اخر الاخبار

شعار تبنته الأمم المتحدة في اليوم العالمي لمكافحة الفساد لعام 2021 من اجل تسليط الضوء على حقوق الجميع ومسؤولياتهم في التصدي للفساد، بمن فيهم الدول والمسؤولون الحكوميون والموظفون المدنيون وموظفو إنفاذ القانون وممثلو وسائل الإعلام والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والجمهور والشباب.

في يوم 9 كانون الأول عينت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوما دوليا لمكافحة الفساد، لزيادة الوعي بالفساد وبيان دور الاتفاقية الدولية الخاصة لمكافحة الفساد ومنعه والتي دخلت حيز النفاذ كانون الأول 2005.

فالحكومات والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية ووسائط الإعلام والمواطنون في جميع أنحاء العالم يتضافرون على مكافحة هذه الجريمة، نقلا من موقع الامم المتحدة الإلكتروني.  

 

تعريف الفساد 

وعّرف مشروع اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد بانه «القيام بأعمال تمثل اداء غير سليم للواجب او اساءة استخدام لموقع او سلطة بما في ذلك افعال الاغفال توقعاً لمزية او سعياً للحصول على مزية يوعد بها او تعرض او تطلب بشكل مباشر او غير مباشر.

فيما تعرف منظمة الشفافية الدولية الفساد بأنه ‹›استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة››، أما البنك الدولي فيعرفه بأنه ‹›إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص››.

 

مظاهر الفساد 

وتتعدد مظاهر الفساد، منها الفساد الاداري والسياسي والمالي. ومن أشكال الفساد الاداري هو الفساد الوظيفي التنظيمي الذي يتمثل بالانتهاكات التي يرتكبها الموظف العام أثناء تأديته لمهام وظيفته، والتي تضر بالعمل وانتظامه. او قد يكون مظهره أخلاقيا يتعلق بمسلك الموظف الشخصي وتصرفاته في العمل.

ويتمثل الفساد المالي في انتهاك القوانين والانظمة المالية التي تحكم سير النشاط الاداري والمالي في الدولة ومؤسساتها، عبر استغلال الوظيفة العامة لتحقيق المصالح الشخصية وتبديد المال العام، واستغلال المنصب العام بان يلجأ أصحاب المناصب الرفيعة والعليا في اغلب البلدان النامية إلى استغلال مناصبهم لتحقيق مكاسب مادية وهؤلاء يتحولون مع مرور الوقت إلى رجال أعمال أو شركاء تجاريين إلى جانب وظائفهم الحكومية.

ويعزى انتشار الفساد الى جملة اسباب منها النظام السياسي الحاكم للبلاد والفوضى وعدم استقرار البلد وغياب أنظمة الرقابة بأنواعها وضعف او غياب التشريعات والقوانين الكفيلة بالحد من ظاهرة الفساد وانخفاض مستوى الرواتب والاجور فـي القطـاع العـام والخاص وارتفـاع مسـتوى المعيشـة.

 

العراق يتذيل القائمة 

وتشير تقارير منظمة الشفافية الدولية إلى أن العراق كان خلال السنوات الأخيرة وباستمرار، واحداً من أكثر دول العالم فساداً. وتقول منظمة النزاهة (G.A.N) الأميركية في تقرير لها إن الحكومة العراقية تواجه مجموعة عقبات جدية تُبقيها ضعيفة، والفساد واحد من هذه العقبات.

 ويشير التقرير إلى أن القانون يَعدّ سوء استغلال السلطة والرشوة والحصول على أملاك عن طريق استخدام التهديد جرائم. وتستدرك المنظمة الأميركية أن «الحكومة لم تتمكن من تطبيق القوانين لمواجهة الفساد بصورة فعالة ويمارس المسؤولون الفساد بدون أن يتعرضوا للمحاسبة».

 وتقول المنظمة الأميركية التي لديها موقع خاص بتدقيق البيانات، وعملت على الفساد في العراق، في تقريرها: إن «الرشوة والعطايا من أجل تسيير الأعمال في العراق متفشيان جداً، بالرغم من حقيقة كونهما غير قانونيين».

 

ترتيب العراق دولياً

يشار ان منظمة الشفافية الدولية التي تتخذ من برلين بألمانيا مقراً لها، هي منظمة مجتمع مدني عالمية غير حكومية تقود مكافحة الفساد منذ إنشائها عام 1995، وتصدر منظمة الشفافية تقرير مؤشر مدركات الفساد سنويا، وهو تقييم يبدأ من صفر (الأكثر فساداً) إلى 100 (الأكثر نزاهة) ويصنف الدول من الأكثر إلى الأقل. ويستند التقرير على بيانات تجمعها المنظمة من 12 هيئة دولية منها البنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي.

المراتب التي احتلها العراق على قائمة الدول الفاسدة:

2003: المرتبة 113 ضمن قائمة من 180 دولة

2016: المرتبة 166 ضمن قائمة من 180 دولة

2017: المرتبة 169 ضمن قائمة من 180 دولة 

2018: المرتبة 168 ضمن قائمة من 180 دولة

2019: المرتبة 162 ضمن قائمة من 180 دولة

2020: المرتبة 160 ضمن قائمة من 180 دولة

 

أرقام وإحصاءات عن الفساد  

وأثّر الفساد على مختلف القطاعات في البلد وأدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وتقليص المجالات التي توفر فرص العمل، فقد أشارت موازنة العام 2014 إلى أنه تم إنفاق 190 مليار دولار على ستة آلاف مشروع غير مكتمل أو متوقف أو وهمي.

 وفي هذا الإطار كان حجم الهدر منذ العام 2003 يقدر بنحو 300 مليار دولار.

 في القطاع الصناعي، هناك خمسون ألف مشروع صناعي في القطاع الخاص، 85 في المائة منها متوقف. هذا إضافة إلى وجود 250 مصنعاً تابعاً لوزارة الصناعة متوقفاً أو ذا إنتاج ضئيل جداً.

 وتذكر البيانات والإحصائيات التي تم الحصول عليها أن حجم الفساد منذ العام 2003 قد تجاوز 400 مليار دولار. يأتي هذا في وقت تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة الفقر في العراق ارتفعت إلى 31 في المائة وهناك فقر مشهود في المناطق الجنوبية من البلد

وبحسب إحصائية 2017 الصادرة عن اللجنة المالية النيابية فإن الخزينة الرسمية تتكبد خسائر فادحة تفوق ما يهرب منها خارج الحدود، وخصوصا أن العراق يخسر 263 دولارا في الثانية الواحدة بسبب فساد القائمين على المنافذ الجمركية.

ووفقا لإحصاءات هيئة النزاهة عام 2017، فقد صدرت أوامر استقدام في حق 32 وزيرا أو بدرجة وزير، سُجلت بحقهم 44 دعوى قضائية، بعض منهم خارج العراق ويحملون جنسيات لدول أوروبية وأميركية، وتم تسلم أول وزير سابق وهو عبد الفلاح السوداني، الذي اتهم بملفات فساد خلال توليه منصب وزير التجارة بعد إلقاء القبض عليه في مطار بيروت بإشراف الإنتربول.

وأشارت إحصاءات هيئة النزاهة إلى أن عدد بلاغات الفساد خلال عام 2017 بلغ 17222، نسبة المُنجز منها 64 في المئة والمتبقي قيد التحقيق.

أما أوامر الاستقدام الصادرة بحق متهمين، فوصلت إلى 5671، نسبة المُنجز منها 78 في المئة. فيما بلغت أوامر القبض الإجمالية 3100، نفذ منها 619 فقط أي بنسبة 46 في المائة. والسبب يعود إلى أن غالبية مَن صدرت بحقهم أوامر قبض هم الآن خارج العراق، ويحملون جنسيات ثانية وتحميهم تلك الدول.

 

قصص الفساد 

في العام 2007 استورد العراق نحو 6000 جهاز كشف عن المتفجرات، كانت قيمة الصفقة 200 مليون دولار. بعد سنوات نشر الإعلام الأمريكي تقريراً ذكر فيه أن هذه الأجهزة مزورة، ولا تكشف عن المتفجرات. في العام 2010 منعت بريطانيا تصدير تلك الأجهزة وألقت القبض على مدير الشركة المصنعة لتلك الأجهزة.

 في أيار 2008 ابتاع العراق ست طائرات مدنية من كندا، وتم شراء الواحدة منها بـ38 مليون دولار، كانت سعة الطائرة الواحدة 76 راكباً. بعد ذلك تبين أن العراق دفع سعراً أعلى من السعر الحقيقي لتلك الطائرات بكثير.

في شهر أيار 2015، أعلن عضو لجنة النزاهة في مجلس النواب العراقي، أردلان نوري، أن خضير الخزاعي الذي كان وزير التربية سنة 2008 ، أسند مشروع إنشاء 200 مدرسة حديدية إلى شركة إيرانية بكلفة 280 ملیار دینار، وأن الشركة حصلت على المبلغ على شكل سلف تبلغ الواحدة منها 50 ملیار دینار لكن المشروع لم ينفذ.

 في شهر أيلول 2014، أعلن رئيس الوزراء آنذاك، حيدر العبادي، عن وجود خمسين ألف موظف وجندي «فضائي» في وزارة الدفاع وحدها، ويتم قبض رواتبهم.

  في شهر آب من العام 2015، أعلن عادل عبدالمهدي الذي كان حينها وزير النفط، أن الموازنة العراقية منذ 2003 ولغاية 2015 بلغت 850 ملیار دولار وأن الفساد في العراق أهدر 450 ملیار دولار. كما قال إن استغلال المناصب من جانب المسؤولين لمصالح خاصة كلف الدولة 25 ملیار دولار.

 في كانون الأول 2016، أعلن عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب العراقي، برهان المعموري، خلال مؤتمر صحفي شاركه فيه عدد من أعضاء اللجنة، أن البنك المركزي العراقي باع نحو 312 ملیار دولار في مزاد العملة وأن 80 في المائة من هذا المبلغ ذهب إلى خارج العراق.

 وبين، ان «مجموع مبالغ العقود التي أبرمها العراق لشراء أسلحة حتى 2016 بلغ 150 مليار دولار. لكن هناك شبهات فساد كثيرة تحوم حول تلك الصفقات، لهذا بدأ مجلس النواب العراقي التحقيق فيها، لكن نتائج التحقيق لم تظهر».

 

فساد مستشر

في العام 2016، نشر تقرير باسم «أكبر فضيحة رشوة في العالم»، في العقود النفطية في العراق.

 وأشار التقرير إلى أن مجموعة مسؤولين في العراق، بينهم نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة ووزير النفط الأسبق، تقاضوا رشاوى من شركة (أونا أويل) بلغت 25 مليون دولار.

 بعدها أعلن رئيس لجنة النزاهة في مجلس النواب، طلال الزوبعي، أن أحد المسؤولين المتورطين في تلك الفضيحة يمتلك 600 مليون دولار في دولة مجاورة.

 في 25 أكتوبر 2017 أعلن عضو لجنة النزاهة في مجلس النواب، أردلان نوري، أن حجم تهريب النفط والمنتجات النفطية خلال خمس سنوات بلغ 90 ملیار دولار.

في تشرين الثاني 2018، أعلنت هيئة النزاهة أن المبالغ المخصصة ضمن الموازنة الاستثمارية لوزارة الكهرباء والتي أنفقت بين العامين 2006 و2017 على قطاع الكهرباء هي 29 مليار دولار، في حين أنها أدت إلى إنتاج نصف الطاقة الكهربائية المخطط لها، حيث بلغ الإنتاج 16010 ميغاواط، بينما كانت الخطة تقضي بإنتاج 33595 ميغاواط.

 في كانون الأول 2018، شكل مجلس النواب لجنة للتحقيق في عقود شراء الأسلحة التي أبرمها العراق مع دول أخرى. التحقيق أجرته لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب. وأعلن عضو اللجنة آنذاك، عباس ثروت، أن التحقيق يشمل كل عقود شراء الأسلحة منذ 2003 وحتى نهاية حرب داعش.

 في 13 أيلول 2018، استدعي محافظ البنك المركزي علي العلاق، إلى مجلس النواب للتحقيق بشأن تلف سبعة مليارات دينار. وقال العلاق إن تلف هذا المبلغ كان بسبب خلل في خزنة بنك الرافدين وتسرب مياه الأمطار إليها.

عام 2021 أعلنت هيئة النزاهة عن إصدارها 58 أمر قبض واستقدام بحق وزير ونائبين ودرجات خاصة. 

وقالت دائرة التحقيقات في «الهيئة»، في بيان صحفي، إن هناك «58 أمر قبض واستقدام مسؤولين خلال شهر (آذار) الماضي»، موضحة أن «تلك الأوامر شملت عضوين في مجلس النواب حالياً وسابقاً، ووزيراً أسبق، ووكيل وزارة سابقاً». وأضافت أن «أوامر القبض والاستقدام شملت محافظاً حالياً وآخر سابقاً، فضلاً عن (25) مديراً عاماً؛ منهم حاليون وسابقون، وقائمقامان اثنان»، لافتة إلى «شمول (22) عضواً من أعضاء مجالس المحافظات بتلك الأوامر».

فيما قالت لجنة النزاهة النيابية في البرلمان، إن حجم الأموال المهربة خارج البلاد تقدر بنحو 350 ترليون دينار أي ما يعادل نحو 240 مليار دولار أميركي

ولفت عضو اللجنة طه الدفاعي الى «تهريب بحدود ٣٥٠ ترليون دينار خارج العراق خلال الاعوام الماضية، وجميعها خلال ايصالات وهمية».

وأكد أن «أغلب الأموال هربت بهذا الاتجاه خارج العراق بكثير من هذه العمولات التي كان يحصل عليها بعض المسؤولين».

 

جزء من مخرجات النظام 

ويقول الناشط في مجال مكافحة الفساد، سعيد ياسين، لـ»طريق الشعب»، ان «الفساد في العراق هو منتج من منتجات النظام السياسي، بسبب غياب المساءلة والمراقبة مع استخدام النفوذ السياسي والاستحواذ على منافع عامة واستثمارها»، مشيرا الى أن «مكافحة الفساد تتطلب اولا العمل على تعزيز النزاهة، وهذا يتطلب اتخاذ اجراءات وقائية وهي معروفة وفقاً لاتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، تعزيز النزاهة هم العمود الاساسي في مجال مكافحة الفساد». 

ويؤكد ياسين، ان «الرقابة الاستباقية التي تتمثل في مكاتب المفتشين العموميين الغيت وهذا مؤشر سلبي في مدركات الفساد، كان المفروض ان يتم اصلاح المكاتب لا الغائها»، منوها الى ان «بيئة التشريعات في العراق غير ذات جودة فضلاً عن حاجتنا الى اعادة تشريع القوانين التي من شأنها ردع الفساد وتفعيل منظومة عقابية رادعة بالاضافة الى ان قانون العقوبات وقانون اصول المحاكمات الجزائية، بحاجة الى تعديلات». 

ويشير الناشط الى ان «هناك مشكلة في ادارة المؤسسات من حيث المهنية والكفاءة والنزاهة بالاضافة الى تخلف قوانين هذه المؤسسات التي تساعد وتولد الفساد، مثلاً أن العراق بحاجة الى قانون ادارة العقود والمشتريات اليومية، وخلق نظام متابعة للمشاريع المتعاقد عليها، وتبسيط الاجراءات في المؤسسات العامة». 

ويتساءل الخبير ان «ديوان الرقابة المالية فيه فقرة تقويم الاداء، ما يعني انه يقع على عاتقها التدقيق ومطابقة الاموال المصروفة واصدار الحسابات الختامية، بعد ذلك تصدر فقرة اخرى منها تقويم وتقديم الاداء، ولكن تقويم الاداء احيل الى مكاتب المفتشين التي اصبحت غير موجودة، فالسؤال هنا كيف يتم تقويم الاداء؟».