يتواصل الجدل حول جدوى مشروع مد أنبوب لنقل النفط من حقول البصرة النفطية الى ميناء العقبة؛ فهناك من يرى المشروع يمثل أهمية قصوى للعراق باتجاه تنويع منافذ تصدير النفط الخام ودخول أسواق جديدة، فيما يعتقد اخرون ان لا جدوى اقتصادية من المشروع.
مشروع قديم
ويتمحور الجدل حول أهمية المشروع من عدمها، حيث يمثل الانبوب خيارا مهما في تنويع منافذ التصدير، وفي الحصول على حصص سوقية جديدة في السوق النفطية العالمية، وفي تجاوز الأثر المحتمل للتوترات الأمنية في مضيق هرمز الذي يمر من خلاله 97 في المائة من صادرات العراق النفطية، وفقا لأستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة نبيل المرسومي.
واضاف في إيضاح في صفحته على فيس بوك انه “في ضوء دراسة الجدوى الفنية والاقتصادية التي قدمتها وزارة النفط الى وزارة التخطيط ومن خلال تحفظات الأخيرة يمكن تأشير الملاحظات التالية: ان مرحلة الدراسات والترويج للمشروع ابتدأت منذ عام 2011 بعد ان تم التعاقد مع الشركة الاستشارية (snc - Lavalin)، التي كلفت بالدراسة الفنية والاقتصادية للمشروع”.
وبيّن انه “في عام 2019 تم اعتماد مسار للأنبوب، مواز لمسار الخط الاستراتيجي من الرميلة الى حديثة، حيث تقع محطة الضخ (k 3) ومنها يمكن ان تتفرع انابيب التصدير في ثلاثة اتجاهات محتملة هي: حديثة – العقبة، حديثة – بانياس، حديثة – محطة القياس في فيشخابور على الحدود العراقية – التركية. وهذا يعني ان هذا الخط يوفر امكانية تصدير النفط الى ثلاث دول في آن واحد، وهي الأردن وسوريا وتركيا”، مبينا ان “طول الانبوب يبلغ 1657 كم، ويتكون من مقطعين هما (بصرة – حديثة بطول 685 كم وبطاقة 2.250 مليون برميل يوميا) و(حديثة – عقبة بطول 972 كم)، ويتضمن المشروع 10 محطات ضخ و3 مستودعات خزن في الرميلة وحديثة والعقبة بطاقة 19 مليون برميل، وميناء للتحميل في العقبة بطاقة مليون برميل يوميا، ومنظومة سيطرة ومحطة قياس”.
وتابع انه “سيتم تزويد مصر بنحو 65 الف برميل يوميا من ميناء العقبة من دون الحاجة الى مد أنبوب من العقبة الى الساحل المصري، فيما سيزود العراق مصفى الزرقاء باقل من 150 الف برميل يوميا وفق تسعيرة مرتبط بالاسعار العالمية يتفق عليها الطرفان”، منوها بانه “وفق عقد المقاولة تبلغ الكلفة الاستثمارية الكلية 9.022 مليار دولار، تضاف لها كلفة التمويل البالغة 1.895 مليار دولار، وبذلك تكون الكلفة الكلية هي 10.917 مليار دولار، تدفع الى المقاول بمعدل 1.819 مليار دولار سنويا، اعتبارا من السنة الأولى من التشغيل ولمدة 6 سنوات، بعد تشييد المشروع الذي يستغرق مدة 3 – 4 سنوات من توقيع العقد”.
واشار الى ان “وزارة التخطيط ترى صعوبة توفير هذا المبلغ سنويا ضمن التخصيصات الاستثمارية السنوية لوزارة النفط في الموازنة العامة، ولذلك تقترح الوزارة البحث عن آليات أخرى لتنفيذ المشروع خارج الموازنة الاستثمارية لوزارة النفط مع ان كل الخيارات الأخرى تكون مرتفعة الكلفة بما فيها نظام بوت، فضلا عن ان العراق يشهد حاليا وفرة مالية كبيرة بسبب الارتفاع الكبير في أسعار النفط، ولذلك يبدو ان هذا الاعتراض غير واقعي، ويفتقد ما يدعمه من مبررات مالية او اقتصادية”، موضحا ان “المشروع لا يشمل تشييد مصفى او مصفى ومجمع بتروكيمياويات في العقبة يمول من العراق، ولا يشمل مد أنبوب من العقبة الى مصر”.
ولفت الى ان “رسم المرور الذي سيحصل عليه الأردن من مرور النفط العراقي يبلغ 25 سنتا لكل برميل عند معدل تصدير ما بين 200 الف برميل الى مليون برميل يوميا”، مشيرا الى ان “الكلفة الاجمالية (الاستثمارية والتشغيلية ورسم المرور) لنقل النفط بالخط العراقي – الأردني في حالة تصدير 750 الف برميل يوميا، تعدل 2.4 دولار للبرميل، في حين تكون الكلفة عند التصدير بحرا 1.35 دولار للبرميل وترتفع الى دولارين عند تصدير النفط من البصرة الى جيهان”.
ونوه الى ان “صادرات العراق من ميناء العقبة الى الأسواق الاوربية والأمريكية تمر من خلال قناة السويس، ما يحمل العراق كلفاً إضافية بسبب رسم المرور المدفوع للقناة، ولكن صادرات العراق الحالية من النفط الخام من البصرة واربيل الى الأسواق الاوربية والأمريكية، والتي تصل الى نحو نصف مليون برميل يوميا، تمر أيضا من خلال قناة السويس”.
