اخر الاخبار

غالباً كانت البطالة وغياب فرص العمل منطلقاً لاحتجاجات الشباب في العراق، ففي وقت لا يعاني فيه ابناء المسؤولين والمحسوبين على القادة السياسيين من معوقات في ايجاد عمل لهم، تقف امام الشباب العراقي جملة من الصعوبات والتحديات ان وجدت فرصة للعمل من الاساس، وهذا ما خلق فجوة كبيرة وشرخا غير قابل للردم بين جيوش الشباب العاطلين عن العمل والمنظومة السياسية، التي يحملونها مسؤولية تدهور الاحوال في مختلف المجالات بضمنها الاقتصاد، نتيجة صراعاتهم السياسية على النفوذ والثروة والسلطة.

وقالت ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت أمام جلسة لمجلس الأمن قبل أيام حين: ان «العديد من العراقيين فقدوا الثقة في قدرة الطبقة السياسية على العمل لصالح البلد وشعبه».

لا سياسة ولا اقتصاد

في العصر الحديث يعد الاقتصاد معيارا لقياس قوة الدولة واداة لفرض الارادة في بعض الاحيان، وتهتم الدول كثيرا بتطوير اقتصادها، حيث اخذ الاقتصاد مدى اوسع واصبح يرسم سياسة الدولة ويقود البلاد.

ويقول الخبير في الشأن الاقتصادي صالح الهماشي، أنه في القانون العالمي يقوم الاقتصاد بالمشاركة في قيادة السياسة، وأن الدول المتقدمة ترسم سياساتها وفق مصالحها الاقتصادية، بينما في العراق، يحاول أصحاب السلطة أن يرسموا سياساتهم ومن ثم يحاولون تطبيق الاقتصاد عليها وهذا فشل ما زال مستمرا.

ويوضح الهماشي لـ “طريق الشعب”، أن العراق «يعاني من وجود ثلاثة مراكز لصناعة القرار السياسي، هي مراكز كبيرة ومؤثرة وتنقسم في داخلها إلى أجزاء عديدة، كلها تتصارع في ما بينها وتتسابق على الفشل لا النجاح»، لافتا إلى أن «أي مشروع أو فكرة اقتصادية تحاول أطراف السياسة المتنفذة السيطرة عليها أو عرقلتها وبالتالي راح الاقتصاد الوطني ضحية لهذه السياسات والمنافسة غير الشريفة من أجل النفوذ».

ويشدد المتحدث على أن «المحاصصة وضعت الاقتصاد في مأزق خطير، وعطلت القطاعات الإنتاجية وأصبحت الصناعة الوطنية تضمحل ووصلت إلى مرحلة الصفر تقريبا، ولم يتبق سوى النشاط التجاري والاستثمارات الترفيهية دون الزراعة والسياحة والصناعة وغيرها. نشاهد المولات التجارية والكازينوهات وهي رغم كونها جزءا من الاقتصاد، لكن بقاءها لوحدها يولد مجتمعات فقيرة ومعدمة وهذا ما حصل فعلا»، مؤكدا أن «الصراع السياسي أوصل البلد لمرحلة خطيرة جدا، وأن السياسيين المتنفذين لا يفهمون بالاقتصاد ومراكز القوى التي ترسم القرار الاقتصادي حطمت الاقتصاد وضربت سوق العمل وجعلته عاجزا عن استقبال 500 ألف عامل في كل عام يدخل لهذا السوق ولا يجد فرصته لنرى كل أشكال البطالة مقابل ايد عاملة خارجية تنافس الداخل على القضايا الخدمية».

ولفت إلى أن «سوق العمل أصبح مشلولا بشكل شبه كامل، ولا توجد فرص عمل في القطاعين العام والخاص بسبب السياسات الفاشلة، ومحاولة الاعتماد على التعيينات لجزء صغير من أجل تهدئة الغضب الشعبي ولا توجد أي عدالة أو تكافؤ بين المواطنين. نحمّل الحكومات المتعاقبة كل هذا الفشل وقوى المحاصصة التي عكست فشلها بأداء حكوماتها وعدم صياغتها سياسة اقتصادية وطنية سليمة».

غياب فرص العمل

تجدر الاشارة الى ان الرواتب الشهرية المنصفة والاستقرار تجذب العديد من الخريجين إلى الوظائف الحكومية لكنّ القطاع العام ينهك مالية الدولة في بلد يعاني من أزمة سياسية، والقطاع الخاص فيه لا يلبّي طموحات الشباب». 

وبحسب الخبراء الاقتصاديين، فإن العراق يعتمد على النفط الذي يشكّل 90 من إيراداته، وأغلب فرص العمل التي يوفرها تذهب إلى الوظيفة العامة، ويرى فيها الشباب ملاذاً وسط الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تمرّ بها البلاد. 

سرطان يقتل الجسم

ورغم رغبة الشباب فيها، الا ان للوظيفة العامة ثمناً يقلق رئيس الوزراء الذي قال خلال مؤتمر صحافي الصيف الماضي، إن «الحكومات الماضية لم توفر فرص عمل للمواطنين وكانت هناك فوضى في التعيينات في العراق»، ورأى أن «هذه الزيادة الكبيرة في عدد موظفي الدولة بطريقة شعبوية عبثية أنهكت الاقتصاد العراقي». 

وطبقا للكاظمي فأن نسبة الزيادة في موظفي الدولة منذ 2004، أي بعد عام على سقوط النظام المباد وحتى 2019، بلغت «400 في المائة، وان القطاع العام يشكّل ثلثي الموازنة». 

وهذا يجعل النسيج الاقتصادي هشا في بلد «يوظف فيه القطاع العام 3,3 ملايين شخص، أي نحو 37,9 في المائة من السكان الناشطين اقتصادياً، أحد أعلى النسب في العالم»، وفقا لما اوضحته منسقة العراق في منظمة العمل الدولية مها قطّاع.

وفي القطاع العام كما في القطاع الخاص أيضاً، يتمّ التوظيف عادةً بالاتفاق والتنسيق بين أبناء العشيرة الواحدة أو الحزب السياسي الواحد، فنظام المحاصصة والواسطة أسهم في «ترسيخ استمرار الممارسات الفاسدة التي تدمّر الأسس الأخلاقية والمادية للبلد»، كما كتب وزير المالية السابق علي علاوي في رسالة استقالته من منصبه لمجلس الوزراء. 

وتحدّث علاوي عن الفساد الذي «يمكن وصفه بالسرطان الذي يمكن أن يقتل الجسم»، معتبراً أن الدولة «لم تتحرر ككل من سيطرة الأحزاب السياسية وجماعات المصالح الخارجية». 

ولا تزال نسب العاطلين عن العمل في العراق غير دقيقة وطبقا للإحصائيات الرسمية فان هنالك مليون عاطل عن العمل مسجل لدى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.

وتشير تقارير منظمات معنية بشؤون العمال الى ان عدد العاطلين عن العمل يقترب من 6 مليون عاطل.

يشار إلى أن من بين كل 10 شباب، يوجد 4 عاطلون عن العمل، فيما ثلث السكان الـ42 مليونا، تحت خط الفقر، وفقا للأمم المتحدة.