اخر الاخبار

لا يوجد عمل فني يخلو من التعبير، فكل الأعمال الفنية التي نرصدها تحمل طابع تعبيري. ولكنها تختلف في ايقاعاتها التعبيرية، فهناك مناطق يتصاعد فيها الفعل التعبيري على حساب بقية العناصر والبحث عن التعبير في الفن والذي  لا يحددنا بزمان ولا مكان معين، لذلك فإن الموضوعات هي موجودة سلفاَ، تحتاج فقط الى من يشير اليها ويجدد الرابط التي على الخطاب أن يوجدها بعدّة نُظم تعبيرية متقنة وليس فقط اشارة أو علامة أنما علينا التعمق داخل عمقها، كما يعد التعبير عملا روحياَ ويحول ذلك التعبير الى صورة ذهنية مكتملة جمالياَ، ويرى الفلاسفة أن للفكر مادة وصورة، أما مادته فهي الحدود التي يتألف منها، وأما صورته فهي العلاقات الموجودة بين هذه الحدود.

فالصورة المكتملة جمالياً تتجاوز الشكل الذي تفرضه المادة كونه مجموعة من المضامين أو التصورات التي تتكون بشكل منسق قابل الى ادراك عمقه وشكله، حيث تنفصل تلك الحقول القابلة للإدراك الى عمق وشكل، ففي اللوحة الفنية هنالك خطاب ومعان ورموز ودلالات وجماليات يفترض ايصالها الى المتلقي/ المشاهد والذي بدوره يفكك ويحلل رموز العمل الفني للوصول الى مضمون رسالة الفنان المنتج والتي هي عبارة عن خطاب لشكل مرئي يقبع خلف الاشكال والعلاقات المترابطة داخل اللوحة وبذلك  يصبح على المتلقي أن يفتح ويفك شفرات الرسالة المطروحة بخطاب العمل في اللوحة، وبذلك فإننا بصدد انشائية لا تحتكم الى متابعة مسار الانتاج أو الفعل الفني في ورشة الفنان، بل نحن بصدد إنشائية تختبر مسار الانتاج وتشارك في تأسيسه ورسم خطوطه انطلاقاَ من متابعة مسار النظر وسلوك العين، لذلك فان التعبير في حقيقته هو سلوك أدائي، وهذه الادائية قد تكون ظاهرة الى السطح الذي لا يحتاج الى تفسير عميق كما هو واضح في الاعمال الفنية أو قد يكون هذا الاداء فكرياً باطنياً مبطن في الاعمال الفنية. وعلى قول جورج سانتيانا قد يضفي التعبير جمالا على موضوعات لا تثير الاهتمام في ذاتها، وقد يزيد في جمال الموضوعات التي يتحقق فيها الجمال فعلاً.

وما جاء به الفنان ضياء مهدي ما هو الا تطور تأثر بواقع المجتمع، فلا نستطيع إنكار تلك العلاقة القائمة بين الفنان والمجتمع، فالفنان يعتمد على المجتمع وهو يحصل على نغمته وايقاعه وقوته من المجتمع الذي ينتمي فيه، اما أن الشخصية الفنية للفنان وتعتمد على اكثر من ذلك فهو ينظر من زاوية لا يراها غيره حيث جسد ضياء مهدي أعماله بخطاب تشكيلي يحمل عواطف جامحة متمثلة بثنائية الجسد والتي لا تخلو من العري.

 وبدلالة سيميائية ترمز الى الحرية والمواطنة وجماليات بمواضيع اجتماعية أليفة متآلفة، امتد اثرها لتصبح بدلالاتها العاطفية والوجدانية وبمضامينها الاجتماعية انعكاس لتمثيل الواقع المدني العراقي المعاصر.

ومن خلال قدرة الفنان على تقويض الزمان والمكان، وحركة الاجسام في الفضاء المحيط بها، والتشكيل المعقد للتكوينات البصرية والتشكيلية، وازاء هذه الآلية المعقدة في الاخراج تمظهر نسيج شكلي متداخل في اظهار القدرة التعبيرية للوحة ضمن ثنائية المادة والصورة في اللوحة. وازاء ذلك فان ما قدمه ضياء من الصراع اللوني والخطي والحركي والتسارع الزماني نحو المستقبل قد اوجد قوالب جديدة في التعبير الشكلي للصورة، التي دعا من خلالها التنصل الشامل للقيم المعتادة والمعروفة على سطح العمل الفني. أيضاً من خلال الاطلاع واكتساب الخبرة والمثاقفة والتجديد، استطاع التعبير عن ذات الفنان وعن المجاورات المحيطة بالفنان.

كما عمد ضياء مهدي بإحياء تجربة حسية على وفق بناء الصورة الذهنية معتمدا على انشاء تراكيب تعبر عن فكرة الطاقة والحركة الديناميكية للحياة المعاصرة، انه قد عبر عن الصورة المتغيرة، بتجزئة الأشكال إلى أجزاء من الخطوط والألوان، في ايجاد صيغ جديدة اضافة لها طاقة تعبيرية عالية في التوجه نحو المستقبل.

وما قدمه من أعمال باتجاه التعبيرية التجريدية التي تخطى بها الموضوع الى اللاشكل ليعتمد التقنية بوسائلها المتعددة والجديدة أحد ركائز العمل الفني المنجز رافضاً ومعلناً أن اللوحة انعكاس او تكرار للواقع. فيمد السطح البصري بمساحة امتداداته المتخيلة والمؤَّولة، وبذلك فهو يبحث في السطح التصويري عن الأشكال اللامرئية ، كما يعمل على تقويض الاشكال التشخيصية والتعويل على توصيفات قد تكون ازاحية لما وراء الأشياء ومستلهم للمنظومات الرمزية التي تحاكي كل ما هو مثالي.

فالتعبير في خطابه التشكيلي طاقة كامنة، يسعى لظهورها عن طريق تنفيذه لرؤى حداثوية وبتقنيات مختلفة لخلق دلالات ومفاهيم جمالية في تجسيدها على السطح التصويري والبصري للعمل الفني، إذ نجد الكثير من الفنانين تحمل لوحاتهم ونتاجهم الفني في طياته فحوى الحوار ومن ضمنهم ضياء مهدي، وبالتالي فهو يسعى لتقديم رؤيه معاصرة ترتبط ارتباطا وثيقا برؤية شرقية عراقية رافدينية وذلك بجذب المفردة والشكل لما يخدم منطقة اشتغاله في الاحتراف، فنجد دائماً ان اعماله تترك المجال للاستزادة وولادة منتج وعمل آخر وتحمل بمنجزها قضية وصراع.

عرض مقالات: