اخر الاخبار

يكتنف الاتفاقية الاخيرة التي وقعتها الحكومة مع لبنان، والتي اطلق عليها (النفط مقابل السلع والخدمات) “كثير من الغموض”، فلم تفصح بنودها عن مدة الاتفاق، الاطراف التي تتولى تنفيذها، الشروط التعويضية في حال الاخلال، وكذلك نوعية السلع التي ستقدمها بيروت الى بغداد مقابل النفط الاسود، بحسب خبراء نفطيين  مراقبين.

وقال الخبراء إن الاتفاقية لا يمكن إدراجها في إطار المنفعة المتبادلة، انما هي للمساعدة في انتشال اللبنانيين من واقعهم المزري.

وقانونيا، أشرّ مختصون كثيرا من النواقص التي لا ترقى معها الاتفاقية الى هذه التسمية، بل هي مذكرة تفاهم، مشددين على ضرورة إيجاد رقابة قانونية على تطبيق تلك الاتفاقيات، التي حصحص فيها الفساد في وقت لاحق.

ووفقا لوزارة النفط، إن الاتفاقية دبّر توقيعها رئيس الوزراء ووزير المالية، وان الحكومة ستصدر، بموجبها، نفطا أسود فائضا عن حاجة العراق الى بيروت.

اتفاق في خدمة لبنان

الخبير في الشأن النفطي حمزة الجواهري قال في حديث لـ”طريق الشعب”، ان الاتفاقية “يكتنفها الكثير من الغموض: لم تتطرق الى المدة الزمنية للاتفاق، ولا نوعية النفوط التي سيتم منحها للجانب اللبناني مقابل السلع والخدمات”.

ونبّه الجواهري الى ان سلعا أدرجها الاتفاق تصنع محليا، بينما يعمل العراق على استيرادها بشكل مستمر.

وبيّن المهندس والخبير النفطي، ان “القيمة المالية للنفط الذي سيتم منحه تعادل 370 مليون دولار، وهذا مبلغ غير قليل، ويمكن ان يكون كفيلا بالنهوض بالواقع الخدمي في البلاد، اذا ما استثمر بالشكل الصحيح”.

وبخصوص الأسباب التي تقف وراء عدم سعي العراق لتكرير النفط واستغلاله في توليد الطاقة الكهربائية، ذكر ان “هناك كميات غير قليلة من النفط الاسود يتم تكريره واستخدامه محليا، ومع ذلك هناك الكثير من المعوقات التي تحول دون التوسع في عمليات التكرير، منها ضعف الجانب الامني، ومعرقلات عمليات الاستثمار في البلاد”.

وخلص الجواهري الى ان اتفاقية العراق ـ لبنان هي لمساعدة بيروت اكثر من كونها اتفاقا تجاريا اقتصاديا تبادليا بين بلدين.

نفط أسود فائض

وقال المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد، في تصريح خصّ به “طريق الشعب”، ان “الاتفاقية وقعت من قبل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وبحضور وزير المالية علي عبد الامير علاوي، وتنص على منح الجانب اللبناني 1000 طن من النفط الاسود، مقابل سلع وخدمات”.

وحول أسباب عدم استثمار النفط الاسود محلياً أكد جهاد “انه نفط فائض عن حاجة العراق، وان الوزارة تعمل على تكرير كميات تسد الحاجة المحلية من النفط الاسود في البلاد”، حسب قوله.

انفتاح تجاري إقليمي

وعلل الخبير الاقتصادي عامر الجواهري، إبرام الحكومة للاتفاقية بأنها “لدعم الاقتصاد اللبناني الذي يعاني تدهورا منذ عقود”، مشيرا الى ان هناك مساعي لدى العراق “لتطوير وتوسيع التجارة مع البلدين لبنان وسوريا، وعدم الاقتصار على مثلث التجارة: العراق، مصر والاردن”.

وزاد الجواهري في حديث مع مراسل “طريق الشعب”، أن الحكومة “ترغب في خلق توازن تجاري سياسي مع بلدان المنطقة عبر توقيع اتفاقيات تجارية داعمة للبلدين”.

وتعليقا على أبزر البنود التي تضمنتها الاتفاقية، قال الجواهري انها “غير واضحة المعالم، وعلى الحكومة ان تكون اكثر وضوحا خاصة ان النفط هو المصدر الوحيد للاقتصاد العراقي، وان أي اتفاقية مبهمة تكون محورا للشكوك والتساؤلات”.

ولا يشكك الجواهري في التزام الجانب اللبناني بشروط الاتفاق، قائلا ان بيروت بإمكانها تحقيق الكثير في ما يتعلق بالسلع والخدمات المصدرة للعراق، مردفا “لكن هذه الخطوة يجب ان تخضع لمراقبات ومقاييس اقتصادية خاصة في جميع الجوانب”.

فشل في تطوير القطاع النفطي

ولفت الخبير الجواهري الى ان “الحكومات المتعاقبة وللاسف الشديد جميعها اخفق في انشاء محطات لإعادة تكرير وتصفية النفط للاستفادة منه محليا، لذلك فإن هناك فائضا كبيرا من النفط الاسود غير المستغل محليا، ويباع الى دول الخليج وفق اسعار هي من تتولى تحديدها”.

واستطرد الاسدي ان تلك الحكومات وبعد عقود من التغيير فشلت في تطوير القطاع النفطي، مؤكدا انه لا يوجد مبرر لبلد نفطي مثل العراق في أن يقوم باستيراد الوقود من لتوليد الطاقة الكهربائية، ومع ذلك لم يتحقق الاكتفاء والانتاجية المناسبة للتيار الكهربائي”.

اتفاقية غير مستوفية شروطها

وقانونيا، يجد الحقوقي أمين الاسدي، مختص بالقانون الدولي، ان “الاتفاقية تفتقر الى نواقص كثيرة لا يصلح مع عدم وجودها أن نسميها اتفاقية، بل يمكن ان تكون مذكرة تفاهم بين بلدين”.

وأوضح الاسدي لـ”طريق الشعب”، أنه “وفق القانون يجب ان تكون الاتفاقية مرهونة بشروط كالمدة الزمنية المحددة للبدء بتطبيق الاتفاق، ومتى ينتهي، فضلا عن تحديد الجهات التي ستعمل على تحقيق بنودها، وغيرها من الشروط المتعلقة بقيمة المبالغ المالية وفوائدها، فضلا عن نوعية الشروط التعويضية في حال اخفاق أحد الطرفين في تطبيق البنود، ناهيك عن الاشراف الدولي”.

ولا يستبعد الاسدي أن تطال آفة الفساد الاتفاقية، مستنداً في حديثه الى أن “الكثير من الاتفاقات التي عقدتها الحكومة، سواء الثنائية منها أم الاتفاقيات الدولية، والتي صوّت على غالبيتها مجلس النواب، وكانت تخص الملف الامني والعسكري وكذلك البنى التحتية، بينما لم يلمس المواطن منها شيئا”.

وشدد الأسدي على ضرورة تفعيل الدور القانوني الرادع في هذا الجانب “هناك الكثير ممن نهبوا خيرات البلاد من خلال اتفاقيات فساد واضحة للعيان، ويزال بعضهم يتمتع بنفوذ ملحوظ في السلطة، وآخرون يتمتعون بما نهبوا في خارج البلاد”.

عرض مقالات: