اخر الاخبار

تبدو العولمةِ والفردية في كل منطقياتها ظاهرتان متوافقتان متلاحمتان ,  مما جعل العولمة في دائرة اشكاليات التقييم فهي بنظر العقائديون بمختلف مشاربهم ذات سلبياتً او مخاطراً  على الفرد  و المجتمع  , من سلبياتها إذابة  الهوية المجتمعية وهوية الشعوب , فلكل شعب او امة صفات تتمركز فيها شخصية ذاك الشعب او تلكَ الامة , وهذهِ الصفات عندما تذوب في بحر العولمة فأن الهويةِ والشخصيةِ تبدأ ب(الاضمحلال),

وتظهر مشكلة الصراع بين العولمة ودعات الهويةِ المجتمعية والشخصيةِ الاصيلة والانا الجمعية , فإن لم يستثمرُ الصراع برؤيه علمية فانهم سينقادون الى نتائج تنتصر بها القوى التي تبدأ بتحريك معطيات الزمانِ والمكان بضواغط في بعضها اقتصادية و متناغمة مع الطبيعة البشرية انها المتخفي المحرك للبنى العميقة للفرد و المجتمع و ما الصراع بين العولمة والدين المسيس الا شكل من اشكال هذا الصراع ، ان الغباء الذي وقعت بهِ القوى الرادياكالية ولاسيما العربية في مجابهِ العولمة يتمثل في التمسك بالماضي بكل جزئياتهِ ليصل الى مستوى السخرية وقد احالنا هذا التمسك الى صراعاتً دامية بين دعاة الماضي المختلفين حتماً في منطلقات أسس ماضيهم , فالغباء يتجسد عندما نستدعي الماضي بزمنهُ المتمثل بظرفيته و بناه الزمكانية الى حاضرنا المنبعث من ركام الماضي والمتحول بالأدوات والاشياء التي جعلت من الحياةِ اوسع رخاءً ، ومن التعسف ان نجانب معطيات الكشف العلمي بكم من التناقضات وانتقائية مسيسة, وفي المقابل يتشكل الجانب السىء من العولمة عندما تستثمر هذهِ الصراعات بهدفً ابعد من بنية الصراع ذاته , وهكذا نجد ان العولمة فضلاً عن كونها مجموعة نظم وظاهرة اقتصادية ثقافية فهي أداء وخبرة , وقد اكتسب أسسها وعمل بها البعض من التجار والفنانين والصناعيين ,كونهم عولميون يمكنهم قراءة او استشراف المتغير الاقتصادي والمجتمعي قبل حدوثه بفعل تحليل لمعطيات تسبق الحدث ذاته.

 وازاء ما قدمنا نجد العولمة واقعة لابد من التعامل معها بذكاء وبروح الاستثمار الذي يحقق الفائدة من تفاعلنا معها , فضلاً عن ذلك لابد ان نكون حداثيين في انتماءاتنا وفهمنا للحياة , فالعولمةِ والحداثة منظومتان متوافقتان الا ان لكل واحدةً منهما منطق فعل واداء في جسد الحياة ، ان الحداثة في بنائها مع اطلالة القرن العشرين وما اجترتهُ من اواسط القرن التاسع عشر قدمت على نحوً ما للعولمة بذورها وارضها الخصبة للانطلاق وعندما ندعي ان الحداثة بتفعيل الذاتية والفردية والعمل وتعمل على اسقاط المقدس المهيمن واشاعت التحول والتغير ولإطاحة بالثابت ، فهي بذلك انضجت ارضية خصبة لانطلاق العولمة .

 ان العولمة منظومة توافقية مع الرأسمالية والامبريالية واقتصاد السوق والسوق الحرة ، فضلاً عن توافقيتها مع النزعة الشرائية وفكرة اشاعة (الاستعمال للمرة الواحدة) من الاشياء الى المفاهيم والعقائد ، انها مهما حاولت لا تكون الا برجماتية بالصفحة المتحولة من البرجماتيةِ ذاتها .

أن العولمة واقعة لا يمكن التغاضي عنها لأنهاتشكل بنية محيطنا ، و مهما حاولنا أسدال الستار عليها لا نستطع الا بانعزالنا بالكامل عن العالم و ضمن دائرة الخيال ، هذا جزءً من تلك التوافقية التي تعتمد الفكر البرجماتي وهي اداة فاعلة في التداولية والتواصلية ويتشكل التوثيق بضواغطها .

اذ فكرة الاقوى والاسرع والاوسع والاجمل والاطول .... الخ , تعد على نحوً واسع ضمن الدائرة الايجابية في التداول المجتمعي وهي التي تسود عند توصيف اية موضوعه مادية او حياتية , فالإنسان فرداً او جماعة تواق في استحصال الاوفر والاوسع الذي يقدم لهُ التحول نحو الافضلية لاي منطق مهما كان ضمن دائرتهِ النسبية وهكذا , الامرالذي نجدهُ في تفصيل حياتهِ من ابسطها واقلها تركيباً الى ما تعد منظومة متراكمة في البناء التركيبي , والامثلة على ذلك كثيرة , فالسيارة الاسرع والاقوى والاجمل مرغوبة وهكذا الامر في اجهزة وادوات مشابهة او مختلفة في بنيتها الوظيفية فضلاً عن الرغبة الانسانية الداعية للترفيه والرفاه .

ان الرغبة (السايكوسسيولوجية) على الرغم مما وجهه لها من نقد رافض على مستوى الفكر المثالي واللاهوتي الذي يدعو الى الكفاف والخشونة , وكذلك من الفكر الوجودي الذي يدعو الى فهم اخر لمعنى الحياة وفكرة الوجود الرافضة المزدريه للقيم ومنها ما ذكرناه اذا وصفناها بقيم ذاتيه للأشياء والظواهر , فهي قيم لا ترفضها البرجماتية بنظاميها القديم وما بعد الحداثة , كما هو الحال عند (ريتشردريتوري) . والامر الذي جعل من البرجماتية نظرية داعمة للعولمة لانها تبرر هذهِ الرغبات وتقدم لها صفة الضرورة في التحول والتطور العلمي والاقتصادي للمجتمعات .

العولمة و اثرها في التقبل الجمالي

عندما تكون العولمة أداة لإحالة المحلي الى العالمي أو لنشر الداخلي الى خوارجٍ لا حدود لها فانها بالنتيجة تتابعية في تطورها , تنمو بمستويات متتابعة الى ان تصل الى اعلى مراحلها في اذابه المحلي واشاعة العالمي , وعندما تتعسف العولمة باسقاط الهوية والشخصية للشعوب الصغيرة والفقيرة , واشاعة الشخصية العولميةالمهيمنه المتسلطة , فأن صراع الحضارات يظهر متكئاً لمن هم في دائرة الاستلاب على الماضي والمرجع والتاريخ , لكن بملاحظةً بسيطة اعتمدها مفكروا هذهِ الشعوب ومبدعيهم عندما احالوا الهوية ومقدماتها ونتائجها والتاريخ والحضارة الى آلية تحديث دون المساس بالجوهر الذي تعتمدهُ هذهِ المفردات المتفاعلة وبذلك استطاعوا ان يدخلوا الى جسد العولمة بهويات تاريخهم ومجتمعاهم،إذ نجد ان الاداءات الابداعية في الادب والفنون تحاول جاهدةً أن تستثمر العولمة لا ان تخضع لها،  وهنا تكمن مشكلة التعامل معها .

 هذا ما نجده في الشعر الحر الذي ظهر في الشرق ولا سيما العراق بين خمسينات وستينات القرن الماضي الذي تأثر حتماً بالشعر الأوربي او الأنجلوسكسوني كما قدم له بودياروايليوت و رامبو وتازارا والامر كذلك في فن التشكيل.

إن العولمة واقعة لا مناص من تخطيها أو أستغفالها فهي حدثٌ مركب بدأ منذ زمنٍ بعيد لكن تسارعه كان بطيئاً على وفق مستوى التواصل بين الشعوب و أساس العولمة ومركزها يتمثل في تداولية الثقافات وانتشارها بين الشعوب المختلفة هذا ما فعلته التجارة وطريق الحرير والحروب والغزوات بالانتقال بفعل المثاقفة بين الشعوب.

 ان واقعة العولمة كحدث يمكن التعامل معه بإجابيه تؤسس بتطورات في الأداء والتشكيل محققةً طاقات إبداعية متنوعة منسجمة بأداءات حركية ما بعد الحداثة التي غيرت البنى التشكيلية في دواخل النص و(سينوغرافيا) العرض فيه، الامر الذي استثمره فنانو الشرق كما في متغيراتٍ قصدية في بنية الأساليب الفنية.

عرض مقالات: