اخر الاخبار

يعد الناقد الجمالي د.  جواد الزيدي واحدا من اهم النقاد العراقيين المعاصرين نظرا لما يمتلكه من ادوات بارزة وواضحة في انتقاء المناخ النقدي المناسب للسرد او الخطاب البصري الجمالي، اذ كانت لآرائه النقدية اثر بالغ الاهمية في البحث عن غايات الخطاب الجمالي واهدافه وغاياته والكشف عن اسرار الذات المبدعة وعن جوانبها البصرية الظاهراتية وتأويل الجانب الباطني ولاسيما تلك العلاقة الجدلية المتبادلة ما بين الشكل والمضمون في الخطاب الجمالي. لقد اهتم الزيدي في معظم دراساته النقدية للفن التشكيلي بشكل عام وتجارب الفن العراقي المعاصر بشكل خاص بظاهرة مهمة هي ان الذات في الخطاب الجمالي هو منطلق للالتزام وبمعنى اخر هي العلاقة الجدلية ما بين الذات والاسلوب لاسيما ان الاسلوب هو التعبير الصادق عن الذات المبدعة وهو بالتالي مسؤولية والتزام عبر حقب زمنية قد تدعو الفنان ان يتحول من جديد في ذاته المبدعة بأسلوب يتخطى السابق وبطفرة نوعية ترتبط بعلاقة التعبير والمعنى. وهنا يشير د.  جواد الزيدي في رأيه المهم بهذا الصدد قائلاً: ان العلاقة ما بين التعبير والالتزام هي المحور الرئيس في اتصالنا مع ذواتنا او مع الاخرين من حولنا، دائما ما نحاول ان نعبر عن شيء، محدداً لمعظم تعبيراتنا الاتصالية، ويأخذ التعبير اشكالا عدة منها: ما هو لفظي او جسدي او التعبير بالصورة او بالرسوم والنقوش التي تخلو من الملفوظ، ولكنها تمتلك لغتها الخطابية الخاصة التي توصل المعنى الى المتلقي. كما تطرقت دراساته النقدية الجمالية الى تأشير تلك العلاقة المجسرة ما بين التأمل والشعور ومن ثم الادراك في الخطاب الجمالي المعاصر، والتي وصفها الزيدي بانها علاقة معقدة غير واضحة المعالم واستطاع ان يقدم لنا تصنيفا مفاهيميا في هذا الميدان حيث اشار الى ان الشعور عند الفنان يخصب الجانب التأملي لدية ويجعله حبيسا في مضمون البحث عن حل اشكالية او ظاهرة تثيره وتخاطب ذاته في محيطه الذي قد يشوبه التعقيد او العكس، في حين ان التأمل يخصب الشعور نفسه ويكشف عن مديات العمق والفكرة فضلاً عن ارتباط الفنان بتجربته الجمالية التي تبلغ ذروتها في الشعور.

لقد كشفت الدراسات النقدية الجمالية للدكتور جواد الزيدي ان معظم النظريات التي تطرقت للتجارب الفنية والتي اختلفت منذ بداية عصر الحداثة وصولاً لما بعدها كانت في معظمها نظريات تطرقت الى الفن الجميل ولاسيما وصف وتحليل لمكونات هذا الفن من حيث قياس مديات الابداع فيه والكشف عن الجمال والنشوة والسعادة في تذوق الخطاب ومكوناته الفنية فضلاً عن التقنية التي تنوعت وتحولت على وفق زمكان الحداثة وتنوع مدراسها التي تداخلت ايضا مع المفاهيم الادبية النقدية كالسيميائية والتفكيكية والبنيوية وما بعدها، على الرغم من ان معظم الادباء كانوا من اهم مؤسسي الحركات التشكيلية الجمالية الحداثوية المهمة كالسوريالية التي اسسها الشاعر الفرنسي (اندريه بريتون)، وهذا ما يؤكده الزيدي في معظم دراساته النقدية الجمالية الى ان هناك علاقة مهمة وتبادلية ما بين نظرية الفن ونظرية التجربة الجمالية، لاسيما ان الفن بوصفه وعاء شاملاً للقصة والشعر والرسم والنحت والموسيقى والمسرح. 

تعد بحوث وكتب د.  جواد الزيدي ودراساته النقدية والجمالية في تجارب عدة في الاساليب الفنية الجمعية والاساليب الفنية الذاتية التي استطاع ان يمنحنا نصاً نقدياً دقيقاً استند فيه الى دراسة تحليلية بصرية خاض فيها موضوعياً وقدم آراء مهمة كانت لها الفضل الكبير في مساعدة العديد من الباحثين في الميدان الاكاديمي ان يقيم ويتعرف ويكشف العديد من الجوانب الغامضة في الخطاب الجمالي المحلي والعالمي. وهذا ما أكد عليه الزيدي في ان الفنان هو الانسان الذي يتميز بالحساسية المطلقة نحو الزمكان، وهناك فرق بين الفنان المفكر والفنان المقلد والفنان النمطي، فلكل منهم خصائصه الجمالية والفكرية التي ترتبط بالأداء والتعبير والاحساس والتأثير في المتلقي. وكانت من اهم دراساته النقدية الجمالية هي دراسة التنوع الاسلوبي للفنان العراقي الرائد الاستاذ سعد الطائي، اذ يصف لنا الزيدي تلك التجربة العميقة في ان هدف الطائي في معظم اعماله الفنية هو وجود حقيقة متأصلة يجب عزلها عن المظهر الخارجي فلم تكن هذه الرسوم نتيجة للمصادفة الا في القليل النادر منها، ولكنها تظهر كيف ان الضوء يغسلها جميعا كما عبرت عنه حقيقة الصورة اذ سعى الى التعبير عن الجوهر الكامن في الشيء، لذا نبذ الوصفية والتعلق بالمرئيات التفصيلية. الحديث عن د.  جواد الزيدي هو حديث ذو شجون لا تفيه هذه الاسطر حقه فقد قدم للساحة الجمالية العراقية والعربية العديد من الدراسات المهمة ومنها تلك الدراسات في فنون الخط العربي فضلاً عن الجانب الاكاديمي المهم بوصفه استاذا اكاديميا تسنم العديد من المناصب المهمة في قيادة العمل الجمالي الاكاديمي واشرافه ومناقشاته وآرائه المهمة في ميدان الدراسات العليا في الماجستير والدكتوراه في جامعات العراق كافة. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

*ألقيت في جلسة احتفاء “ملتقى إبراهيم الخياط الثقافي” يوم 13/ 1/ 2023 في بغداد بالدكتور جواد الزيدي بمناسبة فوزه ثالثاً بـ “جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي”.

**باحث واكاديمي

عرض مقالات: