اخر الاخبار

بناء على معطيات الندوة التي عقدت أخيرا في بغداد ضمن فعاليات ملتقى إبراهيم الخياط الثقافي”، يبدو أن البرنامج الحكومي الذي اعتمدته حكومة السيد محمد شياع السوداني وأقره مجلس النواب كخطاب وبرنامج عمل “خال” من كلمة ثقافة، وهو الأمر الذي نستطيع من خلاله قياس مدى أهمية الثقافة والنشاطات الثقافية والفعاليات المرتبطة بها بالنسبة للمسؤولين الحكوميين، وطريقة فهمهم لذلك النشاط الإنساني الوطني الحيوي كعنصر مهم من عناصر الهوية الوطنية. وفي الواقع، لا يقتصر غياب الثقافة على البرنامج الحكومي الحالي، بل تعداه إلى كافة البرامج الحكومية للحكومات السابقة التي توالت على إدارة دفة البلاد منذ سنة 2005 حتى يومنا هذا ولسبب واضح وبسيط، هو أن تلك الحكومات قامت على أساس التحاصص واقتسام الغنائم وليس على أساس استراتيجيات الاعمار والبناء والتطوير والبرامج والخطط العلمية لتنفيذها، والهادفة إلى خدمة المواطن والوطن والنهوض بهما في سائر مجالات الحياة وبضمنها مجال الثقافة الذي لا جدال في أهمية وحيوية دوره في تقدم وازدهار المجتمعات الانسانية لقد ظل المثقف - ككيان منفرد أو كمؤسسات واتحادات ومنظمات - بعيدا عن صنع القرار وعن الإسهام في وضع الخطط الحيوية للتنمية والتطوير واقتصر دوره - بشكل محدود - على الاستشارة غير الفاعلة، أو الظهور كواجهة وديكور بروتوكولي يحاول السياسي ان يحسن صورته بواسطته. وعلى الرغم من وصول عدد من المثقفين الجيدين إلى مناصب ومواقع مهمة في السنوات الأخيرة، وسعيهم إلى اجتراح - لبنة - ثقافية معينة ترتبط بسياق الدولة وسياساتها ومحاولة مأسسة العمل الثقافي ضمن تصورات معينة، إلا أن تلك المحاولات ما زالت بعيدة عن اهتمامات السياسيين المتنفذين والمسؤولين الحكوميين في الدول الديمقراطية لا تكاد برامج الأحزاب والحكومات تخلو بأي شكل من الأشكال من آليات لعمل الثقافة وتنشيط مؤسساتها ودعم المثقفين وتمويل خططهم ومشاريعهم الفردية والجماعية. بل أن ميزانيات أغلب تلك الدول، تخصص نسبة لا تقل عن 1 في المائة من إجمالي الإنفاق العام السنوي للاغراض والنشاطات الثقافية ولتعزيز صناديق تمويل الإنتاج الثقافي بأشكاله وأنماطه المتنوعة وتمويل المهرجانات على اختلاف أنواعها ودعم النشر ومعارض الكتاب وغيرها من الفعاليات، فضلا عن الإرتقاء الدائم بالبنى التحتية للثقافة وتوسيعها وتحديثها، وكل هذا ضمن تصورات تتضمنها البرامج الحكومية السنوية المقدمة إلى المجالس التشريعية. إن وضع الأطر العامة لعمل الثقافة في أي بلد لا يتحقق بتكليف مستشار هنا أو خبير هناك، إنما يتطلب دراسات مستفيضة ومجموعات من الخبراء أو مجلسًا أعلى للثقافة يأخذ على عائقه وضع تصورات وخطط تتعلق بأوجه الإنفاق العام على الثقافة وتحديد الأولويات في ذلك الإنفاق. وهذا ما يتطلب مبادرة رائدة من طرف العاملين في القطاع الثقافي الحكومي أو القريبين منه، لتهيئة مقترح مفصل ومدروس يستند بالدرجة الأساس إلى توصيات الإتحادات والمنظمات الثقافية، لتقديمة إلى صانع القرار الحكومي والبرلماني لمناقشته وتبنيه والمصادقة عليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*افتتاحية الطريق الثقافي العدد 120 في 15 أيار 2023

عرض مقالات: