اخر الاخبار

قبل تحوّل الحكومة الحالية الى تصريف الأعمال، كانت قد أصدرت في وقت سابق تقريرا بشأن ما أنجزته في منهاجها الوزاري، وقد أشرّت فيه منجزاتها في ملف المنافذ الحدودية، الذي يعد واحدا من الجدليات، التي لم تحسم، إذ ما زال يثار الكثير من الشكوك واللغط حوله. 

وبرغم ما أعلنته الحكومة من خطوات “إصلاحية” في المنافذ الحدودية، تعتقد أطراف معنية بمكافحة الفساد، أن تلك الإجراءات لم تكن تصيب الرؤوس الكبيرة، التي تدير عملية التهريب في المنافذ، انما اقتصر الأمر على علاجات ليست جذرية.

إمبراطورية الفساد

ويبين مختصون عمليات التهريب تجري بالتنسيق بين أطراف مستفيدة من الفساد، ولها نفوذ ومواقع قوة داخل المنافذ؛ حيث أن هذا الأمر يتطلب وجود أطراف تفهم في العمل الإداري وتتبع خيوط الفساد إلى أن تمسك أطرافه، والى جانب ذلك يشددون على ضرورة اعتماد جهود تقنية وتكنولوجية كبقية بلدان العالم.

وبحسب رئيس هيئة النزاهة الأسبق، موسى فرج، فان الفساد في العراق تحول إلى إمبراطورية، ولا يوجد رادع حقيقي لمواجهة الفاسدين الكبار.

ويقول فرج لـ”طريق الشعب”، ان “ما يجري في المنافذ الحدودية من فساد، هو أمر هائل ولم تقم الحكومات بتقصيه وضرب رؤوسه الكبيرة التي تديره، وإنما الاكتفاء بالحيتان الصغيرة. لذلك أرى أن الجهود التي تصب في هذه الاتجاه لا تزال غير مؤثرة، وتستثني الذين يديرون كل عمليات التهريب والسرقة”.

عمليات تهريب واسعة

وتنشط عمليات التهريب على طول الحدود البرية والبحرية للعراق، ما يستنزف ثروات البلد الغارق في الفساد، حيث كشف أحد الإحصاءات الرسمية عن أن الأموال العراقية المهرّبة منذ العام 2003 بلغت نحو 350 مليار دولار، أي ما يعدل 32 في المائة من إيرادات العراق خلال 18 عاما.

ومن ضمن ما يؤكده نواب ومختصون، تقوم مافيات متشابكة ومعقّدة بعمليات تهرّب كمركي يحوّل من خلالها الملايين من الدولارات التي يفترض أن تدخل خزائن الحكومة، إلى جيوب أحزاب وجماعات مسلحة ومسؤولين، في بلد يحتل مرتبة متقدمة جدا في سلم الفساد الدولي، والغارق في البيروقراطية المملة والفساد المزمن بحسب أرقام منظمة الشفافيّة الدولية.

وفي اقتصاد يقوم أساسا على النفط، وفي ظل ضعف كبير في القطاعين الزراعي والصناعي وغياب أي إمكانية للحصول على عائدات منهما، تشكّل رسوم الجمارك المصدر الأهمّ للعائدات. لكن الحكومة العراقية لا تتحكم بهذه الموارد التي تتوزّع على أحزاب ومجموعات مسلحة، تتقاسم السطوة على المنافذ الحدودية، وتختلس عبرها ما أمكن من الأموال.

وتعلن الحكومة وهيئة المنافذ بين فترة وأخرى عن إجراءات جديدة، فضلا عن ضبط عصابات أو أشخاص يقومون بالتهريب، لكنها بنظر الكثير ليست إستراتيجية واضحة المعالم. وحتى وقت قريب مضى، أعلنت هيئة المنافذ الحدودية عن اعتمادها نظام التدقيق الإلكتروني، فيما أشارت إلى ارتفاع إيراداتها خلال العام الحالي.

وقال رئيس هيئة المنافذ الحدودية عمر الوائلي إن “الهيئة بموجب القانون شرعت باستخدام التدقيق الإلكتروني وتغيير الملاكات العاملة وزيادة عمليات التفتيش والتحري وجمع المعلومات”. 

وأضاف أنه “خلال العام الحالي ارتفعت إيرادات المنافذ بقيمة 61 مليار دينار عن المدة نفسها للعام الماضي”.

ويستورد العراق غالبية بضائعه، من إيران وتركيا والصين.

إلى متى؟

ويقول أحد التجار العراقيين الذي رفض الكشف عن أسمه أن “الاستيراد بالطريقة القانونية والسليمة ينتهي غالبا بدفع مبالغ مالية طائلة كغرامة تأخير. وهو أمر مصمم للجوء إلى الفساد والرشاوى، وهذا ما كان يحدث طيلة السنوات الماضية”.

ويؤكد أن غالبية نقاط الدخول تسيطر عليها بشكل غير رسمي جهات مسلحة أو أخرى تابعة لأطراف متنفذة في السلطة، وهي جميعها لا تبتعد عن المكاتب الاقتصادية للأحزاب المتورطة بالفساد.

وفي تصريح صحافي، يعرب وزير المالية في حكومة تصريف الاعمال، علي عبد الامير علاوي عن أسفه قائلا: “يتراوح سعر أصغر وظيفة في الجمارك بين 50 ألف دولار ومائة ألف دولار، وفي بعض الأحيان ترتفع إلى أضعاف ذلك”.

ويؤكد المراقبون، أن الأطراف الفاسدة تستخدم نفوذها السياسي للاحتفاظ بمواقعها هذه التي تسمح لها بتكديس الأموال، ولا تتوانى عن التهديد باستخدام العنف. الوزير علاوي أكد أنه “يجب أن يحصل البلد على سبعة مليارات دولار من الجمارك سنويا، لكن في الواقع، تصل عشرة إلى 12 في المائة فقط من موارد الجمارك إلى وزارة المالية”.

ومنذ الأسابيع الأولى لتوليه رئاسة الوزراء في أيار 2020، جعل مصطفى الكاظمي من إصلاح المعابر الحدودية أولوية قصوى. فمع الانخفاض الشديد لأسعار النفط، بات العراق بأمس الحاجة إلى عائدات إضافية.

وفي رحلات حظيت بتغطية إعلامية واسعة إلى أم قصر ومندلي، تعهد الكاظمي بإرسال قوات جديدة إلى كل منفذ حدودي وتطبيق المداورة في وظائف الجمارك بانتظام لتفكيك دوائر الفساد.

على الورق، يفترض أن يكون ذلك مجديا. وبشكل شبه يومي، تفيد هيئة المنافذ الحدودية بأنه تمت عمليات ضبط بضائع كانت هناك محاولات لتهريبها دون دفع رسوم. لكن الوقائع والتأكيدات تشير الى أن الفساد غيّر سلوكياته، وتأقلم مع الوضع الجديد. لأن قضية ضبط المنافذ الحدودية تتطلب إرادة سياسية وصياغة تفاهمات مع القوى الرئيسية في البرلمان، حيث أن الكثير منها لا يمنح أي حكومة تفويضاً لأنها مستفيدة من المنافذ. وأن ما يجري في العراق جزء من التسويات الجارية في المنطقة، وبالتالي لن يكون القرار عراقياً بما يخص تلك القضايا بل خاضع للتسويات الإقليمية والدولية في ظل المحاصصة والفساد.