تواصل وزارة التخطيط استعداداتها لإجراء التعداد السكاني المتوقع ان يكون في نهاية العام الحالي، لكن إجراءات كثيرة وضرورية يتطلب انجازها قبل اجراء التعداد، منها توفير ميزانية مالية للمشروع تقدر بـ 120 مليار دينار.
ويؤثر التعداد السكاني بشكل مباشر في مسألة رسم السياسات والخطط التنموية بعيدة المدى، فضلاً عن انه يعد عاملا مؤثرا في نجاح الوضع الاقتصادي او فشله.
وزارة التخطيط أكدت في وقت سابق استعدادها لتنفيذ التعداد لما يمثله من ضرورة وطنية مهمة جدا، لدعم خطط التنمية والسياسات الاقتصادية السليمة، المبنية على شواهد ومؤشرات إحصائية رصينة.
وكان من المفترض أن يجري في عام 2020 لكن تم تأجيله بسبب الجائحة وعدم إقرار قانون الموازنة. وفي عام 2021 تم تأجيله أيضا بسبب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية.
إجراءات كثيرة
وفي السياق، قال المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، في تصريح لـ”طريق الشعب”، إن “استعدادات الوزارة مستمرة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة لاستكمال متطلبات تنفيذ التعداد السكاني خلال هذه السنة وفق خطة زمنية تتضمن مراحل تنفيذ التعداد”.
وأضاف أن “انجاز التعداد تسبقه مجموعة خطوات وهي أساسية لا يمكن انجاز المشروع من دونها”، موضحاً أن من هذه الخطوات تشمل “اكمال التجارب القبلية التي بدأت الوزارة في تنفيذها في مجموعة محافظات، منها تجربتان في العاصمة وتجربة في كل من البصرة وكربلاء واربيل ودهوك”.
وأعلنت الوزارة، مؤخراً، التجربة القبلية الميدانية السابعة، التي يُنفذها الجهاز المركزي للإحصاء، استعدادا لأجراء التعداد العام للسكان والمساكن، المزمع تنفيذه قبل نهاية العام 2022، والتي أجريت في احد المجمعات السكنية العمودية، بجانب الكرخ. وشملت التجربة عمليات الحزم والحصر والترقيم، وستتبعها تجارب أخرى لحين الوصول إلى يوم تنفيذ التعداد.
وواصل المتحدث قائلاً إن “المراحل الأساسية التي تسبق عملية التعداد تتضمن اجراء تعداد تجريبي في كل المحافظات لاختبار قدرات الوزارة الفنية والتقنية”، مضيفاً أن “مرحلة أخرى تتضمن تدريب العدادين الذين سيقومون في تنفيذ التعداد، وعددهم يصل الى 150 الف عداد، وهم بحاجة الى تأهيل وتدريب مكثف، وهناك 25 دورة تدريبية مخصصة لهم”.
وتابع الهنداوي، أن “هناك مطلبا أساسيا وهو انشاء مركز لمعالجة البيانات، وتوفير الأجهزة اللوحية (التابلت) الذي سيستخدم في التعداد الالكتروني، بعدها نصل الى مرحلة الحصر والترقيم التي تمثل العمود الفقري للتعداد، وتعني هذه الفقرة اعطاء رقم خاص بالتعداد لكل بيت او منشأة او مبنى، وهذه العملية تستغرق قرابة الشهرين”.
وقال إن “هناك إجراءات أخرى كثيرة ترتبط بحدود الوحدات الإدارية، ضمنت كلها في خطة متكاملة”، لافتا إلى أن “تنفيذ التعداد مرهون بظروف أخرى منها توفير ميزانية مالية لتغطية نفقات التعداد التي تقدر بـ 120 مليار دينار”.
ووفقاً لهذه الإجراءات ـ بحسب الهنداوي ـ لا يمكن انجاز التعداد قبل نهاية العام الحالي او مطلع العام المقبل.
وختم بالقول أن من فوائد التعداد هو بناء قاعدة بيانات متكاملة، وهذا ما يفيد في رسم السياسات والخطط التنموية بعيدة المدى.
سبب فشل الاقتصاد
وقال الخبير الاقتصادي، مصطفى حنتوش، أن “غياب التخطيط السكاني واحد من أسباب فشل الوضع الاقتصادي في العراق، لان البيانات الموجودة لدى الحكومة كلها قديمة”.
وأضاف حنتوش لـ”طريق الشعب”، أن “الحكومة عندما تخطط للقضايا التي تتعلق بالاقتصاد، خصوصا في مجالات الاستيراد والزراعة وكل ما يتعلق في الاستهلاك، بالإضافة إلى حجم الوحدات السكنية المطلوب تنفيذها، فذلك يجري وفقاً لعدد السكان في البلاد، والحكومة تعتمد على بيانات عام 2009، والتي كان يبلغ عدد السكان في ذلك العام 29 مليونا”.
وأوضح أن “هذه البيانات الموجودة لدى الحكومة غير حقيقية، بالتالي الإحصاء السكاني ينعكس على تخطيط الدولة”. وأكد أن “الحكومة قادرة في أي وقت على اجراء الاحصاء السكاني، لكن المسألة تتعلق بالإرادة السياسية غير المتوفرة لإتمام ذلك”، مبيناً أن “وجود بيانات حقيقية عن عدد السكان في العراق يضع الحكومات امام التزامات اقتصادية لا تريد تنفيذها منها ملف الإسكان وتوفير فرص العمل”.
مدخلاً لصناعة سياسة تنموية
وعدّ أستاذ الاقتصاد نوار السعدي، التعداد العام للسكان “الدالة الأساسية للحصول على بيانات حقيقية في كل القطاعات البشرية والسكانية والصناعية والزراعية والمرافق التجارية وحتى الأمنية”.
وقال السعدي، “هذه البيانات هي مُدخلات لصناعة سياسات واستراتيجيات تنموية، وخلق بيئة آمنة ومستقرة للمواطن من ناحية تأمين الخدمات الأساسية والتربوية والصحية، وإنتاج وحدات خالقة للسوق وموفرة لفرص عمل حقيقية لا صورية”.
وأضاف، “إلا أنه واقعياً يفتقد العراق إلى هذه البيانات في كل القطاعات، لذا فإن تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية في المجتمع ينطلق من مرتكزين أساسيين: الصحة والتعليم، بالتالي خلق فرص عمل، وهذا المبدأ أي (العدالة) لا يمكن تحقيقه من دون توافر بيانات التعداد السكاني التي تُبنى على هيكليتها تلك السياسيات. فالعراق أجرى آخر تعداد سكاني رسمي عام 1997، وعلى مدى السنوات الماضية لم تتوافق القوى السياسية على إجراء التعداد”.
وعبر السعدي عن اعتقاده بأن “من أبرز المشكلات التي تعيق إجراء هذا التعداد الخلاف القائم بين حكومتي بغداد وأربيل في شأن السيطرة على المناطق الخاضعة للمادة 140 من الدستور العراقي، أو ما تعرف بالمناطق المتنازع عليها، ولعل أبرزها محافظة كركوك الغنية بالنفط”.
ولم تستطع جميع الحكومات المتعاقبة إجراء تعداد عام للسكان، فهو مرتبط بقضايا سياسية خلافية معقدة كالمادة 140 من الدستور، التي جرى تأجيل بتها منذ إقرار الدستور العراقي حتى الآن، وكذلك الظروف الأمنية الصعبة في بعض الفترات حالت دون إجراء تعداد عام للسكان.
إلى ذلك، أعلنت وزارة التخطيط تقديراتها لعدد السكان في العراق لعام 2021، مشيرة الى أن العدد الكلي للسكان بلغ 41,190,658 نسمة، و51 في المائة منهم من الذكور.
وذكرت الوزارة في بيان انه “وفقا للاسقاطات السكانية المبنية على التقديرات السنوية التي يعدها الجهاز المركزي للاحصاء، ووفقاً للمعادلات والمعايير الاحصائية المستندة الى نسبة النمو السنوية، ومعدلات الخصوبة، ونسب البقاء على قيد الحياة، فإن عدد السكان في العراق بلغ (41,190,658) نسمة خلال العام 2021”. مشيرة ان “التقديرات اظهرت ان العاصمة بغداد شكلت أعلى المحافظات في عدد السكان لسنة 2021”.