وأكد ان “الملاحظات التي أبدتها وزارة التخطيط تشير الى ان أسلوب تنفيذ المشروع هو EPCF وبموجبه سيوفر المقاول التمويل للمشروع، مما يعني ارتفاع كلفة المشروع، وهذا يتطلب توفير تفاصيل كلفوية دقيقة لكل أجزاء المشروع ومراحله”، مشيرا الى ان “الدراسة لم تأخذ بنظر الاعتبار الجوانب الأمنية في المناطق التي يمر فيها الانبوب في العراق والأردن، كما انها لم تتضمن دراسة تسويقية للنفط العراقي المصدر من هذا الانبوب الى الأسواق الاوربية والأمريكية والافريقية”.
رأي ثانِ
من جانبه، سجل الاكاديمي نجم الغزي ملاحظات عديدة حول المشروع، مشيرا الى ان الأنبوب المقترح لنقل نفطنا عبر العقبة الأردني مشروع ليس جديدا بل يعود للعام ١٩٨٣ بعد إغلاق السوريين الأنبوب العراقي إلى البحر المتوسط، وكان محاولة مستعجلة وغير مدروسة اقتصاديا في حينها.
وقال الغزي انه “لا توجد دراسة جدوى من مؤسسات مختصة حول المشروع”، مشيرا الى ان “مسار الخط طويل جدا، ويسير بمناطق مفتوحة تحتاج إلى جهود وكلف كبيرة لتأمينه”.
وأشار الى “صغر ميناء العقبة والساحل الأردني عموما، حيث يبلغ طول الساحل الأردني على خليج العقبة ٢٦ كم”، مبينا ان “العراق يصدر أكثر من 73 في المائة من نفطه إلى أسواق اسيا. وبذلك قد يصبح الأنبوب غير مجد لتصدير نفطنا إلى أوربا من خلال العقبة”.
وبيّن ان “هناك تحديا اخر يواجه الانبوب في حال تحميل نفطنا من ميناء العقبة فإننا سنضطر لدفع رسوم مرور عبور قناة السويس وهي تكاليف إضافية، يمكن تلافيها ان تم البحث عن منفذ اخر”.
بدائل اخرى
ونصح الغزي بـ”إعادة احياء وصيانة الأنبوب العراقي عبر الاراضي السورية الموجود اصلا منذ العام ١٩٥٢والذي ينتهي بميناء بانياس والذي أغلق عام ١٩٨١ هو أكثر جدوى حيث سيمكننا من تسليم نفطنا إلى المشترين الاوربيين والامريكان في البحر المتوسط مما يوفر علينا تكاليف عبور قناة السويس، إضافة إلى توفير الوقت والكلف”، مؤكدا ان “الخط يمكن تأمينه لوجود بنية تحتية لذلك منذ بناء الخط عام ١٩٥٢، ويبلغ طوله ٨٠٠ كم، بينما الخط الأردني المقترح يبلغ طوله ١٣٥٠كم”.
وحول توفير حاجات الأردن من النفط العراقي المقدرة بـ١٥٠ ألف برميل يوميا، أكد الغزي انه يمكن تأمينها برا او عبر أنبوب يصل للأراضي الاردنية حسب دراسات الجدوى، منوها الى ان “ما تقوله وزارة النفط من ان الأنبوب يمكن أن يوفر منافذ تصديرية لنفطنا عبر أفريقيا غير دقيق حيث أن مشتريات دول شرق أفريقيا من نفطنا ضئيلة جدا، ولا تستدعي هذه الكلف الكبيرة للمشروع”.
واقترح الغزي على “إعادة التفاوض مع الجانب التركي لزيادة نقل النفط العراقي عبر جيهان، ويمكن ان نحصل منهم على عروض أفضل خاصة مع وجود البديل السوري”، مبينا ان “هناك خطا لنقل النفط العراقي موجود اصلا بنته شركة ايني الايطالية عام ١٩٨٩ ينقل نفطنا إلى ميناء ينبع السعودي على البحر الأحمر، وتبلغ طاقته التصديرية مليون و٦٠٠ ألف برميل، وبطول ٨٠٠كم، وقد تم إيقافه بعد عام ١٩٩٠ وصادرته الحكومة السعودية عام ٢٠٠١، كجزء من تعويضات حرب الخليج. ويمكن التفاوض مع السعوديين لإعادته للعمل وهو بطاقة تصديرية عالية جدا”.
النفط توضح
وعلى خلفية الجدل المتواصل حول المشروع عقدت وزارة النفط، مؤتمرا صحفيا، اكدت فيه ان “المشروع قيد الدراسة الفنية ولم تتم إحالته أو إبرام عقد مع أي جهة”، مشيرة إلى “تغيير اسلوب تنفيذ المشروع من (Boot) إلى (EPCF)”.
وأضافت ان “ما تم إقراره في مجلس الوزراء هو استراتيجية وخارطة طريق لتنفيذ المشروع، ولم تتم إحالته أو توقيع عقد مع أية جهة، والدراسة بهذا الشأن تستغرق بعض الوقت، وسيتم ترحيله للحكومة المقبلة للبت فيه”، مشيرة الى ان “كلفة المشروع لا تتجاوز 8.5 مليار دولار”.
ونفت الوزارة وجود منشآت مصاف أو بتروكيمياويات داخل أراضي المملكة الأردنية الهاشمية بتمويل عراقي أو ضمن التزامات المشروع حاليا.