اخر الاخبار

من المعلوم أن الاقتصاد العراقي يتسم بالاعتماد الشديد على الموارد النفطية في تمويل الموازنات السنوية التي تشكل 93 في المائة من احتياجات الموازنات مما يعرض الاقتصاد إلى المخاطر في حال تعرض الأسعار إلى الانخفاض عند أول أزمة يتعرض لها الوضع الدولي مما تترتب عليه نتائج خطيرة في الإنفاق العام سواء ما يتعلق بخطط التنمية او توفير رواتب العاملين في القطاع الحكومي، وانسحاب هذ الخطر على الاحتياطي النقدي ومن ثم انخفاض قيمة العملة الوطنية واللجوء للاستدانة من المؤسسات المالية العالمية المعروفة وبالتالي ارتهان الاقتصاد العراقي لمصالح تلك المؤسسات.

ويبدو أن صندوق النقد الدولي الذي طالما يعتمد العراق على نصائحه فيما يتعلق بتقييم الأوضاع الاقتصادية بين فترة وأخرى عند بروز أوضاع تستدعي التحليل وتقدير نتائجه ولهذا السبب أوصى الصندوق في الثالث من آذار الجاري العراق بتقليل الاعتماد على النفط والعمل على زيادة الإيرادات غير النفطية وضبط الانفاق العام من أجل ضمان الاستمرار في الاصلاحات الاقتصادية وتحقيق النمو بشكل مستدام، ويبدو أن البيان الختامي لخبراء الصندوق بنهاية بعثة مشاورات المادة الرابعة لعام 2024 قد قرع جرس الإنذار للحكومة العراقية تحذيرا من زيادة كبيرة في مواطن التعرض لتقلبات أسعار النفط على المدى المتوسط إثر تصاعد التوترات الإقليمية وينصح بزيادة الصادرات غير النفطية والإيرادات الحكومية وحاجة العراق إلى نمو أعلى وأكثر استدامة في القطاع غير النفطي لاستيعاب القوى العاملة سريعة النمو والتي تعاني حالية من نسبة بطالة تزيد على 16 في المائة.

وهذه النصائح والتحذيرات قد تنبه لها الحزب الشيوعي العراقي قبل عشرين عاما فقد أصدر في 23-24 من شهر كانون الأول من عام 2004 عن المجلس الحزبي السادس وثيقة (توجهاتنا في السياسة الاقتصادية) والتي جاء فيها أن في العقود الثلاثة الأخيرة اشتد اعتماد الاقتصاد العراقي على النفط مقابل انحسار مساهمة القطاعات الإنتاجية الأخرى. والنفط، رغم ضخامة الاحتياطي الذي يمتلكه العراق، يظل مورداً ناضباً وسلعة يتحقق بيعها في الأسواق العالمية وتخضع لتقلباتها ولتأثير القوى المهيمنة عليها. فتراجَعَ الإنتاج الزراعي وأصبح العراق، أرض السواد، بلداً يعتمد على الاستيراد في إشباع أكثر من ثلاثة أرباع احتياجاته من المنتجات الغذائية، وتقلصت مساحة الأراضي المزروعة وانخفضت معدلات الإنتاجية. ويكاد يكون الوضع أكثر سوءاً في الصناعة حيث حولت جلّ طاقات المشاريع الصناعية الكبرى لأغراض التصنيع العسكري ولخدمة آلة الحرب على حساب إشباع الحاجات المدنية السلمية للمواطنين، وقد تعرض معظمها للتدمير والتخريب والنهب. وأما حال الصناعات الوطنية للمواد الاستهلاكية، فما نجا منها من الدمار والتخريب زاد في ضعفها الانفتاح التجاري وإطلاق حرية الاستيراد.

ومع اشتداد أزمة القطاعات الإنتاجية وانحسار دور الدولة الاقتصادي والتنظيمي، نما قطاع واسع من أنشطة اقتصاد الظل غير المحكوم بضوابط وتشريعات استوعب قسماً من العاطلين عن العمل والمهمشين اقتصادياً. وتتسم هذه النشاطات بغلبة الطابع الخدمي البدائي.

إن استعراضا واقعيا للبنى الاقتصادية غير النفطية لم يجد فيها المتابع أي مؤشر مبهج للقطاعات الإنتاجية الأساسية خارج الصناعة النفطية طيلة الفترة الماضية بعد صدور تلك الوثيقة، فالصناعات التحويلية يرثى لها والزراعة تعاني الأمرين سواء في المساحة المسموح زراعتها مع استمرار ازمة المياه، وكلا القطاعين يشكلان 5 في المئة من الإنتاج المحلي الإجمالي في عام 2015، ولا زالا يشكلان نفس النسبة في عام 2024 والبضائع الاستهلاكية المستورة تغزو أسواقنا ولا شيء قريب للحل في أزمة السكن سوى انتشار الاحياء العشوائية التي تأوي ملايين البشر فما عدا مما بدا!

إن تخطي حالة اختلال التوازن في الاقتصاد يكمن في الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية المتنوعة فيما تحت الأرض وما فوقها بما فيها الموارد البشرية مع الاستمرار في انتاج الطاقة البترولية لتكون مصدر تمويل لقطاعات الانتاج على تنوعها وفق خطط استراتيجية علمية هو الحل على كافة المديات الزمنية.

عرض مقالات: