اخر الاخبار

كشفت الأمم المتحدة، مؤخرا، في تقرير مفصل عن مخاطر جسيمة تهدد العراق، نتيجة للتغير المناخي والتحديات التي بات يفرضها على الأرض والإنسان، مبينة تقديراتها لمدى خطورة الوضع والاقتراحات التي يفترض أن يتم الأخذ بها للحد من الإضرار بمعيشة الناس والبيئة. 

وتحدث مختصون ومهتمون بالشأن البيئي عن أن السنوات القادمة ستكون كارثية في ظل الوضع الحالي وعدم الاهتمام بهذا الملف، مؤكدين أن تداعيات الأمر أكثر خطورة من بقية الملفات، لكن المسؤولين عن صناعة القرار غير مهتمين، ويفعلون خلافا لما يقولنه أو يلتزمون فيه أثناء التوقيع على المعاهدات البيئية.

مؤشرات خطرة مستمرة

المعنيون بملف البيئة في العراق، والذي يواجه إهمالا كبيرا جدا، يؤكدون أن مؤشرات التغير المناخي، باتت واضحة، وهناك مخاطر تهدد الحياة بشكل عام.

فمن وجهة نظرهم، يشكل ارتفاع درجات الحرارة وقلة تساقط الأمطار وازدياد وتيرة هبوب العواصف الترابية ونقصان المساحات الخضراء، مؤشرات تهدد الأمن الغذائي في البداية، لأنه نتيجة لتراجع الموارد المائية وتقليص الإنتاج الزراعي وتدهور الغطاء النباتي وفقدان التنوع البيولوجي، باتت عوامل تهدد هذا الجانب، وجوانب أخرى مثل الاستثمارات الاقتصادية الحيوية، فضلا عن التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والصحية وانتشار الأمراض وتفاقم الأوبئة.

وذكر موقع “اوتشا” الإخباري التابع للأمم المتحدة في تقرير مفصل، أنّ “العراق المعروف بالوفرة والخصوبة، يشهد بشكل متزايد أحداثا مناخية حادة ومتطرفة مما يضاعف من الهشاشة البيئية، حيث أن حوض النهر، شهد ثاني أدنى معدل هطول للإمطار منذ 40 عاما، مع آثار ملموسة في جميع أنحاء المنطقة. كما وفي ظل بناء السدود في البلدان المجاورة، انخفض معدل تدفق المياه في نهري دجلة والفرات في العراق بنسبة 29 و73 في المائة على التوالي”.

ويحذر التقرير الذي طالعته “طريق الشعب”، من أن “التأثير القاسي لتغير المناخ يهدد الأمن الغذائي وسبل كسب العيش، ويحد من التقدم في مجال المساواة بين الجنسين، وهو يشكل تهديدا للتمتع الكامل بحقوق الإنسان، خاصة بالنسبة للجماعات والأشخاص الاكثر هشاشة”، موضحا أن تأثير تغير المناخ “يساهم في الاضطرار إلى النزوح الداخلي والى الهجرة غير المستقرة”. وتعليقا على ذلك، يقول الباحث والمهتم بالشأن البيئي، عبد الله حسين: إن العراق يفتقر إلى مقومات مواجهة تداعيات التغير المناخي، ويتمثل هذا الأمر بعوامل ذاتية وموضوعية.

ويضيف حسين لـ”طريق الشعب”، أن “العوامل الذاتية هي الفشل الهائل بإدارة هذا الملف منذ 18 عاما، اذا تجاوزنا ما فعله النظام السابق في البيئة، كما أن العوامل الموضوعية تتعلق بما تقوم به دول الجوار وتأثيرها على العراق الذي يحتل مراتب متقدمة في بين الدول الأكثر تأثرا بالتغير المناخي، وما يزيد من خطورة الأمر أن المعالجات حتى وإنْ حصلت فتحتاج إلى وقت، والمستقبل بات مجهولا”. 

وبحسب برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة فإن الآثار الاقتصادية والبيئية والصحية الناجمة عن تحولات المناخ تمثل التهديدات الأشد فتكا التي يواجهها العراق. وتتجلى ظاهرة التغير المناخي في العراق بحسب خبراء في الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة، ويترافق ذلك مع تصحر وتقلص للأراضي الخصبة الصالحة للزراعة، فضلا عن العواصف الترابية والغبارية التي باتت أكثر شدة مما سبق. 

ويتابع حسين أن “هناك أرقاما رسمية تفيد بأن التصحر يشغل قرابة 40 في المائة من عموم الأراضي العراقية، بينما تهدد الملوحة نسبة 54 في المائة من الأراضي الزراعية، وهذا مرتبط أيضا بالتعامل المجحف من الناحية المائية بحق العراق من قبل دول الجوار التي بنت السدود، وغيرت منابع الكثير من الروافد حيث عملت هذه السياسات على تقليص تدفق المياه للعراق، ما أدى لحدوث شح كبير في كميات المياه المخصصة للري”.

تأثيرات كثيرة جدا

وبالعودة إلى تقرير الأمم المتحدة، فإن “العراق يتخذ خطوات للتحول نحو اقتصاد أكثر خضرة، منها تعزيز الاستثمار في الغاز الطبيعي، وتخصيص 12 جيجا واط من الطاقة المتجددة. وأن حكومة العراق، ومن خلال دعم من برنامج الأمم المتحدة الانمائي، قامت بانهاء تقرير المساهمات المحددة وطنيا (NDC) الذي يتناول ويعالج التخفيف من تأثيرات تغير المناخ وسبل التكيف معها”، وذلك بعد انعقاد مؤتمر الاطراف السادس والعشرين (COP26 K) وتعزيز العراق لالتزامه بالحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري. كما يمكن اعتبار هذه الخطوات ايجابية لكن الدعم العالمي ما زال مطلوبا مع التحذير من أن موسم المحاصيل القادم لعام 2021 - 2022 سيواجه جفافا في معظم انحاء المنطقة وأكثر من السابق”. 

وحذر التقرير من أن “الفتك بالأسر وبسبل كسب العيش وخسارة الماشية والمحاصيل بسبب ندرة المياه، أصبح حقيقة واقعة لتلك المجتمعات المحلية الأكثر تضررا من تغير المناخ، وانخفاض معدل هطول الأمطار، مما يؤثر أيضا على مربي الماشية بسبب انخفاض مناطق الرعي ومحاصيل العلف”. 

وقدم التقرير نموذجين عن الأزمة هما محافظتا نينوى وصلاح الدين الشماليتان، وهما “من المناطق الأكثر تضررا من نقص معدل الأمطار، وأن تحليل برنامج الأغذية العالمي يحدد بان معدلات الاستهلاك الغذائي غير كافية واستخدام استراتيجيات تكيف سلبية بين الأسر مثل اقتراض المال أو تناول كمية طعام أقل، تقارب ضعف متوسط المعدل الوطني. علما أن المحافظتين تضمان 2.5  مليون شخص عادوا إلى ديارهم بعد سنوات من النزوح، ويشكلون أكثر من نصف إجمالي عدد العائدين في العراق، فيما تواصل المدن الجنوبية معاناتنا مع الأمن الاقتصادي والحوكمة وقد لا تستوعب أعداد المهاجرين من المزارعين وأهالي الأرياف صوبها”.

أما بخصوص تأثير التغير المناخي على الجانب الاجتماعي، فيؤكد التقرير أن “فقدان سبل كسب العيش يؤدي إلى زيادة زواج الأطفال وحمل المراهقات، ونزاعات بين المجتمعات المحلية، ووفقا لمؤشر المخاطر المناخية على الأطفال لمنظمة اليونيسيف، فان الأطفال والشباب معرضون لمخاطر مناخية من متوسطة إلى عالية في العراق، مع وجود فئات تعاني الهشاشة ومناطق معينة من البلد معرضة لمخاطر أكبر”، مضيفا أن “الوقت قد حان ليقوم المجتمع الدولي بدعم العراق في تسخير إمكاناته للنمو المستدام، ودفع التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومعالجة أزمة المناخ”. 

كيفية الحلول 

من جانبه، يقول حمزة رمضان، مدير مركز استراتيجيات المياه والطاقة: إن الوفرة المائية هي أول خطوة في مشاريع مكافحة التصحر والجفاف وتداعيات تغيرات المناخ، في حين أن العراق يعاني من شح حاد في المياه، بلغ مستويات خطرة.

ويرى رمضان أنه “من دون ضمان حصص مائية عادلة للعراق من مياه نهري دجلة والفرات، فلا يمكنه مكافحة التغير المناخي، كما أن العراق نتيجة لسياسات تركيا وإيران التي أدت إلى شح المياه، اضطر إلى تقليص المساحات الزراعية للنصف”، مضيفا “نرى أن وزارتي الموارد المائية والزراعة تتفقان على تقليص الرقعة الزراعية للنصف وإخراج كامل محافظة ديالى من الخطة الزراعية الشتوية، وهذا ما يواكب ادعاءات إيران مثلا بأن العراق لا يحتاج للمياه لري أراضيه”.

وبحسب قول الخبير، فإن “الوضع المائي كارثي؛ إذ تواجه البلاد عجزا مائيا يصل إلى نحو 11 مليار متر مكعب من المياه سنويا، وذلك بسبب تراجع مناسيب نهري دجلة والفرات”. 

ومع الزيادة الديموغرافية حيث يتوقع أن يصل عدد سكان العراق إلى 80 مليونا بحلول عام 2050 يقول رمضان: “لا نرى اي خطط تنموية مستدامة تواكب وتستبق هذه الزيادة السكانية الهائلة. ومع التقدم التكنولوجي الذي لا يتوقف حول العالم، سيتم طبعا إيجاد بدائل كثيرة للنفط ما يقلل الطلب العالمي عليه، وهو الذي تعتمد عليه ميزانية العراق بشكل شبه كلي فهي ميزانية ريعية، تعتمد على النفط دون أي اعتبار للزراعة والصناعة وغيرهما من مضامير الانتاج الحيوية والمتجددة، مردفا أن “التصحر يجتاح نصف العراق تقريبا حيث يغطي حاليا نحو 40 في المائة من مساحة البلاد ورقعة التصحر تتسع سنويا بسبب قلة الأمطار وشح مياه الري ما يسبب تدهور الترب الزراعية وزيادة الملوحة فيها، ولهذا فالواقع على الأرض كارثي تماما، ومعالجة وتدارك هذه الأزمة أو بالأحرى الكارثة مهمة صعبة للغاية”.

ووفقا لرأي الخبراء، فإن ظاهرة التغير المناخي هي أحد أهم التحديات الرئيسية التي تواجه العالم بأسره وليس العراق فقط، وتتبين من خلال تبدلات طويلة الأمد وغير مسبوقة في درجات الحرارة والطقس على الأرض، مما يتطلب أخذ الموضوع ببالغ الجدية والاهتمام.

ويؤكد العديد منهم أن أبرز تداعيات التغير المناخي تشمل قلة التساقط المطري الذي له تأثير مباشر على ارتفاع وتيرة الجفاف وظاهرة التصحر التي غزت مناطق واسعة على مستوى العراق ومنطقة الشرق الأوسط عموما، والتي بلا شك لها تأثير بالغ السلبية والخطر على معيشة وصحة الإنسان عبر ما يترتب عليها من قلة في الموارد وهدرها، وبالتالي تفاقم المجاعة ونقص إمدادات الغذاء والمياه. لذلك، ما يتطلب من العراق ومن مختلف البلدان خاصة المتضررة أكثر من غيرها بظواهر تبدل المناخ النظر بجدية للأزمة الوجودية هذه، وتشكيل فرق متخصصة لدراسة الواقع وبيان آليات وسبل المعالجة والتصدي التي من الممكن اعتمادها، والتي من المفترض أن تكون مواكبة لأحدث التقنيات العالمية وخاصة بدائل الطاقة النظيفة والمتجددة.