اخر الاخبار

ظاهرتان خطيرتان تشهدهما الحياة السياسية في الأشهر الأخيرة، سببتا القلق على حرية التعبير وعلى النشاط السياسي السلمي المعارض لنهج المحاصصة والفساد.

الأولى فرسانها سياسيو الصدفة، الذين افرزتهم نتائج انتخابات قاطعتها الأغلبية العظمى من الشعب العراقي كـ (فائزين)، وبينهم من حصل على منصب لم يحلم به يوما بفضل انسحاب الكتلة الصدرية من مجلس النواب، ليخرج بتصريحات رسمية علنية تنذر بالتضييق على حرية التعبير، وتتوعد بإقامة "دعوى قضائية على أي شخص يسيء للمؤسسة التشريعية وأعضاء مجلس النواب". وهذا من دون ان يستدرك ويبيّن حدود الإساءة، وبذلك اضاف مقدسا جديدا يُحرّم مسّه، متجاهلا ضرورة النقد باعتباره أحدى أدوات الممارسة السياسية.

اما الظاهرة الأخرى فهي الاغتيالات التي تصاعدت وتيرتها دونما رادع، حتى بدا ان ذراعها أطول من ذارع السلطة. فقد استقوت العصابات الميليشاوية على الشعب بسلاحها المنفلت، وفرضت نفسها كسلطة ظل، مستحضرة أسلوب الاغتيال السياسي من تراث أجهزة النظام الدكتاتوري البغيض، وتنظيماته الفاشية كجهاز (حنين)، وسارت على نهجه بالتنفيذ البشع لجرائمها في وضح النهار.

لقد طالت اياديها الآثمة كل من يعارض الفساد ويقف بالضد من المحاصصة، ويسعى لتغيير الأوضاع بما يحفظ كرامة المواطن وسيادة الوطن. ووصل الاستهتار حد التطاول على شخصيات كبيرة، كانت آخرها محاولة اغتيال الأستاذ فخري كريم، الشخصية الديمقراطية ورئيس مجلس السلم والتضامن ورئيس مؤسسة المدى، وذلك يوم الجمعة 23 شباط الجاري، حينما كان عائدا الى بيته من معرض الكتاب الدولي يوم الأحد 18 من شهر شباط الجاري. وقبلها، في يوم 18 الجاري، اختطاف الناشط من التيار الصدري أيسر الخفاجي في محافظة بابل، ليتم العثور على جثته في اليوم التالي.  

لم تأتِ خطوات القمع المنظم المنذرة بالشؤم اعتباطيا، بل يبدو انها اجراء مدروس يقع في سياق اجراءات الثورة المضادة التي ارعبتها انتفاضة تشرين.

 ولكي نتعرف على أصحاب المصلحة في الانقلاب على حرية التعبير، لا بد من دراسة الجذر الطبقي لتحالف طغمة الحكم مع حيتان الفساد، واستحواذهم على السلطة السياسية واحتكارها من قبل أقلية (اوليغارشية) تمسك بالسلطة وتتحكم بالمال. ولا يحتاج الامر كثيرا من الجهد لمعرفة ان أصحاب المصلحة في التضييق على حرية التعبير، هم الطبقة المترفة فاحشة الثراء التي تضم حيتان الفساد والمرابين من أصحاب البنوك وكبار المضاربين بالعملة الصعبة، الذين كانوا قبل 2003 من اصحاب "البسطيات" ثم انتفعوا من مزاد العملة واصبحوا أصحاب تريليونات، ومعهم سماسرة الصفقات وقادة المليشيات الذين استهوتهم لعبة جني المال أيّا كانت الطريقة، وبعض كبار موظفي الجهاز البيروقراطي للدولة التابعين للقوى المتنفذة، ومسؤولو اللجان الاقتصادية لأحزاب السلطة، ومهربو النفط، ومجرمو صفقة القرن واشباههم في هذا النوع من الجرائم، ولا ننسى أيضاً كبار تجار المخدرات والمتاجرين بالبشر.

لكل ما تقدم ينهض امامنا، كمجتمع مدني بمعناه الواسع، واجب التصدي لهاتين الظاهرتين بدون هوادة، عبر مباشرة المكافحين من اجل التغيير الشامل بالخروج من صمتهم وتنسيق جهودهم، ومقاومة كل نزعات الاستبداد والتسلط والاستحواذ والتفرد، وذلك بالأساليب السلمية والقانونية، وبجرأة وتفانٍ وبسالة تليق بالديمقراطيين الحقيقين.

عرض مقالات: