اخر الاخبار

يشهد العراق ومنذ عقود، نمواً سكانياً غير اعتيادي، حيث وصل عدد سكان البلاد الى واحد وأربعين مليونا في نهاية العام الماضي وفقًا لوزارة التخطيط، الامر الذي اعتبره عدد من المختصين، مؤشرا يتطلب من مؤسسات الدولة، وضع معالجات اجتماعية عاجلة، لضمان عدم تجاوز نسب النمو مستوياتها الطبيعية، ووضع معالجات اقتصادية لإخراج البلاد من الريعية، والتفكير بشكل جدي في الاستفادة من الطاقات البشرية الهائلة وعدم تركها ضحية للفساد والحروب.

مرحلة الانفجار

تقول الباحثة الاجتماعية هديل عودة لـ”طريق الشعب”: ان “النمو السكاني في العراق يقترب من مرحلة الانفجار، في ظل ارتفاع سنوي يقدر بأكثر من مليون نسمة”، مشيرة الى ان “النمو السكاني يعتبر حالة جيدة اذا ما كان طبيعيا، لكن ما يحدث في البلاد هو ارتفاع غير طبيعي يترافق معه فشل الحكومات والأنظمة المتعاقبة في توفير متطلبات هذا النمو”.

وتضيف الباحثة ان “العادات والتقاليد تلعب دوراً مؤثراً في زيادة معدلات النمو، كما دفع الخوف من آثار الحروب والاقتتال الداخلي بالعوائل العراقية الى التفكير في زيادة اعداد افرادها خشية من أي مكروه تتعرض له”.

وتؤكد عودة أن “غياب القانون وظهور سطوة العشائر والجماعات المسلحة قد دفع العديد من العوائل الى الاعتقاد ان كثرة افرادها تضمن لها القوة والوجاهة الاجتماعية وتجنبها الضرر”.

وتابعت أن “الأنظمة المتعاقبة اهملت التعامل مع هذا الامر، بل وتدخلت في بعض الأحيان لتشجيع العوائل على الانجاب مثل منع النظام السابق تداول حبوب منع الحمل في المستشفيات والصيدليات إبان الحرب العراقية الإيرانية، ومثل اسقاط القروض المترتبة على المواطنين مع ولادة كل طفل جديد في العائلة”. 

ونوّهت الى ان “ظهور الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية بعد احتلال العراق في 2003، كان عاملا مهما لكثرة الولادات”.

تداعيات عديدة

من جهة مكملة، أكد تقرير أعده موقع the arab gulf state institute in Washington” “، وطالعته “طريق الشعب”، ان “للزيادة السكانية تداعيات على العديد من جوانب الحياة في معظم البلدان. لكن هذه الأمور شديدة التأثير بشكل خاص بالنسبة للدول الهشّة مثل العراق، حيث يكون سوء الإدارة كبيراً، مما يؤدي إلى محاصرة المجتمعات الضعيفة والفقيرة ويزيد الضغوط على البيئة والبنية التحتية”. 

وشدد التقرير على ان “الحكومة العراقية ستحتاج إلى الاستعداد للزيادة الهائلة في عدد السكان من خلال توفير الأمن الغذائي، وإنشاء البنى التحتية، وتحسين الاقتصاد، وهي مهام لا تبدو الحكومات العراقية الضعيفة، مستعدة للقيام بها”.

وتابع “يعتبر انعدام الأمن الغذائي بالفعل قضية رئيسية في العراق، وسوف تتدهور الأوضاع مع زيادة عدد السكان. حيث انخفضت مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي للعراق من 9 في المائة في عام 2002 إلى 3.6 في المائة في عام 2009، كما انخفض الإنتاج الزراعي للعراق من حوالي 15 مليار دولار إلى حوالي 7.6 مليار دولار من عام 2014 إلى عام 2017. ويرجع كل ذلك الى الصراع الداخلي وزيادة تدفق السكان من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية، واستيلاء تنظيم داعش في العراق والشام على مناطق واسعة. كما حدث انخفاض في الأراضي الخصبة، لا سيما في جنوب العراق. فعلى سبيل المثال، تقلصت الأراضي الصالحة للزراعة في المنطقة المحيطة بمدينة الفاو الساحلية بمقدار النصف، ما ساهم في انخفاض عدد السكان من 400 ألف إلى 50 ألفاً على مدى أربعة عقود وانتقالهم إلى مدن أكبر”.

4 ملايين في عوز

وبين التقرير انه “وفقًا لوكالة التنمية الدولية الأمريكية، هناك 4.1 مليون عراقي يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، بما في ذلك 920.000 يعانون من انعدام الأمن الغذائي. هذه الأرقام سوف تتصاعد بالتأكيد مع زيادة عدد السكان، وعدم قدرة الحكومة العراقية على حل المشاكل الحالية، خاصة مع تراجع الإنتاجية الزراعية وتدهور الاقتصاد العراقي بشكل كبير”.

واوضح التقرير ان “النمو السكاني يضغط على الاقتصاد العراقي المتوتر بالفعل، بسبب الاعتماد على الريع النفطي، حيث أصبح التوظيف في القطاع العام جزءا من العقد الاجتماعي بين الحكومة والمجتمع، كما قامت الحكومة بتضخيم البيروقراطية على حساب دعم القطاع الخاص، فهناك ثمانية ملايين عراقي يتقاضون رواتب ومعاشات ومزايا اجتماعية أخرى من الدولة، ولهذا فإنه ومع ارتفاع معدل النمو السكاني، لا يستطيع العراق الحفاظ على هذا النموذج الاقتصادي”. 

وتابع التقرير ان “ما يقرب من 60 في المائة من سكان العراق هم دون سن 25 سنة، وهذا يعني أن المزيد من الشباب سيدخلون إلى سوق العمل المتخم الان بالفعل، مع وجود قطاع عام متضخم وقطاع خاص هش. بالإضافة إلى ذلك، تبلغ نسبة بطالة الشباب في العراق 36 في المائة”. 

وحذر التقرير من “تميز سوق العمل في العراق بانخفاض مستويات العمالة الماهرة، وهو اتجاه من المرجح أن يستمر بسبب عدم كفاية نظام التعليم”.

ضغوط على البنية التحتية 

وبيّن التقرير ان “النمو السكاني سيضيف المزيد من الضغط على البنية التحتية العراقية المتداعية. فعلى مدى العقود الأربعة الماضية، تسببت الحرب والصراع الداخلي الوحشي والعقوبات الاقتصادية الدولية في خسائر فادحة في البنية التحتية للعراق. وعلى سبيل المثال، عانى قطاع الصحة بشكل كبير ليس فقط أثناء الصراع ولكن من خلال نقص التمويل خلال فترات الاستقرار النسبي”. وذكر التقرير ان بغداد وحدها تحتاج الى “ما يقدر بنحو 70 مستشفى جديدا لمواجهة الزيادة السكانية، ومن المؤكد أن عدد المستشفيات المطلوبة سيكون أعلى بكثير في المناطق الأخرى، في الوقت الذي خصصت الحكومة فيه 2.5 في المائة فقط من ميزانيتها لعام 2019 لوزارة الصحة”. 

وتابع التقرير “ووفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية، أنفق العراق في المتوسط على الرعاية الصحية للفرد أقل بكثير من جيرانه الأفقر. فبسبب نقص التمويل الحكومي المخصص لقطاع الصحة، انخفض عدد أسرة المستشفيات للفرد من 1.9 سرير لكل 1000 عراقي في عام 1980 إلى 1.3 فقط في عام 2017. كما كان هناك أيضا نقص في الاستثمار في نظام التعليم، فنصف المدارس في العراق متضررة، والعديد منها يعمل في نوبات متعددة، وعدد المعلمين المؤهلين آخذ في الانخفاض. علاوة على ذلك، هناك ملايين الأطفال في سن الدراسة غير مسجلين في المدارس، والبنية التحتية للطاقة في العراق بحاجة ماسة إلى الاستثمار، حيث يعاني قطاع الكهرباء ومنذ عقود من الضرر وسوء الإدارة بسبب إخفاقات الحكومات المتعاقبة”. 

وختم التقرير بالقول إن “فشل الحكومة العراقية في الاستثمار في رأس المال البشري وإعادة الإعمار، قد ترك البلاد غير مستعدة للمعدل الحالي للنمو السكاني”. 

معدلات مرتفعة 

من جانبه، أشار الخبير الاقتصادي فراس احمد الى ان معدلات النمو في العراق مرتفعة بشكل كبير. 

وذكر احمد لـ”طريق الشعب”، ان “معدل النمو السكاني في البلاد للعام السابق بلغ أكثر من 2.5 في المائة، وهو معدل مرتفع بشكل كبير وفقًا للمعايير العالمية”.

وأشار الى ان “معدلات النمو السكاني عالميا ارتفعت نتيجة للقضاء على الأوبئة وتوفير رعاية صحية أفضل من السابق، وارتفاع معدلات الخصوبة، لكن المؤشرات في بعض البلدان ومنها العراق مقلقة في ظل عجز حكومي عن الاستفادة من هذا النمو”.

وأضاف ان “الثروة البشرية الهائلة الموجودة في العراق لا بد من الاستفادة منها وتوظيفها بالشكل الصحيح، قبل تحولها الى مشكلة تعصف بمستقبل النظام السياسي”، متابعا ان “الحكومات المتعاقبة تعاملت بشكل غير علمي مع الموضوع وتركت القضية على عاتق المجتمع، ما تسبب في زيادة غير طبيعية في معدلات النمو”.

واكد احمد انه بالإمكان السيطرة على النمو من خلال زيادة مستوى وعي الاسرة، والعمل على إطلاق مبادرات مجتمعية وبرامج تثقيفية في المدارس والجامعات واستغلال مواقع التواصل الاجتماعي لخلق رأي عام يحث على تحديد النسل بإعداد معقولة. 

وأكد أيضا أن “حل الموضوع يتطلب جهودا حكومية لوضع استراتيجيات لاستيعاب هذه الزيادة، مع مبادرات مجتمعية تنطلق من المجتمع نفسه، وفقا لحاجاته واحساسه بالمسؤولية”.

عرض مقالات: