اخر الاخبار

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى خلال فترة “الحرب الباردة” كان السائد هو مفهوم الأمن القومي او الوطني. ولكن ظهرت لاحقا تحديات جديدة، جعلت الباحثين والمتخصصين يشيرون الى بعد آخر في هذا المجال، اسموه الامن الإنساني .

وقد  ظهر مفهوم الامن الإنساني لأول  مرة في تقرير الأمم المتحدة  للتنمية البشرية عام 1994. فالى جانب التهديدات التقليدية نشأت أيضا التهديدات البيئية والتنموية، وما يرتبط بحقوق الانسان. وقد تبنى التقرير هذين الاتجاهين، ووضع سبعة أبعاد لمفهوم الأمن الإنساني،  تتمثل ( كما جاء في ذلك التقرير)  في:

* الأمن الغذائي ويعني توفير الفرص المادية والمالية للحصول على الغذاء.

* الأمن الصحي ويعني الخلو النسبي من المرض والعدوى.

* الأمن البيئي ويعني تأمين ما يكفي من الماء الصحي والهواء النظيف والشبكة الأرضية المتماسكة.

* الأمن الشخصي ويتضمن الأمن من العنف والتهديدات البدنية.

* الأمن المجتمعي ويتضمن أمن الهوية الثقافية.

* الأمن السياسي ويتضمن حماية الحقوق الأساسية للإنسان وحرياته.

كذلك تبنى التقرير تعريفاً للأمن الإنساني يقول بـ -”تحرير البشر من التهديدات الشاملة، واسعة النطاق، التي تمتد فترات طويلة وتعرض حياتهم للخطر”.

ومن يراجع جملة من الكتابات ذات العلاقة بمفهوم الامن بأبعاده المختلفة، يجد طائفة واسعة من المفاهيم وربما من سير التطور البشري، تدفع باستمرار الى الجديد منها. ومن أشكال الامن التي يجري  تداولها  في أيامنا  هذه :

الامن النفسي ، الامن الثقافي ، الامن الاقتصادي ، الامن الغذائي ، الامن الوقائي ، الامن الوطني ، الامن الفكري ، الامن الثقافي ، الامن الاجتماعي ، الامن السياسي ، الامن القومي ، الامن السياحي ، الامن الجنائي ، الامن الجماعي ، الامن السيبراني .

وقد تحمل لنا الأيام مفاهيم أخرى للامن مع اتساع التحديات التي تواجه الانسان، ولعل في مقدمتها ما يرتبط بمفهوم الحق في الحياة وشروطها المناسبة التي تليق بالبشر. فبالاضافة الى  الحق في المأكل والملبس والتعليم والصحة والتنقل الحر والتعبير والعقيدة، هناك الحق في الحماية الشخصية وأمن الفرد، الذي يفترض ان يكون جزءا لا يتجزأ بل ومن صميم امن الدولة ومفهوم الامن الوطني بابعاده المتعددة، وليس فقط العسكرية والأمنية وحفظ الحدود ومنع الاختراقات.  

وفِي الأيام الأخيرة وارتباطا بالانتخابات المبكرة،  كثر  في بلادنا استخدام مفهوم “ الامن الانتخابي “، الذي يجري  تناوله  ارتباطا بحديث واسع، سياسي وشعبي، عن غياب البيئة الآمنة حتى الآن لاجراء انتخابات نزيهة وعادلة، تعبر حقا عن إرادة المواطن واختياره بحرية تامة من يمثله لعضوية مجلس النواب.

ولكن كثيرا ما يربط الحديث عن “الامن الانتخابي” باجراءات محدودة، تخص حماية  صناديق الاقتراع وتأمين وصول المواطنين  اليها في يوم الانتخاب، كذلك حصر السلاح بيد الدولة. فيما يفترض ان يكون المفهوم أوسع من هذا، وفي سياق عمل متراكم للدولة ومؤسساتها والسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، في تأمين بيئة سياسية وتشريعية وامنية مناسبة وشاملة. والمفهوم بهذا المعنى مرتبط وثيقا بعمل تراكمي، للسير على طريق بناء دولة القانون والمؤسسات والعدالة وتأمين الفرص المتكافئة للمواطنين.

 انه في ترابط قوي مع  التنفيذ غير الانتقائي لحقوق الانسان الدستورية وحرياته. وهو بهذا أوسع واكثر دلالة ومعنى من “ العنف الانتخابي”. 

من هنا فان العمل من اجل “أمن انتخابي” يتوجب الا ينظر اليه  كحالة مؤقتة او منقطعة عن  العمل متعدد الجوانب للارتقاء بالإنسان، الذي كان ويبقى اثمن رأسمال في العالم.

عرض مقالات: