اخر الاخبار

تشكل السياسة التجارية، في المبنى والمعنى، في كل بلد  وفي كل زمان أهمية كبيرة في الاقتصاد بوصفها واحدة من وسائل التنمية الاقتصادية المستدامة في بعديها التصدير والاستيراد  وهي بهذا المعنى ركيزة مهمة لبناء اقتصاد قوي ومتين فضلا عن دورها في منظومة العلاقات الاقتصادية الدولية، وفي هذا الاطار تلعب دورا أساسيا في نقل التكنولوجيا الحديثة وكل إنجازات التقدم العلمي التقني الضرورية في تطوير قوى الإنتاج المحلية  والتخلي عن أساليب الانتاج القديمة فضلا عن وظيفتها في نقل بضائع الاستهلاك المجتمعي  والبضائع نصف المصنع لاستكمال عملية التصنيع .

ومن اللافت  من خلال التمعن في السياسة التجارية التي سادت  في العراق  والتي وضع أسسها ورسم سياقاتها الاقتصادية الحاكم الإداري الامريكي بعد الاحتلال الهادفة إلى الانتقال من مركزية السياسة التجارية التي كانت تدار من قبل القطاع الحكومي بنسبة 80 في المائة إلى إطلاق العنان لحركة البضائع ورؤوس الأموال دون قيود ولحقها العراق بطلب الانتماء إلى منظمة التجارة الدولية واصبح  لاحقا عضوا مراقبا فيها مع أنه لا يمتلك في الفترة الانتقالية وظروفها المعقدة أية إمكانية لتنفيذ شروط المنظمة كي يكون عضوا أساسيا بسبب تدهور الاقتصاد وخاصة في قطاع الإنتاج   مما ترتب عليها انفلات التجارة  والفوضى في الاستيراد وسطوة سياسة الإغراق في السوق الداخلية .

إن  ملامح السياسة الاقتصادية الجديدة  تتبدى  باتباع سياسة استيرادية منفتحة وممنهجة وأول خطوة في هذا المسار بلوغ استيرادات العراق في عام 2004 أكثر من 21 مليار دولار ووصلت في عام 2020 إلى 41 مليار دولار ليكون مجموع مبالغ الاستيرادات خلال هذه الفترة إلى 758 مليار دولار، غير أن إحصاءات وزارة التخطيط على سبيل المثال تشير إلى أن  قيمة الاستيرادات في عام 2020 بلغت 15 مليار دولار استنادا إلى تصريحات هيئة الكمارك، في حين أن المباع في نافذة البنك المركزي تشير إلى أن كمية المباع  44،085  مليار دولار في نفس العام  حسب اعلان البنك المركزي،  وبهذا يكون الفارق بينهما 29 مليار دولار مع العلم أن النافذة مخصصة لبيع الدولار للقطاع الخاص، فأين ذهب هذا الفرق ؟ وإذا افترضنا أن معدل قيمة الاستيرادات السنوي وفق الرقم المتقدم فإن مجموع قيم الاستيرادات خلال الفترة 2010- 2020 ستكون 150 مليار دولار، وهي أرقام مشكوك بدقتها فإن الفارق بين هذا المبلغ ومجموع مبيعات البنك المركزي خلال نفس الفترة والبالغة496،916 مليار دولار يصل إلى 346،916 مليار دولار.

ومن أبرز مظاهر التحدي التي تواجه السياسة التجارية الراهنة العجز الدائم في الميزان التجاري في مجال التصدير اذا ما تم استبعاد تصدير البترول  وتعاظم أبواب الاستيراد التى شملت أبسط  السلع التي تعد من المنتجات التقليدية نتيجة لتخلف الجهاز الإنتاجي،  والأمر الآخر غياب التنسيق بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص فعلى سبيل المثال تصريح الممثل التجاري الخاص لإيران في العراق الذي أشار إلى القدرة التجارية للبلد ويقصد ايران تبلغ 20 مليار دولار مبينا أن العراق رفض إقامة تجارة حرة مع الجانب الإيراني بسبب الفجوة الكبيرة بين الصادرات والواردات العراقية، ففي الأشهر الستة الأولى من هذا العام بلغت قيمة الصادرات الإيرانية إلى العراق 4،5 مليار دولار يقابلها صادرات عراقية بلغت قيمتها 150 مليون دولار وينطبق هذا الواقع على علاقات العراق التجارية مع تركيا  التي تزيد على 15 مليار دولار، دعك من التعاملات مع دول الإقليم الأخرى، والاسوأ في كل وارداتنا من البضائع التركيز على بضائع الاستهلاك التي لا قيمة لها في دورة الإنتاج الحقيقية .

ويبدو ان التعاملات التجارية الخارجية تشكل واحدة من المواضيع التي سيجري بحثها بين البنك المركزي العراقي ووزارة الخزانة الامريكية والبنك الفيدرالي الأمريكي في الاجتماع القادم في مدينة دبي التي ستبحث من بين مواضيع أخرى إعادة تنظيم التجارة على أسس صحيحة وعلاقتها بتنظيم التحويل الخارجي. فهل سينعكس كل ذلك على سعر صرف الدولار واعادة العافية للدينار العراقي؟

عرض مقالات: