اخر الاخبار

واجهت الحكومات العراقية المتعاقبة بعد الاحتلال في عام 2003 تحديات كبيرة في عملية استحصال الضريبة من دوائرها المتخصصة وبالأصل استحصالها من المصادر الخاضعة لها سواء كانت ضرائب الدخل او ضرائب العقارات او الضرائب والرسوم الكمركية فضلا عن الضرائب المفروضة على استيراد السلع والبضائع التي يتعامل بها المستوردون الكبار على وجه الخصوص المتعاملون مع نافذة البنك المركزي.

ومن الواضح أن هناك فارقا كبيرا بين التقديرات الضريبية والمبالغ الفعلية المتحصلة منها   ويعود السبب في ذلك إلى قدم الأساليب  والتقصير المتعمد أو غير المتعمد في تطبيق القوانين واللوائح الخاصة باستحصال الضريبة الأمر الذي انعكس على ضآلة نسبة الضريبة إلى حجم الواردات في الموازنات السنوية، فعلى سبيل المثال يتم في العادة تقدير المبلغ الضريبي بين(2-3) تريليون دينار أي ما يعادل (1،1 ) مليار دولار،  في حين التقديرات الحقيقية تتجاوز الـ7 تريليون دينار أي ما يعادل (4،8) مليار دولار،  وهذا التدني في التحصيل الضريبي يرجع إلى جملة من التحديات نذكر منها بدائية الأساليب عبر الاستخدامات الورقية التي لا تنسجم  مع تزايد المجالات  الخاضعة  للضريبة وهذا هو التحدي الأول، اما التحدي الآخر فيتمثل في التهرب الضريبي المقصود او حالات الإعفاء من دفع الاستحقاق الضريبي على الشخصيات أو الشركات الاستثمارية التابعة لجهات متنفذة في السلطة أو عن طريق دفع الرشاوى مقابل تخفيض مقدار الضريبة بأرقام فلكية،  وهذا يرتبط بالوضع التاريخي للدوائر الضريبية المصابة بأمراض مزمنة من الفساد والتلاعب في تخمين الضرائب، والتحدي الثالث يتمظهر بتجاهل فرض الضريبة على أصحاب الدرجات الخاصة  بالإضافة إلى رواتب الرئاسات .

ويجدر في هذا المجال الإشارة إلى ميادين الضريبة فان الضرائب المتحصلة من رواتب موظفي الدولة هي  الأكثر ضمانا  لأنها  تستقطع من الرواتب قبل توزيعها على موظفي الدولة ولا مجال من التهرب من دفعها،  أما الموطن الآخر ينطبق على أصحاب المهن وتجار المفرق ومكاتب العقار مثلا  فهي مبالغ محددة وفق معايير اعتادت عليها دوائر الضريبة وأمانة بغداد فغير خاضعة  للمعايير النسبية،  وما يتعلق بمزاد العملة في البنك المركزي  والذي لديه النصيب الأكبر من قيم الضريبة  عدم وجود تنسيق  دقيق  بين دائرة التحويلات الخارجية في البنك المركزي وهيئة الضرائب العامة وهذا ما انعكس على المقدار الضريبي المتحصل من حجم المبالغ المحولة إلى الخارج لأغراض الاستيراد،  وما يفاقم من المشكلة أن الاموال التي تخرج لن تعود بنفس الكمية، اذ في الغالب ما يصار إلى تهريبها إلى المصارف الأجنبية عبر تزوير الوثائق،  ولهذا فإن نسبة الضرائب المتحصلة من هذه النافذة لا يتعدى الـ 10 في المائة من مجموع المبالغ المحولة من النافذة.

  ومما هو جدير بالذكر ان التضخم بطبيعته يؤدي إلى إعادة توزيع الدخول الحقيقية للشرائح الاجتماعية المختلفة لأن الدخول النقدية والأسعار لا تزداد بالنسبة نفسها للقطاعات كافة، إذ أن التفاوت في درجة ارتفاع أسعار السلع والخدمات يؤدي إلى زيادة الدخول لشرائح اجتماعية على حساب شرائح اجتماعية أخرى، والنتيجة تنعكس سلبا على المستوى ألمعاشي لهذه الشرائح فتدني المستوى ألمعاشي يكون من نصيب أصحاب الدخول الثابتة (التعاقدية) كالموظفين وجميع الذين يعيشون على المعاشات التقاعدية والإعانات والمدفوعات التحويلية (شبكة الرعاية الاجتماعية) وكذلك بعض الحرفيين الصغار والعمال الزراعيين، في حين ترتفع وبدرجات متفاوتة الدخول الحقيقية لفئة المنظمين وأصحاب المزارع والمقاولين والصناعيين والوسطاء وذوي المهن الحرة وأصحاب الشركات التجارية، لأن دخول معظم هذه الفئات تتسم بالمرونة والاستجابة السريعة لتغيرات المستوى العام للأسعار.

لهذه الأسباب ولأن لأصحاب الدخول العالية من الكومبرادور والاليغارشية والبرجوازية البيروقراطية والزبائنية لهم القدرة بما يمتلكون من أدوات ونفوذ السلطة لها القدرة على التهرب الضريبي والتحايل على الوعاء الضريبي فإن الفارق في الالتزام الضريبي عن الشرائح الاجتماعية الأخرى بما فيها شريحة الموظفين ما يتطلب من السلطات على اختلافها إعادة النظر بالتشريعات الضريبية وتحسين أدوات استحصالها عبر ادخال الحوكمة كنظام وأتمتة وصولا إلى عدالة التوزيع.

عرض مقالات: