تتزايد كل يوم أعداد الشبيبة في المجتمعات الرأسمالية، التي تصرح علناً بأن الاشتراكية ضرورة ملحة وفكرة ممكنة التطبيق، داعين إلى تجميع كل المؤمنين بها في جبهة نضالية فاعلة، معتبرين الوحدة، رغم بعض التنوع، هدفاً سامياً.

ويبدو أن هذا التوجه الجاد، رغم تواضع سرعته، هو ما بات يخيف العدو النيوليبرالي، إذ يُعتقد بأن أكثر من خمس الشباب الأمريكي يتفق على أن الشيوعية هي النظام الاقتصادي المثالي، وإن 60 بالمائة يريدون نظاماً اشتراكياً، في وقت لا تعتبر اعداد أقرانهم في اوربا، أقل كثيراً من ذلك.

ولعل من أبرز العوامل التي تدفع الشبيبة بهذا الإتجاه، تفاقم التفاوت الطبقي واشتداد الظلم في العالم. فقد كشف أحدث تقرير عالمي أصدرته منظمة أوكسفام، عن تضاعف ثروة أغنى خمسة رجال في العالم خلال السنوات الثلاث الماضية، التي تدهورت خلالها، الحالة المعاشية لأكثر من نصف سكان العالم إلى دون مستوى الفقر. كما تشير احصائيات أخرى إلى أن مليار انسان يستحوذون على 85 بالمائة من الناتج العالمي وعلى 60 بالمائة من الإنتاج الغذائي، تاركين لثمانية مليارات من البشر 15 بالمائة فقط من المدخرات العالمية و40 بالمائة من الغذاء. وفيما يستولي 1 بالمائة من الأمريكيين على نصف الدخل الوطني، تتبخر امتيازات ما سمي بدولة الرفاه في الولايات المتحدة واوربا، جراء التضخم وارتفاع الأسعار والفؤائد على القروض، وتتسع الهوة بين نسبة ما يخصصه الأغنياء وما يمكن للفقراء رصده للتعليم والرعاية الصحية، لتصل إلى 300 ضعف. 

ولقطع الطريق على هذا التوجه وإمكانية تطوره، دأبت قوى الليبرالية الجديدة على تشديد سياستها اليمينية المتطرفة، عبر خصخصة الخدمات الاجتماعية وتقليص نفوذ الحركات الاجتماعية والنقابات، وتخفيض الضرائب على الرأسماليين وتقليل تعويض البطالة وأيام المرض وامتيازات الأمهات الحوامل والمرضعات وزيادة تخصيصات قوى القمع وتسريع سباق التسلح، وبث الأفكار العنصرية والدعوة لقضم الحريات عبر “عقلنتها”.

ويشخّص بعض اليساريين أسباب التقدم الذي تحققه مخططات الليبرالية الجديدة، بافتقار عدد من القوى اليسارية إلى تعريف واضح للاشتراكية وإلى تحديد معالم الطريق للوصول اليها. ففي الوقت الذي راحت بعضها، تصف المجتمع الاشتراكي بأنه مجتمع المواطنين الأحرار المتساوين، وإن الطريق إليه يمر عبر تنظيم مختلف وأكثر انسانية للعمل، تواصل القوى الأصولية تمسكها بالقوانين العامة دون أن تجيب على الإسئلة التي أشهرها زلزال انهيار التجربة الأولى، فيما تحدق قوى أخرى في الفراغ رغم مرور السنين.

وإذا كان الإصرار على الصيغ التقليدية، دون تعديل ما شاخ منها، قد أضّر بشعبية هذه القوى وقدرتها على تعبئة قواعدها الاجتماعية، فإن المنتظرين لم يكونوا أفضل حظاً، في مجتمعات تتغير بسرعة لم يسبق لها مثيل، فيما يتعذر على الناس تبني أطروحات بعض المجددين، لأنهم لا يجدون فروقاً جوهرية، بينها وبين ما عرفوه عن أحزاب يسار الوسط.

ولهذا تعلو اليوم أصوات يسارية كثيرة لتؤكد على أن التجديد يجب أن يرتكز على قاعدة مناهضة الرأسمالية والسعي للقضاء عليها، وأن اختلفت طرق تحقيق ذلك، مع إدراك الجميع بأن قيام المجتمع الاشتراكي يتطلب عملية تاريخية طويلة ومعقدة. كما يربط يساريون كثيرون بقوة بين حماية البيئة وبين السير قدماً نحو المجتمع الاشتراكي، لأن مواجهة التغير المناخي المخيف يوازي مخاطر الحرب النووية على مستقبل البشرية، والتي طالما ناضل اليسار لتجنبها. ولهذا تدعو هذه الأطياف لبرامج بيئية، مختلفة شكلاً ومضموناً عن ما تدعيه الرأسمالية، وأن يقترن النضال ضد الإستغلال والحرب بالنضال لإيقاف التغيير المناخي.

عرض مقالات: