اخر الاخبار

“ حقيقةً لغة مختلفة ، منطق للفهم مختلف، عالم وثقافة مختلفان ، لا يمكننا اللحاق بهما ، كأننا في مكان ثان آخر.. أنهم كائنات لا مشتركات بيننا وبينهم ، اهتماماتهم شكلية بحتة صاغتها معطيات السوشيال ميديا بمعايير وقيم واهتمامات مختلفة لا نفهمها ، وهي ليست جزءا منّا .. سبقونا بأشواط لا نلحق بها “ .

بحرقة وبغضب وصفت الدكتورة شفق عباس جدوع أستاذة كلية التربية في جامعة بغداد، الهوة السحيقة بين الجيل الجديد من الشابات والشباب، والعالم الواقعي للمجتمع، تعقيبا على ما لاحظناه معا في الأسبوع الماضي من عزوف شبه تام لطالبات كلية البنات، عن حضور فعاليات الأسبوع الثقافي للمرأة العراقية لمناسبة أعياد المرأة.

وبمنطق علمي تحاول الدكتورة شفق تفسير ما يحدث قائلة أن المسافات الجيلية عادة ما تُحسب بعمر 50 سنة ، في حين تحسب الآن بعمر 5 سنوات فقط. وما كان يحدث في عام مثلا، يحدث حاليا في شهر واحد.. فالتسارع مذهل ورهيب وليس كله ايجابي للأسف، ولا أدل على ذلك من احتمال فقدان 30 ألف وظيفة بسبب التقدم التقني المتسارع.

وتجزم الدكتورة شفق مضيفة بمرارة: “ نحن لا نعرف مصيرنا” !

وقبل أن نغوص في اليأس اسألها عن حبال النجاة ، وهل من أمل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ فتجيب بحدة: لابد من وجود طريقة لإدارة لازمة ، لابد من قيادة للموجة .

وأسألها: ممن برأيك تتشكل هذه القيادة؟

تجيب بقول العارف المتيقن: جميع المؤسسات معنية، الأكاديمية والتربوية، المجتمع المدني، السلطات السياسية والتشريعية، وقبلها البيت والتربية فيه.

معلوم أن الشاب والشابة يلتحقان بالجامعة بعمر 18 سنة، يأتيان وهما متشبعان بتربية العائلة والمجتمع بكل سلبياته وايجابياته، وفي الغالب متأثران بقيم وسلبيات السوشيال ميديا ، وعلى حد وصف الدكتور داوود سلمان العنبكي أستاذ مادة اللغة العربية في الجامعة:” يأتونا مخرَّبين ، كيف لنا أن نغيرهم وفق نظام تعليمي بائس؟!”.

وبمرارة تتحدث مسؤولة النشاطات العلمية والأدبية بالجامعة عما تعانيه من إعراض تام من قبل الطالبات والطلبة لعن النشاطات العلمية والثقافية، مهما بلغت من الأهمية والتشويق معا. إنهم بعيدون عن فضاءات التلقي الايجابية إلا ما ندر، والطامة الكبرى أنه حتى أساتذتهم يتذمرون من حضور تلك النشاطات، بدعوى خسرانهم ساعات محاضراتهم المقرَّرة.

في ظل روتين حشو المناهج الرتيبة، لم يعد لدى الطالبة والطالب الوقت الكافي لتنشيط ثقافته والتزود بمعلومات ثقافية مضافة، بل ليس لديه حتى نصف ساعة لزيارة المكتبة ، بسبب توالي المحاضرات بما لا يختلف كثيرا عن دوام مدارس الإعدادية. والأغرب من ذلك بحسب أساتذة جامعة بغداد أن هناك توصية وزارية بزيادة ساعات الدوام حتى الرابعة مساء، ليتسنى تأمين الوقت الكافي للنشاطات العلمية والثقافية، فيما العجيب في بلد العجائب العراقي هو الرفض القاطع من جانب الطلبة لهذا القرار، متحججين بعدم موافقة أهاليهم على ساعات التأخير تلك، بالإضافة لاحتجاج أصحاب خطوط النقل من السائقين لعدم تلاؤم القرار مع أوقاتهم!

وهكذا أصبح سائقو الخطوط من أصحاب القرار في التلقي العلمي لطلبتنا.. فعلا “غريب أمور عجيب قضية”على رأي الفنان المسرحي الكبير الراحل جعفر السعدي.

عرض مقالات: