديدا لخدمة الديون في موازنة 2021  بالرغم من الايرادات الداخلة إلى العراق ومقداره(1200)مليار دولار منذ عام 2003.

إن مخاطر هذه الديون على خزينة الدولة وامتدادها على الاقتصاد الوطني تتجلى في العديد الجوانب، لعل اخطرها اقترابها من الخطوط الحمر لبلوغها 55 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي هذا أولا، وثانيا لا يقل عن ذلك خطر توظيفها في تغطية العجز في الموازنات السنوية بسبب المبالغة في الانفاق الحكومي واتجاهها  لأغراض استهلاكية التي ترتفع عاما بعد عام، وكل هذه النفقات لا تؤدي إلى توسع في الطاقات الانتاجية وبالتالي لا تؤدي إلى خلق فائض في الميزان التجاري عن طريق زيادة في الصادرات وتوفير العملة الصعبة التي تدخل في التنمية الاقتصادية وخدمة أعباء الدين الخارجي مما يترتب عليها تقليص النفقات المتعلقة بحاجة المواطنين الضرورية في التعليم والصحة والعمل.

وثالثا قد تضطر الدول المدينة إلى عمليات خلق النقود عن طريق سعر الصرف لتفادي ازمتها الاقتصادية الناشئة عن سوء ادارتها للاقتصاد كما حصل في قرار البنك المركزي في خفض قيمة الدينار العراقي وأنتج من جراء ذلك حالة تضخمية أدت وستؤدي إلى مزيد من الضغط على المستوى المعيشي لذوي الدخل المحدود والشرائح الفقيرة وبالتالي اتساع ظاهرة الفقر التي تصل في بعض التحليلات إلى 40 في المائة فضلا عن تعميق الازمة الاجتماعية وانعكاس ذلك على ديناميات الحراك الجماهيري المقاوم لهذه السياسات باتجاه التغيير.

  ورابعا تتجلى مخاطر الديون على زيادة معدلات التضخم بسبب الضغوط على الدولة من قبل الاطراف الدائنة مما تضعف من قدرتها التنافسية لصادراتها وإضعاف الانتاج المحلي الاجمالي وبالتالي الأموال الموجهة إلى الادخار وانعكاسها على حجم الاستثمارات، وفي ذات الوقت تؤدي إلى غلق العديد من مؤسسات القطاع العام الانتاجية الأمر الذي يرتب عليها إعادة جدولة الديون ومضاعفة خدماتها واللجوء إلى ما أسمته بالإصلاحات الاقتصادية التي تنعكس سلبا على الاوضاع المعيشية للطبقة الفقيرة.

  إن الدولة وهي تواجه هذه القائمة الزاخرة بالضغوط مطالبة بقوة بالخروج عن هذه السياسات الخاطئة والتركيز على أساليب التخطيط العلمي واعتماد الاستراتيجيات التنموية في قطاع الانتاج الحقيقي والاتجاه إلى مصادر تمويل اخرى وشن الحرب على الفساد ومعالجة نتائجه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال عقد اجتماعي جديد مع القوى الشعبية المنتجة وتدشين مرحلة جديدة تستعاد فيها الأصول والأموال العراقية المنهوبة في الداخل والخارج.

عرض مقالات: