اخر الاخبار

أثار رضوخ وزارة المالية لضغوط ومطالبات صندوق النقد الدولي بإعادة هيكلة المصارف الحكومية العراقية، من خلال قرارها الأخير إعادة هيكلة مصرف الرافدين، الذي اثار جملة من الانتقادات، وسط مخاوف من تحويل المصرف الى القطاع الخاص وجعله اشبه بالمصارف الاهلية التي اعتاشت لسنوات على فساد مزاد بيع العملة.

إيضاح من المالية

وكشفت وزارة المالية، مؤخرا، تفاصيل قرار إعادة هيكلة مصرف الرافدين تطبيقاً لما جاء في البرنامج الإصلاحي للحكومة.

وذكرت الوزارة، في بيان طالعته “طريق الشعب”، أنها أقرت حزمة من الإجراءات الإصلاحية المتعلقة بإعادة هيكلة مصرف الرافدين وفقاً لمتبنيات الورقة البيضاء.

وأضافت، أن حزمة الإصلاحات تتألف من محاور عديدة منها: تهيئة نظام داخلي جديد للمصرف يمتثل إلى دليل الحوكمة الصادر عن البنك المركزي العراقي تكون فيه إدارة المجلس مستقلة عن إدارة المصرف وتعضيد استقلالية عمله، ودعم جهود اتمام تطبيق النظام المصرفي الشامل، إضافة إلى تعزيز علاقة المصرف مع مقدمي الخدمات المصرفية وتنظيمها.

وتابعت الوزارة، أن حزمة الإجراءات شملت كذلك إعادة النظر بسياسات وإجراءات المصرف وجعلها أكثر مواكبة لتطورات النظام المصرفي الحديث بما يكفل تقديم أفضل الخدمات وأجودها عبر اعتماد نظام تقني لتسهيل العمليات المصرفية والقيام بالأنشطة المصرفية ذات الجدوى الاقتصادية في القطاعات المختلفة وبما يخدم النشاط الاقتصادي ويضمن حقوق المودعين وأصحاب المصالح.

وأكدت، أنها تدعم امكانية نقل بيانات عملاء المصرف الموطنة رواتبهم لدى المصرف وممن تقاضوا السلف والقروض من الجهة المقدمة للخدمات إلى النظام المصرفي الشامل.

وبما يتعلق بالموارد البشرية، بينت الوزارة، أنه جرى التأكيد وفق الحزمة الإصلاحية على ضرورة التعاقد مع ذوي الخبرة والاختصاص في القطاع المصرفي والمالي لتعزيز جانب الخبرات الهادفة إلى رفع مستوى الخدمات المصرفية ذات الجودة العالية، وانسجاماً مع الأداء المتطور للقطاع المصرفي على مستوى العالم.

ولفتت إلى أن إجراءات الهيكلة تأتي في إطار الإصلاحات المصممة لجعل القطاع المصرفي الحكومي متوافقًا مع معايير حوكمة البنك المركزي العراقي.

جملة من المخالفات

من جانبه، أشر عضو مجلس النواب السابق عمار طعمة في بيان تلقت “طريق الشعب”، نسخة منه، جملة من المخالفات جاء فيها: ان “خصخصة المصارف الحكومية وإخضاعها لمبدأ الشراكة مع القطاع الخاص في الملكية يتعارض مع المادة (٢٩) من قانون الاستثمار لسنة ٢٠٠٦ الذي منع أنشطة الخصخصة في مجالات استخراج النفط والغاز وقطاع المصارف الحكومية”، مشيرا الى ان “نقل ملكية هذا المصرف الذي يمثل سيادة الدولة المالية من الدولة الى القطاع الخاص او إشراكه بملكيته ينتزع حقا سياديا حصريا للدولة وينقله لتجار ورجال اعمال وهو توجه خطير يهدد بنية الدولة الاقتصادية”.

وأضاف ان “المبررات المطروحة لهذا المشروع من قبيل خسائر المصرف من الديون الخارجية التي بذمته، وخسائر تعديل سعر الصرف وخسائر الحرب ونهب فروعه كلها نشأت من سياسة الدولة او ظروف لم يكن للمصرف كمؤسسة حكومية خيار او إرادة في وقوعها وترتب اثارها، والصحيح ان تتم مراجعة سياسة الدولة في المجال المذكور وليس الذهاب لقرار فيه تضييع وتفريط لأقدم مؤسسة وطنية مصرفية ومالية”، مؤكدا ان “هذا القرار الخاطئ سينقل هيمنة الدولة على اكثر من (٨٠٪) من موجودات السوق العراقية المصرفية الى سيطرة وتحكم شخصيات او جهات سياسية متنفذة من خلال دخولها في عملية التحول نحو الخصخصة والشراكة في ملكية المصرف! وهو ما يشمل السيطرة على أموال الدولة السيادية وودائع وزارات الدولة ومؤسساتها الحكومية”.

وكشف طعمة، ان “احد مقترحات مايسمى بهيكلة مصرف الرافدين يتضمن بيع اسهم المصرف وإنشاء ملكية مشتركة مع التجار والمستثمرين، ووفقا للظروف التي تسود البلاد فان نفس الجهات المتحكمة بالمشهد السياسي والمستحوذة على المال العام ستعود وبمال الدولة العام المسروق لشراء الاسهم وتتملك هذه المؤسسة الحيوية السيادية!”، محذرا من “تسريح كثير من كوادر وموظفي المصرف وفروعه، اذ ان قرارات مجلس ادارة المصرف سيشارك في صياغتها الشركاء في ملكية المصرف من التجار والمستثمرين وهم يبحثون عن تقليل الكلفة الإنتاجية بطبيعة الحال لغرض زيادة مردوداتهم وأرباحهم”.

مخاوف عديدة

وتابع ان “المخاوف الشديدة من هذا القرار تتعلق بانشاء شركة مختلطة للمصرف الجديد بمشاركة مصارف أهلية شاهد وتابع العراقيون دورهم السلبي في مزاد العملة واستنزاف احتياطي البنك المركزي في أصعب الظروف الاقتصادية التي مرّت بالبلاد دون أية أنشطة تنموية إيجابية للاقتصاد الوطني”، مبينا ان “تجارب نفس الدول المعتمدة لمنهج الاقتصاد الحر لجأت الى خيارات معاكسة لما طرحته وزارة المالية العراقية إذ أن بريطانيا عملت على إنشاء مصرف حكومي بعد الأزمة المالية ٢٠٠٧ - ٢٠٠٨، تعود ملكيته للدولة”.

وبيّن ان “الهدف من المشروع الحوكمة وفصل الجهة المالكة عن الجهة التي تتولى الإدارة، وهذا الإجراء ممكن اتخاذه مع الحفاظ على بقاء ملكية المصرف للدولة ومنح الإدارة مرونة في الصلاحيات وليس الذهاب للخصخصة وإشراك المصارف الأهلية بتملك حصة من اسهم مصرف الرافدين، فلا ربط ولا تلازم  منطقي بين الفكرتين الاّ ان يكون ذلك مبررا تحت هذا العنوان لتمرير نهج الخصخصة الذي سيبتلع من خلاله المتنفذين والمستحوذون على المال العام لمؤسسات الدولة الاقتصادية السيادية”، مشيرا الى ان “المصارف الأهلية الخاصة ستحظى وفق مشروع الخصخصة هذا بتحصيل عائدات من إصدار النقد، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فأي إصدار تلجأ اليه الدولة لسد عجز الموازنة سيعود بالفائدة على هذه المصارف المشاركة لملكية مصرف الرافدين وهو ما قد يفتح الباب لتدخلات هذه المصارف وتأثيرها حتى في صياغة الموازنة العامة للدولة وتحميلها بإنفاق مبالغ فيه وفجوة عجز تزداد لكي تتم تغطيته من خلال إصدارات نقدية تستحصل هذه المصارف الشريكة (في الخصخصة) مزيدا من أموال الدولة وبما يحمل الدولة ديونا جديدة لصالح هؤلاء المتنفذين”.

تحذيرات جدية

من جهته، حذر الخبير الاقتصادي احمد خضير من تحويل مصرف الرافدين الى القطاع الخاص، مشيرا الى ان هذا الاجراء سيحول أموال الدولة ومواردها الى الجهات الفاسدة المسيطرة على المصارف الخاصة.

وقال خضير لـ”طريق الشعب”، ان “مصرفي الرافدين والرشيد مرتبطان بشكل وثيق بالدولة العراقية منذ زمن طويل، ويمكن تطوير عملهما من خلال انتهاج أساليب تقنية وتكنولوجيا تساهم في تطوير عمل المصرف”، محذرا من ان “تحويل هذه المصارف الى القطاع الخاص يعني تسليمها للأحزاب المتنفذة والشخصيات الفاسدة التي قامت على مدار سنوات باستغلال المصارف الاهلية لنهب ثروات البلاد”.

وأضاف خضير، ان “محاولات الدولة في رفع يدها من كل شيء وخضوعها لتعليمات صندوق النقد الدولي سيجلب الويلات للعراق، ومن الممكن الاستدلال بذلك على تبعات رفع سعر صرف الدينار وما خلفه من اثار سلبية على العراقيين”، مؤكدا ان “اغلب المصارف الخاصة بنيت من أموال الدولة وفي النهاية لا تقدم أية خدمات تذكر للمواطنين على عكس المصارف الحكومية”.

وتابع ان “مقترح فصل مجلس الإدارة وتشكيله من خارج المصرف اجراء يهدد الاسرار المصرفية ويعرض امن البلاد الاقتصادي للخطر، فضلا عن عدم إمكانية اختيار مجلس مهني ومستقل لادارته اسوة بباقي مفاصل الدولة”، مؤكدا ان “الوزارة كان عليها إعادة النظر في تقليص فروع المصرف وتطوير قدراته بدل تسليمه على طبق من ذهب للمتنفذين، ما يمكن ان يحول المصرف الى ايدي تعبث بأمن العراق، خاصة في ظل الظروف الإقليمية المتوترة، وما تعانيه بعض دول الجوار من انهيار في الاقتصاد نتيجة للعقوبات الدولية”.

اجراء خاطئ

اما الخبير المالي جواد فاضل، فاعتبر القرار “خاطئا جملة وتفصيلا” من خلال اعتراضه على ورقة الحكومة البيضاء والتي وصفها بـ”الكارثية” على الاقتصاد العراقي.

وذكر فاضل لـ”طريق الشعب”، ان “اصلاح المصارف الحكومية يتم من خلال اعتماد التكنولوجيا الحديثة وتغيير التعليمات المصرفية وتقليل البيروقراطية وحذف الحلقات الزائدة وتفعيل النظام الشامل، وتقليل عدد الفروع وفتح فروع جديدة في دول يكون التبادل التجاري معها بشكل مستمر”، مبينا ان “تغيير مجلس إدارة المصرف وفصله عن المدير العام للمصرف إجراء غير صحيح لمؤسسة حكومية عريقة مثل الرافدين”.

وأضاف ان “الحديث عن زيادة رأس مال المصرف وتشجيع المواطنين على وضع الأموال في المصارف، لا يكون بهذه الطريقة، كون القطاع المصرفي في العراق لا يحظى بثقة المواطنين، وان هذا الاجراء سيشجع العراقيين على سحب عوائدهم المالية من المصرف والبالغة 23 مليار دولار كون اغلب من اودع في هذا المصرف يعرف ان عاديته للدولة، ولذلك السبب يثق فيه المواطنون”، محذرا من أن عمليات سحب العوائد “ستعرض المصرف للانهيار حال فك ارتباطه عن الدولة”.

خطة قديمة 

واكد المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح ان خطة إعادة هيكلة المصارف؛ كانت موضوعة، منذ عام 2006، إلا أن مصاعب كبيرة واجهت عملية التغيير، بينها اعتماد الصيرفة الحديثة كأساس لعمل المصرف، ما يقتضي التعاطي بعدد أقل من العاملين وتكنولوجيا أكبر، الأمر الذي لاقى مقاومة سلبية داخلية من المصرف نفسه، مشيرا إلى ان “هناك ما يُسمى بإعادة الهيكلة المالية، وهذا يتطلب تخليص المصرف من إرث هائل من الخسائر تحمّلها عن ديون النظام السابق، التي يفترض أنها جرت تسويتها ضمن: اتفاق نادي باريس 2004، إضافة إلى خسائر الحروب”.

وأوضح صالح ان  الحرب الأخيرة على إرهاب (داعش) وتعرض الكثير من فروع المصرف إلى السلب والحرق يتطلب وضع رأسمال جديد، أو رافعة مالية أوسع تمتلك القدرة على امتصاص الخسائر، وتشكل في الوقت نفسه دعمًا في مواجهة مخاطر عمليات المصرف مثل الائتمانات الرديئة التي منحها المصرف في أزمنة مختلفة وباتت صعبة التحصيل وتحولت إلى خسارة”.

ويلفت إلى “وجود ضرورة للهيكلة القانونية، التي لا بد من منح مجلس إدارة المصرف القوة القانونية والاستقلالية الكافية من هيمنة وزارة المالية، التي أصبحت حتى حركة الملاك الوظيفي اليوم في المصرف، على سبيل المثال تتم من خلالها، وليس إدارة المصرف ما أضعف مجلس الإدارة وهذا يقتضي حوكمة أكبر بفصل الإدارة عن الملكية لضمان كفاءة ومرونة أنشطة المصرف لبلوغ غاياته وتطبيق سياساته المصرفية السليمة”.

وعلى صعيد الصيرفة الدولية، يقول إن “المصرف بحاجة إلى معايير عمل مصرفية أوسع في مجال الإمتثال والحوكمة والمحاسبة والرقابة، كي يرفع من مستوى التعاطي مع البنوك المراسلة الدولية ويستعيد عافيته في تمويل التجارة الخارجية للقطاع الخاص”، مشيرا إلى أن الإصلاح ليس بالأمر السهل وهو بحاجة إلى إرادة قوية.

يذُكر ان مصرف الرافدين تأسس بموجب القانون رقم (33) لسنة 1941 وباشر أعماله في 19/ 5/ 1941 برأس مال مدفوع قدره (50) خمسون الف دينار، ويبلغ عدد فروع المصرف حالياً (164) فرعاً داخل العراق، إضافة الى (7) فروع في الخارج وهي: القاهرة، بيروت، أبو ظبي، البحرين، صنعاء، عمان، جبل عمان.

عرض مقالات: