اخر الاخبار

جاءت نتائج الحرب والانهيار السريع لماكنة النظام العسكرية، والمؤسسات الدولة كلها، لتؤكد إفلاس الدكتاتورية وزيف ادعاءاتها وخواء مؤسساتها وانفضاض الشعب عنها وطموحه للخلاص منها. وفي سابقة تاريخية لها دلالات كبيرة في العراق وفي المنطقة، آثر الشعب أن يتخذ موقفاً مترقبا إزاء صراع بين قوة اجنبية يعرفها تمام المعرفة، وبين نظام مقيت يضمر له اشد الكراهية متطلعا الى الخلاص منه. وجاء يوم انهيار الدكتاتورية في ۹ نيسان ۲۰۰۳ ليجسد تعقيدات وتناقضات الوضع الجديد. فقد كان من جانب، يوم تخليص الشعب من نير الدكتاتورية العاتية، وفي الوقت ذاته يوم ايذان بواقع الاحتلال البغيض.

‎ان الحرب، وقد ادت الى انهيار النظام، جاءت ايضا بالاضطراب وانعدام الاستقرار. فقد تنكر المحتل للالتزامات التي تفرضها المعاهدات الدولية، مثل معاهدة جنيف حول مسؤولية قوات الاحتلال ازاء المناطق المحتلة. وادى التخلي كليا عن تلك الالتزامات في النهاية، الى انفلات الامن وشيوع الفوضى، وانتشار حوادث سلب الممتلكات العامة ونهبها واشعال الحرائق فيها.  كذلك لم يرافق انهيار النظام ظهور البديل الديمقراطي الذي كان شعبنا يتطلع اليه، وانما نشأ على انقاضه فراغ سياسي وامني خطير، مازالت جماهير الشعب تعاني الأمرين منه ومن تفاقمه.

‎وفي حينه نهضت أمام البلاد مجموعة مهام ملحة متداخلة، يكمن جوهرها في خلق شروط إنهاء الاحتلال ووضع العراق على طريق التطور الوطني الديمقراطي. وارتباطا بذلك، ولأجل مواجهة الأوضاع الجديدة، دعا حزبنا سائر القوى الوطنية العراقية للمبادرة الى عقد مؤتمر وطني عام، تشارك فيه أطياف الشعب العراقي السياسية والقومية والدينية كافة، وتنبثق عنه الحكومة الوطنية العراقية المؤقتة واسعة التمثيل وذات الصلاحيات، لتتولى تحقيق مهمات إدارة البلاد في المرحلة الانتقالية، وإعداد مشروع الدستور ومشروع القانون الانتخابي، ومباشرة الحوار مع الطرف الأمريكي لإنهاء الاحتلال فهي حكومة كاملة الصلاحية، تكون بديلا للنظام الدكتاتوري المقبور، ولسلطة الاحتلال في الآن نفسه.

غير أن فكرة عقد المؤتمر الواسع وتشكيل الحكومة الموقتة، التي كان واضحاً أنها تحظى بتأييد داخلي وعربي ودولي، اصطدمت بعراقيل جمة حالت دون تحقيقها.

وكان في مقدمة تلك العراقيل تبدل موقف الولايات المتحدة وبريطانيا من عقد المؤتمر المذكور ومن تشكيل الحكومة المؤقتة، وسعي الدولتين بدلا من ذلك، إلى استصدار قرار جديد من مجلس الأمن. وبالفعل وبعد مساومات مع الدول الأعضاء في المجلس، صدر القرار ۱٤٨٣ ايار (۲۰۰۳)، الذي كرس سلطة الاحتلال في العراق وشرعن وجودها.

وتجلى المعرقل الثاني في سلوك الأطراف السياسية العراقية ذاتها. فبعضها سعى إلى الانفراد في تمثيل العراقيين، وبعض آخر غلب مصالحه الحزبية الضيقة على مصالح الشعب العامة، فيما لم يتخلص بعض ثالث من نزعة الهيمنة والزعامة.

وأدى هذا وذاك وعوامل أخرى، منها غياب الارادة المستقلة لدى بعض الاطراف السياسية، إلى الحيلولة دون إقامة التحالف الواسع للقوى السياسية العراقية، الذي يمكنه الضغط على الطرف الامريكي وكسب تأييد الامم المتحدة. الامر الدي افسح في المجال للمحتل كي يمسك بالسلطة تحت غطاء من الشرعية الدولية، يتمثل في قرار مجلس الامن الدولي آنف الذكر.

من التقرير السياسي للمؤتمر الوطني الثامن للحزب الشيوعي العراقي

 المنعقد في ايار 2007