اخر الاخبار

لعل من ابرز الدلائل على اشتداد أزمة النظام الدولي، الذي تشكل إثر انتهاء الحرب الباردة، هذا المأزق الذي وجدت الإمبريالية نفسها غارقة فيه، نتيجة الصراع على الاراضي الإوكرانية، وفشل سياساتها في الشرق الأوسط وافريقيا وامريكا اللاتينية، في ظل تعزز النفوذ الصيني  في الاقتصاد العالمي.

ولم يتمثل هذا المأزق، في موت الالاف من البشر واحتراق ملايين الاطنان من الأسلحة دون جدوى فحسب، بل وايضا في الضرر الكبير الذي لحق بالاقتصاد العالمي، وتقويض القدرة التنافسية للشركات الأسيوية والأوربية، جراء اقرار واشنطن لقانون خفض التضخم، إضافة لإنكسار شوكة العقوبات، العصا الغليظة للنظام الدولي، وهو ما ظهر جلياً بنجاح موسكو في زيادة تجارتها مع بكين ودلهي وانقرة، بنسبة 40 و220 و85 في المائة على التوالي، رغم محاصرتها بعقوبات لم يسبق لها مثيل.

وعلى الرغم من استخدام الإمبريالية الأمريكية، القوة الأكثر رجعية على الأرض اليوم، كل مخالبها لصيانة هذا النظام الدولي وتخفيف أزمته، فإن قرب تفككه، يبدو قدراً لا مفر منه، مما يذكي حرارة الحوار بين اطياف اليسار، حول الموقف من النظام الذي سيلد من مخيض هذا الصراع.

وبسبب حيوية فكرها ودورها التاريخي، كانت لاطياف اليسار آراء متنوعة في هذه القضية، وإن اتفقت جميعها في الجوهر على أن تحقيق الحرية والعدالة، بأي مستوى كان، أمر صعب المنال في ظل العولمة الرأسمالية، أحادية القطب كانت أم متعددة الأقطاب. فبسبب هذه العولمة المتوحشة، سادت علاقات الإنتاج الرأسمالية، واحتكرت القوة العسكرية والاعلامية والتكنولوجية، واُشيعت أفكار الليبرالية الجديدة، وهُمشت واقصيت القوى المنتجة ومنظماتها، وأُضعف مبدأ السيادة الوطنية، وشُرعنت التدخلات بما فيها العنفية، لحسم التناقض بين العمل ورأس المال، دولياً ومحلياً. ولهذا، يرفض اليسار المساومة مع هذه العولمة - مهما كانت ذرائع وظروف تلك المساومة - ويدعو للحزم في تبني الديمقراطية والإيمان بإعادة توزيع الثروة وفائض القيمة والسلطة على الصعيدين الوطني والعالمي.

غير أن ذلك لا يقلل، وفق أغلبية اليساريين، من أهمية الاستفادة من التناقضات الحادة بين أطراف التشكيلة الرأسمالية العالمية، متقدمة كانت أم متخلفة أم تابعة. فظهور تنافس ما بين القطب الواحد، الأشد تغطرساً وإجراماً واستهتاراً بحياة البشر، وبين قوى رأسمالية ناهضة، قد يساهم في اقامة عالم أقل عبوديةً، وتحقيق شيء من “العدالة” في العلاقات الدولية.

وإذ تدعو هذه الأغلبية الى بناء حركة أممية، تقيم عولمة نقيضة، بدل انتظار الحل من تعدد الاقطاب، تحذر من مخاطر الجمود العقائدي والإنعزالية على نجاح هذه الدعوة. كما تشّدد على أن الكفاح ضد الإمبريالية، وإن تأثر بتحول العالم للقطبية المتعددة، فإن تحقيقه لأية إنجازات يبقى مشروطاً بعدم اغفال التناقض بين الهموم الوطنية وبين الرأسمالية المعولمة، وبإدراك الربط الجدلي بين تحقيق التنمية الشاملة وتحطيم التبعية لأي مركز رأسمالي كان، تلك التبعية التي سببت تخلفاً مريعاً للدول الوطنية في الإنتاجين الزراعي والصناعي، ونهباً متواصلا للثروات وخراباً إقتصادياً كبيراً.

ويجري التاكيد أيضاً، على رفض اية “تزكية” للرأسمالية المتخلفة والأقل سوءا اليوم، والتي يمكن أن تكون الأشد رجعية غداً، كي لا يكون لذلك أي تأثير سلبي على وعي الشعوب ومآلات الصراع الطبقي المحلي والدولي.

وأخيرا، تجدر الإشارة الى أن البعض، لا يجد في العالم متعدد الأقطاب، منفعة كبيرة للسلم الدولي، لأنه لا يرى في المنافسة الشرسة بين الأفاعي، كبيرة كانت أم نامية، سوى مزيد من حروب الوكالة الضارة بمصالح الشعوب وبالحياة على هذا الكوكب.

عرض مقالات: