يبدو ان استقالة القاضي عبد الرحمن الزيباري من المحكمة الاتحادية، التي أعلنها يوم الثلاثاء الفائت في مؤتمر صحفي، لن تكون رد الفعل الوحيد على تداعيات قرار المحكمة الاتحادية العليا، الخاص بتوطين رواتب جميع موظفي الإقليم، ضمن الدعوى التي نظرت فيها في جلستها المنعقدة يوم 21\2\2024. وقد برر القاضي استقالته بـ “وجود نزعة في قرارات المحكمة نحو العودة إلى المركزية في الحكم، مثلما كان متبعا في عهد النظام الدكتاتوري، والابتعاد عن النظام الاتحادي على حساب سلطات إقليم كوردستان وكيانه الدستوري”.

ثم جاء المؤتمر الصحفي للأحزاب المسيحية ضمن ائتلاف حمورابي وتحالف الوحدة القومية والهيئة السياسية الكلدانية، الذي عقدته  في 11/3/2024 وأعلنت فيه مقاطعتها لانتخابات برلمان الإقليم 2024، تعبيراً عن رفضها لقرار المحكمة الاتحادية القاضي تقليص عدد مقاعد البرلمان من 111 إلى 100 مقعد، بعد أن قضت بعدم دستورية مقاعد كوتا المكوّنات. وقد وصفت القرار في بيان لها بـ “الخطأ التاريخي الذي ارتكبته المحكمة الاتحادية، بإلغائها مقاعد كوتا الشعب والأمة الكلدانية والآشورية والسريانية والأرمن”.

يتضح مما تقدم ان تداعيات قرار المحكمة الاتحادية لا تقف عند حدود توطين الرواتب، رغم أهميته الاستثنائية لمعيشة المواطنين في الإقليم، وهو المطلب الشعبي الذي يحظى بألأولوية في الاهتمام كردستانيا، شعبيا ورسميا. حيث سرعان ما يكون استلام المنتسب في الإقليم راتبه تحصيلَ حاصلْ، وحقا لا جدال فيه، ويصبح التوطين واجب التنفيذ بأي طريقة يتم الاتفاق عليها بين وزارتي المالية الاتحادية والكردستانية، وبعد ذلك ستظهر الملفات العالقة بين الحكومتين على السطح برسم الحلول.

ولا يحتاج المتابع لأزمة العلاقة بين الحكومتين، الاتحادية والاقليمية، كثير جهد ليكتشف ان الازمة أعمق بكثير من ان تحلها إجراءات فنية، مثل توطين الرواتب، بل ان المرجح ان يكون الغاء كوتا المسيحين فاعلا جديدا من فواعل الازمة، التي يشكل صراع القوى المتنفذة على شكل الدولة ومحتوها واحدا من اهم أسبابها.

لقد اقر الدستور العراقي في مادته الأولى الشكل الاتحادي للدولة، حيث نصت المادة على ان (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي. وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق.) لكن رغم وضوح هذه المادة، فانها لم تعد كافية لحل الإشكالات القائمة حول مفهوم الفدرالية والصلاحيات العامة والحصرية، بما يشمل توزيع السلطات والثروات والميزانية. لذا يحتاج الامر الى حوارات وتفاهمات.

ان التوزيع العادل للسلطة والثروة هو ابسط وأعمق تعريف لجوهر لفدرالية، التي تشكل حلا ملموسا للحالة العراقية. لذا يحتاج النظام الفيدرالي في العراق الى تكييف اكثر ملائمة للمفهوم، كي يتيح فهما واضحا لا لبس فيه. فالنظام الفيدرالي يختلف من بلد الى بلد. ولهذا لا يمكن حل موضوعة العلاقة بين الإقليم والحكومة الاتحادية عبر إجراءات إدارية وقانونية فقط، بل يتطلب الأمر جهدا سياسيا، وحلولا ترضي الجميع وتؤمَّن عبر تفاهمات مشتركة، تأخذ في الاعتبار جميع الابعاد المؤثرة فيها، بضمنها البعد التاريخي، الذي يجب ان يكون درسه واضحا لا لبس فيه، عبر الحوار المفضي الى التعايش المشترك والمساهمة العادلة في السلطات الدستورية وفي مؤسسات الدولة، على قاعدة التوزيع المنصف للسلطة والثروة.

عرض مقالات: