اخر الاخبار

يعد النظام الضريبي واحدا من الوسائل المهمة التي تمنح الدولة القدرة على التأثير في النشاط الاقتصادي بهدف تحقيق التنمية، وهذا النظام أيا كان محتواه التشريعي وتطبيقاته العملية فانه يؤدي في مختلف الاقتصادات وظائف عديدة بعضها يتعلق بتعبئة الفائض الاقتصادي وتوجيهه في مجالات الاستثمار وبعضها يتعلق بالاستقرار الاقتصادي فضلا عن إعادة توزيع أكثر عدالة للدخل القومي، زيادة على كونه مصدرا مهما في تمويل موازنات الدولة واستخدامها كأداة رئيسية لأحداث التغييرات في البنى الاقتصادي والاجتماعية.

وبعد عام 2003 جرى العديد من التغييرات في تشريعات النظام الضريبي  لكنها بالإجمال كانت ابعد من ان تكون نظاما  متكاملا ومتينا ولم يحسن  في إحداث طفرة ملموسة تؤدي الوظائف المطلوبة في تنمية الاقتصاد وإعادة توزيع الدخل  القومي  بل العكس  فقد أسهم هذا النظام رغم العديد من المزاعم  في خلق بيئة ملائمة لانتشار الفساد وتكثيف فايروساته مما اسهم في تبديد الثروة بصورة عبثية وظهور طبقات اجتماعية زبائنية لها القول الفصل في التمتع بالثروات المنهوبة، كل ذلك وتراكماته  شكل ضغطا على الحكومة الحالية للبحث في إصلاح النظام الضريبي فأقدمت على تشكيل لجنة تحضيرية تهيئ لمؤتمر إصلاح النظام الضريبي الذي عقد في السادس من شهر كانون الأول من العام الجاري 2023 تحت شعار(نحو نظم ضريبي عادل)، وهذا المؤتمر وإن جاء متأخرا فهو خير من ان لا يأتي  شريطة ان تتحول توصياته إلى مفاعيل حقيقية تحقق العدالة الاجتماعية  وتطور البنية الاقتصادية.

بيد أن التجربة القريبة قد أوضحت أن الضرائب أصبحت بابا من أبواب الهدر والفساد المالي والإداري حيث تشير بعض التقديرات أن حجم المبالغ المهدورة تجاوزت 800 مليون دولار سنويا،  وهذه الإشكالية أفقدت دور الضرائب في كونها أداة لتوزيع الموارد والدخل فضلا عن وظائفها الأخرى المتعلقة بالسياسيات النقدية والمالية ودورها في السيطرة على معدلات التضخم  ومستويات الأسعار،  زد على ذلك  الفارق الكبير بين التقديرات الضريبية والمبالغ الفعلية المتحصلة منها،  ويعود السبب في ذلك إلى قدم الأساليب  والتقصير المتعمد أو غير المتعمد في تطبيق القوانين واللوائح الخاصة باستحصال الضريبة، الأمر الذي انعكس على ضالة نسبة الضريبة إلى حجم الواردات في الموازنات السنوية، فعلى سبيل المثال يتم في العادة تقدير المبلغ الضريبي بين(2--3) تريليون دينار أي ما يعادل (1،1 ) مليار دولار في حين التقديرات الحقيقية تتجاوز الـ 7 تريليون دينار أي ما يعادل (4،8) مليار دولار،  وهذا التدني في التحصيل  الضريبي يرجع إلى جملة من التحديات نذكر منها بدائية الأساليب عبر الاستخدامات الورقية التي لا تنسجم  مع تزايد المجالات الخاضعة  للضريبة وعدم الإقدام على إدخال نظام الحوكمة وتقنياته، وهذا التحدي الأول، أما التحدي الآخر فيتمثل في التهرب الضريبي المقصود او حالات الإعفاء من دفع الاستحقاق الضريبي على الشخصيات او الشركات الاستثمارية التابعة لجهات متنفذة في السلطة أو عن طريق دفع الرشاوى نظير تخفيض مقدار الضريبة بأرقام فلكية، وهذا يرتبط بالوضع التاريخي للدوائر الضريبية المصابة بأمراض مزمنة من الفساد والتلاعب في تخمين الضرائب  والتحدي الثالث يتمظهر بتجاهل فرض الضريبة على أصحاب الدرجات الخاصة  بالإضافة إلى رواتب الرئاسات .

ومن الأهمية  بمكان القول إن  مما يجري من التهرب من الوعاء الضريبي ان الثروة في العراق تتركز لدى فئة قليلة من المجتمع العراقي، فتشير الإحصاءات المنشورة في التقارير العالمية إلى أن 36 شخصا يمتلك كل منهم اكثر من مليار دولار وربما تصل عشرات المليارات، وان هناك 16 الف شخص يمتلك كل منهم اكثر من مليون دولار وقد تصل إلى  900 مليون دولار، وهي بمجموعها تشكل ثروة كبيرة جدا تم تراكمها عبر عمليات اختلاس وابتزاز واستغلال المركز الوظيفي ولو اتخذت الدولة إجراءات قانونية صارمة على حساب حجم هذه الثروة لحققت مبالغ ضريبية تقدر  لوحدها على ما يزيد على 20 مليار دولار. وبعد هل أنتج المؤتمر قاعدة راسخة لا صلاح النظام الضريبي؟ المستقبل كفيل بالإفصاح عن ذلك.

عرض مقالات: