اخر الاخبار

أجرى المركز الاعلامي للحزب الشيوعي العراقي،  السبت الماضي، مقابلة خاصة مع سكرتير اللجنة المركزية للحزب الرفيق رائد فهمي، تحدث فيها عن قرار الحزب التعليق المشروط لمشاركته في الانتخابات.

في أدناه نص المقابلة :

  • المركز الإعلامي: قرر الحزب الشيوعي العراقي تعليق مشاركته في الانتخابات، ووضع أمام الجهات المسؤولة والمتنفذة اشتراطات واجبة التنفيذ مقابل العدول عن قراره هذا. ما مدى قدرة تلك الجهات على تنفيذ الاشتراطات المذكورة؟ خاصة منها المتعلقة بالكشف عن قتلة الناشطين، ومن يقف وراءهم؟

رائد فهمي: علينا أن نعود الى الأساس . الانتخابات المبكرة طُرحت من قبل الانتفاضة كوسيلة للتغيير . والتغيير غدا ضرورة لان البلد في أزمة  عميقة. فلا أفق أمام شبابه، وهناك تردٍّ في الخدمات، واستشراء للفساد، وغياب للتنمية.. الخ. وجاءت انتفاضة تشرين،  والناس انطلاقا من المطالب الحياتية والخدمية والاقتصادية توصلوا الى استنتاج كبير: نريد وطن.

كل مطالب المنتفضين  المشروعة غير قابلة للتحقيق في ظل هذه المنظومة  القائمة. لكن هناك ارادة شعبية كبيرة لا يعبر عنها فقط من  نزلوا الى الساحات في تشرين ٢٠١٩، وبلغت اعدادهم عشرات بل مئات الآلاف، فهناك اضعافهم من المواطنين الذين يرفعون ايضا تلك المطالب. وهكذا فان التغيير بات ضرورة.

المطالبة بالانتخابات المبكرة عكست هذا المزاج الشعبي المُلحّ على التغيير، والتغيير يمكن ان يتحقق عبر الانتخابات، وهي طريق دستوري وديمقراطي وسلمي، الا ان لها مستلزمات وشروطا. وقد طالب المنتفضون في هذا الخصوص بقانون انتخاب جديد، وبمنظومة انتخابية جديدة مستقلة حقا، وقانون احزاب يتم احترامه، كذلك باشراف ورقابة دوليين.. ما نريد قوله هو ان التغيير ضرورة للبلد، وان الانتخابات لابد ان تكون دستورية وسلمية. فهي لا يمكن ان تغير الا اذا كانت حرة ونزيهة وشفافة. وقد قلنا ان المستلزمات لن تكون جاهزة اليوم، ولكن يجب العمل والضغط من اجل توفيرها، وان لم تتوفر 100  في المائة، فيجب ان يتحقق جزء منها، خاصة في الجانب الامني.

وقد مرت اشهر على تحديد موعد الانتخابات، رأينا خلالها الكثير من الاغتيالات. وواضح ان من ينفذ تلك الاغتيالات انما ينفذها بحرية كبيرة، والى جانبها ينفق المال السياسي بصورة غير محدودة.  فاذا استمر الوضع على هذا المنوال، فستعيد الانتخابات المنظومة الحاكمة نفسها، ربما بوجوه جديدة. وفي هذا اولا التفاف على المطلب الحقيقي للجماهير والمنتفضين، وهو ثانيا سيكرس واقعا معينا  بوجوه اخرى. وهذا ليس هدف المتظاهرين ولا هدف البلد، وليس فيه حل  لمشاكل البلد والمواطنين.

لقد سبق ان قلنا ان المشهد الحالي اذا بقي على حاله خلال الفترة القادمة، فلن يساعد في شيء، وهو لا يمكن ان يدفعنا الى خوض انتخابات كهذه معروفة النتائج مقدما، لاسيما والصوت الآخر المعارض غائب عنها. فلا الناخب قادر على الإدلاء بصوته بحرية، ولا المرشحون،  خصوصا من دعاة التغيير، قادرون على الكلام: بعضهم منفيون، والقسم الاخر لا يستطيع الحديث.

اذن عن أي انتخابات نتحدث في مثل هذه الظروف والأوضاع؟ وأيّة انتخابات نريد ؟

  • المركز : ماذا لو سُجلت جريمة اغتيال الوزني ضمن ملف النزاعات العشائرية، مثل بعض سابقاتها؟ هل ينهي الحزب تعليق مشاركته في الانتخابات؟

رائد فهمي: نحن ننظر الى الأمور نظرة أبعد. فهذا ليس مجرد عمل احتجاجي. هناك من يروّجون للمقاطعة كعمل احتجاجي. و هذا جيد طبعا، لكننا كطرف سياسي ننظر الى العملية ارتباطا بالتغيير. ونرى أن التغيير حاجة ملحة للبلد، وان الانتخابات واحد من المسارات المهمة للتغيير. لماذا اقول واحد من المسارات؟ لأننا نعرف ان هناك عوامل بنيوية في البلد، فللقوى المتنفذة حضور ونفوذ واسعين في مؤسسات ودوائر الدولة المدنية والعسكرية، وعلى مختلف المستويات. لذا فهذه الانتخابات حتى وان كانت حرة، لن تأتي ببرلمان قادر على خلق توازن قوي لصالح قوى التغيير. لكن البرلمان قد يضم مجموعة من دعاة التغيير، الذين قد يستفيدون من دورهم ونشاطهم فيه.

الا ان هذا يجب ايضا ان يقترن بحراك، فقد لاحظنا طوال السنوات الماضية، ان اية عملية تغيير حقيقية لم تأت من البرلمان، انما جاءت من خارجه. قانون الاحزاب جاء بضغط من خارج البرلمان. تغيير قانون الانتخابات جاء بضغط من خارج البرلمان. اسقاط الحكومة السابقة جاء بضغط من خارج البرلمان.

اذن فالضغط الشعبي هو اليوم عنصر أساسي ومهم في احداث التغيير، وحتى في الدفع نحو اتخاذ اجراءات حقيقية لمصلحة الناس عبر الضغط على السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.

اكرر القول انه اذا بقيت الامور على ما هي عليه حتى موعد الانتخابات، فسيكون من المستحيل تقريبا ان ينتج عن الانتخابات شيء غير تركيبة مشابهة  للبرلمانات الاخرى، ان لم تكن اسوأ.

وبشأن الشروط التي طرحناها، وما اذا كانت قابلة للتحقيق: الحكومة تقول انها تعرف القتلة لكنها لا تريد ان تعلن عنهم، لانها لا تريد ان تحدث مواجهات دموية. ونحن بالطبع لا نريد مواجهات دموية، لكن اذا بقي الامر هكذا فسيؤدي الى ادامة الازمة، والى مزيد من التدهور.

نحن لدينا قناعة عميقة بقوة الشعب والضغط الشعبي، وقد سجلنا ذلك في محطات مهمة. والسخط اليوم كبير لدى الناس، وهذا السخط يحتاج الى تنظيم وتوجيه وتوحيد، وهو قادر على ان يشكل سندا لأي مسعى جدي حقيقي لتوفير مستلزمات الانتخابات الحرة النزيهة.

نقول اننا لن نشارك في الانتخابات اذا كانت كل العوامل غير متوفرة ، فذلك معناه عدم احترام إرادة الشعب ومساهمة في ادامة الازمة. لكننا لن نسكت. سنعمل في كل الميادين: شعبية ، جماهيرية، مع كل القوى الجادة، والتي تعمل من اجل التغيير. نعمل من اجل توفير مستلزمات هذه الانتخابات. فهدفنا ليس افشال الانتخابات. قد تكون هناك قوى تعمل على زعزعة الاستقرار لاجل منع اجراء الانتخابات، لكن هذا ليس هدفنا. نحن نعمل من اجل انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، ونضغط من اجل تأمين هذه الانتخابات. لكننا لن نكون طرفا يسهم في تهيئة سيناريو يعيد انتاج الوضع القائم. بل  سنطالب ونعمل من اجل توفير الشروط التي تحدثنا عنها. لذلك نقول بوضوح ان الغاء تعليق مشاركتنا يتوقف على توفير هذه الشروط.

  • المركز : كنتم من الداعمين والمؤيدين لإجراء الانتخابات. وعمل الحزب على تشكيل تحالف مدني واسع، وسجل مرشحيه.. وقبله دعا الناس الى تحديث سجلاتهم.. ما الذي تغير لكي تتخذوا موقفا سريعا بخصوص الانتخابات؟

رائد فهمي: كنّا نعمل كثيرا من أجل اصلاح العملية السياسية واصلاح الاوضاع. عندما تريد ان تحدث تغييرا اعمق من الاصلاح، يجب ان تكون لديك أدوات، وان تكون هناك امكانية من اجل رفع سقف المطالب. في الفترة التي سبقت الانتفاضة كانت هناك ربما عوامل تعتمل  في الشارع، احتجاجات مستمرة هنا، واضرابات هناك او اعتصامات، لكنها لم تكن قد حققت زخما كبيرا، يؤشر وينبئ بامكانية حدوث تغيير كبير.

وعندما انفجرت الانتفاضة ظهرت امكانية جديدة. وقد توقفنا أمام هذه الامكانية، فيما كانت الجهود تتواصل لاغراقها بالدم. وكان موقفنا واضحا بالتأكيد، فنحن نؤيد زخم الانتفاضة، ندعم الارادة الشعبية التي بدأت تعبر عن نفسها بكل عنفوان وجرأة، وكان الشباب بصدورهم العارية يواجهون الرصاص.

اليوم يجري الحديث عن التغيير. الناس تتظاهر، فالبطالة متفشية، والعدالة الاجتماعية غائبة، ومظاهر السلاح المنفلت تصدم العين، والخدمات سيئة، والصيف دخل علينا من دون كهرباء، والوضع الصحي يثير الرثاء، فكورونا تفتك بالناس، وهناك المآسي التي كشفها حريق مستشفى ابن الخطيب، وغير ذلك الكثير.

اذن، فلابد من التغيير والا فالبلد ذاهب الى الهاوية. وما الانتخابات المرتجاة الا احدى الوسائل السلمية لتحقيقه. والآن ومن نفس المنطلق نقول انه اذا جرت الانتخابات بنفس الطريقة والظروف السابقة، فستؤدي الى اجهاض مشروع الانتفاضة، ونحن لا نريد ان نبقى نتفرج على ذلك ونشترك في عملية نعرف ان نتائجها ستكون بعيدة جدا عما نطمح له. لذلك نريد ان نكون في موقف فاعل ومؤثر، لاجل ان تكون الانتخابات كما ينبغي ان تكون.

  • المركز : الحكومة وجهت القوات الامنية بملاحقة منفذي الجرائم بحق الناشطين. ووعدت تكرارا بالكشف عن الجهات المتورطة ومحاسبتها، وكان آخرها اغتيال الناشط ايهاب الوزني. لكنها عجزت حتى اليوم عن كشف ملف واحد من مئات الملفات ذات الصلة. فكيف تعتقدون انها ستتصرف هذه المرة؟ لا سيما وان جريمة الاغتيال الاخيرة اثارت غضبا واحتقانا كبيرين في الشارع؟

رائد فهمي: لنكن واضحين. حتى وان اعلنوا عن القتلة، فالقضية لا تقف عند هذا الحد. فهؤلاء القتلة تقف خلفهم منظومة تسندهم. وهم لا يتحركون من دون دعم قوى سياسية. وهناك نواب بدأوا يشيرون الى ان هناك قوى سياسية داخلية تقف وراء عمليات الاغتيال.

وفي ما يخص الشهيد الوزني، فانه نبّه منذ فترة الى ما قد يتعرض له، وطلب من القوات الأمنية توفير الحماية له، وقيل انه اعطاهم ايضا بعض الاسماء. فهل من المعقول ان تجري عملية الاغتيال بعد كل تلك التحذيرات والتنبيهات، بالسهولة التي جرت بها بالنسبة للمنفذين؟ واين هي اذن المنظومة الامنية؟

 قد تكون الحكومة راغبة في الكشف عن القتلة، لكنها غير قادرة كما يبدو. والحصيلة هي ان هناك وضعا منفلتا. وضعا لا يمكن ان تتم فيه انتخابات حرة، ما دام يمكن للسلاح ان يصوب نحو أي شخص لديه رأي آخر، مختلف او مخالف لرأيهم.

وأريد ان أسأل عما سيحدث في حالة استحالة اجراء انتخابات تعكس ارادة الناس؟ اعتقد ان  الناس سيصيبها اليأس، وتبعا لذلك تبرز احتمالات العزوف. فاليأس يخلق شروطا وتوجهات تقود الناس الى اطر وسياقات بعيدة عن العملية الانتخابية، التي يهيمن عليها المتنفذون، والعاجزة عن ان تعكس ارادة الناخب.

مثل هذه الانتخابات غير مفيدة اذن، وهي تشكل ابتعادا عن النهج السلمي. وتظهر تجارب الشعوب انه  عندما تغلق منافذ ومسارات التحول والتغيير الديمقراطيين السلميين، فإن القوى التي تقدم على غلقها هي التي تتحمل مسؤولية المآلات والبدائل التي تحصل، وكل الاحتقانات التي قد تتفجر بأشكال عنيفة.

انها قضية خطيرة جدا، وأبعد من أن تكون قضية انتخابات عادية وإعادة أشخاص للسلطة. فنحن هنا نتحدث عن مصير ومستقبل بلد. واليوم يعتمد البلد كليا على عوامل ليست تحت سيطرته.

فعندما يقل مردود النفط وليس في البلد انتاج وطني غيره، فمعنى ذلك انك لا تؤمّن احتياجات معيشة الناس، ولا تمنع ارتفاع الاسعار كما يحصل الآن، وهذا معناه المزيد من الفقر .. وماذا تفعل الناس؟ بدأنا الآن نرى حالات من السخط مدمرة. فالشاب الذي تغلق كل أبواب الأمل امامه، سيندفع بالتأكيد في اتجاهات شتى. ونحن نريد القول ان رسالتنا تركز على جعل البلد ينطلق في عملية التغيير مقابل اقل ثمن ممكن، وعلى ان تكون العملية سلمية، وتفتح آفاقا واعدة .

  • المركز: بين تعليق المشاركة في الانتخابات ومقاطعتها هناك العديد من القوى، التي تنسجم مع هذا التصور او ذاك. كيف يمكن توحيد هذه التوجهات؟ وما الاسلوب الذي تتفقون عليه لمواجهة قوى المحاصصة؟ لاسيما وان هناك رغبة كبيرة لدى المواطنين في تغيير الاوضاع؟

رائد فهمي: لا اريد هنا ان اطلق تعميما. نعم، يوجد في داخل الجهات المتنفذة بعض القوى التي ربما تعي المخاطر، علما ان الموقف ليس متطابقا من الجميع. وفي المحصلة ما نسبة حزم هذه القوى، اذا افترضنا ان لديها بالفعل رغبة في التغيير والاصلاح؟

اليوم ما عادت الادانة كافية، ما عاد اطلاق التحذيرات والتوصيات كافيا. فقد اصبحت الأمور واضحة النتائج. المطلوب اليوم هو الفعل، الفعل المدني السلمي الجماهيري، فهو اقوى من السلاح، وهو الذي نراهن عليه لإحداث التغيير. نعم، نراهن  على كل الحركات وكل الشباب وقوى التغيير الواسعة، لان هؤلاء الشباب يعبرون عن مطالب مجتمعية عميقة. لذلك نأمل من بعض القوى السياسية الموجودة والفاعلة، ان تتفاعل مع هذه الرؤية، وان  تمارس دورها في تأمين شروط انتخابات حرة ونزيهة، وبكل ما يعنيه ذلك من كشف قتلة المتظاهرين ومن يقف وراءهم، ومن مكافحة للفساد والسلاح المنفلت.

وما هو السلاح المنفلت؟ عندما يمارسون القتل بسلاسة، فمعنى هذا ان السلاح ليس منفلتا، وانما هو سلاح منظم. ويبدو ان هناك سندا، فالامر تكرر في اكثر من مكان، وبطريقة منظمة ومنسقة. فهو اذن ليس منفلتا، وانما هناك جهة تقف خلفه.

الدولة واللادولة

عن اللادولة يمكن القول ان المقصود هم حملة ما يسمى بالسلاح المنفلت، وهذا يشمل بالتأكيد قوى الارهاب، كذلك من يستهدفون أيّة قوة تريد التغيير. كما يشمل من يريد ان ينتزع من الدولة صلاحيتها، على اعتبار ان حصر السلاح بيد الدولة، بينما هي تتقاسمه مع الدولة، وتنتزع منها هذا الحق الحصري.

واليوم تنخر شبكات الفساد في بناء الدولة. وعندما تكون الدولة عاجزة عن التنفيذ ومترهلة، وينفذ كل شيء بزبائنيات، أفلا تعتبر هذه من قوى اللادولة؟ ثم ان كل ما ينسف بناء المؤسسات الشرعية الديمقراطية يدخل هو ايضا ضمن اللادولة. فإذا استخدمنا مصطلح اللادولة ووسعناه نجد انه لا يقتصر على حمَلة السلاح، بل يشمل حتى القوى المتورطة في الفساد، لان الفساد الآن ينخر بالدولة ويجعلها عاجزة عن الإنجاز، وعاجزة عن تلبية احتياجات المواطن الاساسية.

  • المركز : هل يتلمس الحزب رغبة، وان كانت محدودة، لدى قوى السلطة المتنفذة، في ضمان اجراء انتخابات حرة ونزيهة؟

رائد فهمي:  المصالح هي التي تحكم في النهاية.  فقسم من القوى السياسية، والمصالح التي تعبر عنها هذه القوى: مصالحها الخاصة او مصالح قوى اخرى او فئات اجتماعية تمتلك امتيازات، هي الحاكمة. فعندما يرتفع الضغط الشعبي، ويطالب بتقييد تلك الامتيازات او الغاء بعضها، فمن المؤكد ان المعنيين سيحنون ظهورهم امام العاصفة. لكنهم عندما يخف الضغط يتمددون مجددا.

يحصل هذا في كل مكان وليس فقط في العراق، لذلك نرى أن الانتفاضات تحقق مكاسب آنية. لكن انتفاضة بحجم انتفاضة تشرين، يصعب ان تدوم بمثل المستوى العالي الذي شهدناه في تشرين 2019. لذلك تقل اعداد المنخرطين فيها. وقد ساعد المتربصين بها هذا التنوع والتشتت في حركة تشرين. ويمكن ان نسميه النقص في أشكاله التنظيمية. وكان عملهم يتمثل في التسرب الى داخل  الانتفاضة، والسعي الى تفتيتها  اولا بالقمع واستهداف الناشطين، كذلك بحملات التسقيط وعبر الاتهامات. وفي المحصلة نجد منظومة كاملة عملت فيها اجهزة الدولة المختلفة وحتى من خارجها .

واليوم يشكل هذا الاحتجاج الشعبي المشروع رد فعل على اغتيال الوزني. ولا بد لنا من المحافظة على توازنه، وألا نجعله ينحرف عن الحلقة المركزية الرئيسية للمطالب: فنحن نحتج على اغتيال الوزني لانه رفع مطالب مشروعة. وقد تم اغتياله من قبل قوى تعمل بأساليب الارهاب ومدعومة من جهات معينة.

نحن اذن نطالب بتحقيق اهدافنا المتمثلة في بلد فيه كرامة، ويؤمّن المتطلبات، ونحن نضغط على الحكومة لاجل تحقيق هذه الشروط. فلا يجوز ان نحرف هذه الامور وندفعها نحو اهداف اخرى وصراعات  ليست هي ربما الأساسية. على سبيل المثال يشكل حرق المقرات رد فعل انفعاليا. ويبقى موقفك إدانة هذه الجهة، اذا كانت لديك قناعة ان وراءها دولة او جهة معينة. لكن لا تذهب في اتجاهات تعطي ذريعة للمقابل كي يحاسبك، ويحرف مسار النضال بحجة حرق ممتلكات وما الى ذلك. فالقضية اكبر، وهي تخص شعبا وعدالة وحريات وقضية الحفاظ على أمن المواطن.

  • المركز : المخاوف التي شخّصها الحزب والتي تتعلق بتهديد السلم الأهلي ومصير البلد، كيف تتعامل معها بقية القوى؟ هناك من يقول أن تراجع انتفاضة تشرين سمح لهذه القوى بالمزيد من الوقت والرهان على انتهاء الغضب الشعبي، وبقاء الوضع على ما هو عليه؟

رائد فهمي: لا شك أنهم سوف يستمرون بالتسويف. ولا تتصور إن صاحب مصلحة تريد ان تنتزع منه امتيازاته، وان تحيله الى القضاء لأنه فاسد، سيرضخ ولن يصعّب  عليك المهمة. او انه لن يستغل أية فرصة للتراجع عن أي تنازل. لذلك نقول ان قوى التغيير يجب ان تكون متماسكة ولديها رؤية، وان تسلط الضغط بصورة متواصلة، وتعتمد تكتيكات واستراتيجيات تجاه القضايا التي  تواجهها.

لذلك اتساءل في ظل التكتيكات وضمن ردود الفعل، من يتحمل المسؤولية؟ انها بالتأكيد القوى التي تمنع الاستجابة، وتعمل على تسويف المطالب وتضع عقبات امام تلبيتها. في المقابل يجب على قوى الاحتجاج ان تدرك اين توجه ضغطها وجهدها؟ اعتقد ان هناك اليوم سخطا شعبيا، وهناك ايضا تعاطف كبير مع مطالب المحتجين ومطالب المنتفضين ازاء هذه الجريمة الشنعاء، التي يجب ألا تؤخذ بشكل منعزل، أي باعتبارها مجرد اغتيال ناشط مدني. فهي كذلك مؤشر على عزم منظومة السلطات ومَن وراءها، هذه المنظومة الرافضة للتغيير، والمستعدة للتمادى في جرائمها والتستر على مصالحها ومنع حدوث اي تغيير حقيقي.

ومن ثم يأتي السؤال: لماذا اتخذنا هذا القرار اليوم، ولم نفعل ذلك قبل الآن؟ ببساطة لأننا رأينا هذا التراكم للتمادي في عمليات الاغتيال والاستهداف، وفي مسعى إسكات اي صوت يريد التغيير.

نحن نعتقد ان الأوان آن لتحفيز مزيد من القوى على المشاركة في منع انطلاق البلد على طريق الهاوية.

  • المركز : هناك من يقول ان القوى التشرينية ادركت أنها لن تحقق مكسبا في الانتخابات، ولذلك لجأت الى خيار المقاطعة، فما ردكم؟

رائد فهمي: هذه حجة مستهلكة: انتم لا تريدون المشاركة لان وزنكم ضئيل. لكن هذا تقزيم للمشكلة. القضية اكبر من هذا بكثير. فهي ليست قضية حصول على مقعد في البرلمان.

نحن اليوم نتحدث عن بلد يئنّ، بلد محاصر بأزمات شديدة جدا. رئيس الوزراء اليوم يقول: نريد اعادة ثقة المواطن بالدولة او بالنظام السياسي. لكن كيف تعيد ثقة المواطن بالنظام السياسي وانت لم تؤمّن له خدمات، ولا فرص عمل، ولا تعليما جيدا، ولا رعاية صحية جيدة، ولا تمتع بالاستقلالية في بلده؟ فالموجود هو نظام سياسي ينخره الفساد، ويقف عقبة امام ضمان الأمن للمواطن. لذلك قلنا ان علينا الا نعتبر قوى اللادولة خارج النظام السياسي فقط. فالدولة اليوم غير قادرة على محاربة الفساد، وغير قادرة على ان تقف امام القتلة.

الى متى وهذه  المساومات المستمرة من اجل اسكات هذا او ذاك، بينما الضرر يتراكم ويتحمله المواطن، ونسبة الفقر تبلغ  35 في المائة وربما اكثر، وقد تصل الى 50 في المائة؟ الى اين سنصل؟ واليوم يبشروننا بأزمة كبيرة في الكهرباء مجددا، وبمشكلة في الماء ايضا، وفي الصحة بسبب الجائحة وهشاشة مؤسساتنا، وقد رأينا ما حصل في مستشفى ابن الخطيب؟ كيف تعيد ثقة المواطن وانت ترى الفاسدين يتأهبون الآن لاعادة انتاج انفسهم في الانتخابات القادمة؟

  • المركز : يدور حديث عن تعليق المشاركة في الانتخابات بمستويات مختلفة. وقد عبر الكثير من القوى عن ارتياحه لدواعٍ مختلفة، ابرزها ان المشاركة في الانتخابات تعطي شرعية لهذا النظام، والمقصود طبعا نظام المحاصصة الذي تصر القوى المتنفذة على التشبث به؟ هل يأتي تعليق الحزب مشاركته في هذا الاطار؟

رائد فهمي: قلنا في البيان اننا نعلق مشاركتنا على توفير الشروط سابقة الذكر. وهذه الشروط ـ ونحن نقترب من موعد الانتخابات ـ لا تزال غائبة، وفي مقدمتها الأمن، ودعنا نسميه الأمن السياسي. وبالتالي فان هذه الامور كلها تؤدي الى انتخابات تديم الازمة الحالية.

لنفترض الآن ان المقاطعة حصلت، وان نسبة المقاطعين بلغت 90  في المائة. وبما انه لا توجد في نظام  انتخاباتنا عتبة محددة، فإن ذلك سوف لا يمنع من تشكيل برلمان ومن ثم حكومة،  بمشاركة انتخابية نسبتها 10 في المائة.

امام الدولة الآن - وهذا يشمل السلطتين التنفيذية والتشريعية وحتى القوى السياسية المتنفذة ـ وقت حتى يوم الانتخابات، يمكن لها ان تعالج خلاله هذا الوضع. البعض يقول انهم عاجزون عن المعالجة، لكن هذا في كل الاحوال ضغط. ولسنا وحدنا من يضغط، انما الشعب سيخرج. هناك قوى تريد مقاطعة نهائية، واخرى تقول انها ستمارس الضغط. ونحن نعتقد بامكانية تجميع مزيد من القوى للضغط من أجل توفير مستلزمات الانتخابات الحرة والنزيهة. 

نقول ان علينا الآن ان نتفق على تصعيد الضغط بالطرق السلمية الدستورية. وهذا يشمل شريحة واسعة وليس فقط التشرينيين وغيرهم من القوى. بل حتى ان جزءا من المنظومات المتنفذة لن يستطيع  الطعن في هذا المطلب المشروع.

وهذا جزء من عملية تجميع القوى لاجل التغيير، وهو سيتجاوز موضوع الانتخابات. نحن نلمس مؤشرات ايجابية، وهناك دعوة لتجميع القوى. ومطلبنا اليوم، الذي لا يطعن فيه حتى بعض القوى المتنفذة، هو: هل هناك من يشكك في ان الظروف الحالية لا تضمن متطلبات الانتخابات الحرة النزيهة؟ كلا، فحتى القوى المتنفذة غير قادرة على التشكيك في ذلك. وهذه المرة نحتاج الى وقفة جادة، وليس مجرد الخروج بخطاب وتحذير للحكومة.

المطلوب اليوم هو اجراء فعلي يبدأ بكشف القتلة ومن وراء القتلة، ويستمر في قضية الفساد وليس ان توضع محاذير امام محاسبة الفساد. اذا كان الجميع جادا بالفعل فيجب ان يوضع حد لمثل هذه الامور، وهناك امكانية لذلك. وهل من المعقول الا نستطيع كشف القتلة، ولدينا ما لدينا من معطيات وكاميرات واسماء وصور؟

انها اذن قضية ارادة سياسية. وفي المقابل هناك ارادة سياسية للتغيير، وعلى اطراف التغيير ان تجمع قواها لتكون ارادتها هي الغالبة. بمعنى ان تفرض ارادتها السياسية على ارادة القوى الماسكة بالسلطة. فان لم تستطع تحقيق ذلك، فان الشعب سيعرف عندها وعلى الاقل من هو الجاد ومن غير الجاد، فيحمّل القوى الماسكة بالسلطة كل النتائج وكل المآسي التي قد تترتب على الاستمرار بهذا النهج.

 نعتقد ان هذه نقطة مهمة لإعادة تجميع القوى، لا سيما قوى التغيير. وهذه القوى بموقفها الموحد قادرة على التأثير حتى على القوى الماسكة بالسلطة، وربما تجتذب بعض القوى نحو مطلب التغيير، ومطالب ضبط الاوضاع وتأمين البيئة السياسية والامنية المناسبة لخوض الانتخابات.

  • المركز الإعلامي : ما هي الخطوة المقبلة للحزب بخصوص سعيه الى تغيير منظومة المحاصصة والفساد؟

رائد فهمي: يواجهنا البعض بالقول كيف تلجأون الى الشارع ؟ والمقصود بالشارع البعد الجماهيري. ويضيف: يجب ان تعتمدوا الطرق القانونية والمؤسساتية. ولكن اين هي الطرق المؤسساتية؟ لو ان الامور تأخذ مجراها والمؤسسات الدستورية والتشريعية والتنفيذية والقضائية تعمل عملها، وتحاسب الفاسدين، والقتلة، وتقوم بالاجراءات الاصلاحية، لما لجأنا الى الشارع. انما نلجأ اليه لان هناك انسدادا في كل الامور، وهناك تسويف وتعطيل وممانعة وكوابح. حتى عندما تتوفر ارادة سياسية لدى هذا الوزير او لدى تلك السلطة التنفيذية، نجد هناك جهات نافذة لا رابط يربطها بالمصلحة العامة، تمنعه او تمنعها من التنفيذ. فكيف اذن تستطيع  كسر هذه الكوابح والتغلب عليها؟ المواطن وحده غير قادر. لكن الارادة الجمعية للمواطنين هي الاكبر، لذلك فان كل القوى المحافظة والرافضة للتغيير على مر العصور، وعلى اختلاف المجتمعات والدول، لديها تكتيكات تستخدمها لتفتيت وتقسيم القوى حاملة لواء التغيير، او القوى المنتفضة او القوى الثورية، سمّها ما شئت. السلطات تحاول تفتيتها، وتستخدم تكتيكات لأجل ذلك. وقد تحاول استخدام الانتخابات في ظرف معين، عندما تكون هناك مطالبات جماهيرية شعبية بالتغيير. نعم، تسعى لاستخدام الانتخابات كتكتيك للتقسيم. لذلك انا اطرح سؤالا كبيرا: عن أية انتخابات تتحدث؟

نحن نريد انتخابات حرة ونزيهة، تكون طريقا نحو التغيير ورافعة له، لاعادة رسم الخريطة السياسية، انما بشكل غير تعسفي، لأن الارادة الشعبية واضحة وتريد التغيير. البعض قد يريدها انتخابات لطمس هذه الامكانية، او للحد منها.

 لذلك اذا كانت هناك رغبة ـ ونحن نرغب ـ في ان تكون انتخابات عادلة  باعتبارها طريقة دستورية وسلمية ومؤسساتية للتغيير، فأهلا وسهلا. نحن نريدها ونعمل من اجلها. لكن الشروط الضرورية لاجراء مثل هذه الانتخابات غير متوفرة اليوم، مع الاستمرار على النهج السابق ذاته. قد يكون ثمة إجراء  اصلاحي هنا، وخطوة منعزلة هناك، لكن هذا لم يعد يفي بالغرض. فالمطلوب اليوم اجراءات اقوى واكبر، تعطي اشارة واضحة ومعبرة عن رغبة وارادة جديتين في توفير الشروط الآمنة للمواطنين.

هذا غير متوفرحاليا، ونحن نقول بوضوح: اذا لم تتوفر هذه الامور فان الضغط الشعبي سيزداد. اما كيف سيتبلور وبأي شكل، فهذا موضوع آخر. وعلى القوى السياسية ايضا ان تعي جيدا، أن لها مصلحة في الاستجابة لارادة المواطنين: في الجانب الأمني اولا، والفساد ثانيا، ومن ثم الالتفات الى المصالح الحقيقية للمواطنين: الاقتصادية - المعيشية والاجتماعية. هذه الوجهة وحدها يمكن ان تعطي المواطن أملاً، يستعيد معه شيئا من الثقة المفقودة.