اخر الاخبار

صدرت رواية الصديق علي بداي البكر (أسرار عائلية) عن دار ميز في السويد. عرفت كاتبها شاعرا وصحفيا وقارئا جيدا ومتابعا للشأن الثقافي على الرغم من أن سيرته مرت بتعرجات ومحطات صعبة منذ شبابه بسبب موقفه الفكري والسياسي المناهض للدكتاتورية في بلده العراق. فكان الثمن باهظا، دفعه اعتقالا وتعذيبا وجروحا، لازمته على مر الزمان، ثم الغربة الطويلة في أوربا شرقا وغربا مع ذلك حصل على شهادة الهندسة وعمل بها في هولندا مهندسا ناجحا لسنوات طويلة لكن اختصاصه هذا لم يمنعه من مواصلة الكتابة والقراءة في مجال الأدب والثقافة التي شغف بهما وأبدع، ولذلك لم أفاجأ بمنجزه هذا وكنت وما أزال متابعا له بسبب مرافقته في أغلب محطاته، ولنا ذكريات مشتركة: مريرة وسعيدة أنتجته وأنتجتني ولكنها ليست هي الدافع الوحيد الذي دفعني للكتابة عن هذه الرواية وإنما التجريب والإبداع فيما كتب:

تقع روايته 212 صفحة تصدرتها لوحة للفنانة الرائعة عفيفة لعيبي وتبدأ الرواية في التجريب منذ الصفحة الأولى حيث يضع الكاتب مهندسا لروايته ويعطيه الملف الكامل لأسرار عائلية وهي بين الواقع والتخييل، ويأخذ هذا المهندس دور المخرج السينمائي الذي يبحث عن نص لفلمه الجديد، ويبدأ عمله بمقدمة هي عبارة عن منهجه في إخراج هذه الرواية وتحت عنوان “مقدمة المخرج طارق زيدان” وهو زميل لـ (دنيا) في كلية الفنون الجميلة وعن طريقها تعرف على (وائل الشاعر) وهما بطلا الرواية الرئيسان عندما قدمته له بعبارة: “ وائل الشاعر خطيبي” وكسرت كل أحلام طارق الذي كان يفكر بالتعبير عن مشاعره لها... كان ذلك قبل أكثر من ربع قرن وطارق لم يفعل شيئا؛ لأنه وجد نفسه أمام عمل متكامل، يتكون من (1 - خراب ما بعد العاصفة –كتبه وائل 2 - أسرار عائلية – قصة زهور) والتجريب هنا هو وجود طارق ليكون الراوي العليم في هذه الرواية بما يملك من أوراق ومسودات ومعرفة طويلة بالشخصيات لكنه لم يأخذ هذا الدور بالمطلق بل ترك شخصيات الرواية كأصوات أساسية فيها والعمل لم يكن بحاجة إلى تدخله، وكل ما فعله (والحديث له) هو:” عزل قرابة ثلاثين ورقة من (خراب ما بعد العاصفة) لم تكن تحمل سوى القصائد بعد أن تأكدت أنها لا تمت للقصة بصلة ثم كتبت المقدمة والخاتمة”. وكتب “سأعرض ما كتبه وائل نفسه عن حياته الماضية” خراب بعد العاصفة ...أما قصة زهور فهي محتوى الرزمة التي استلمتها تحت عنوان أسرار عائلية” لكن الكاتب أو الراوي يفاجئ القارئ بأن قصة زهور هي ليست قصتها، انما هي قصة دنيا التي سافرت إلى داخل العراق فدخلت في شرنقة لا مجال للإنفكاك منها تبدأ بمجموعة من المؤامرات لتمنعها من العودة واللقاء بحبيبها وائل... ورغم محاولة الكاتب الخوض في عملية تجريبية، إلا أنني وجدت أن ذلك أقصد المقدمة والخاتمة حلقتان زائدتان يكفي ما موجود من أصوات تعبر عن نفسها بشكل مباشر مثل ما قرأنا شخصية وائل وقد عبر عن تجربته من خلال الحوار بكل دقة وكذلك دنيا في قمة التألق وهي تسرد كل التفاصيل التي مرت بها، من دون وجود سارد. واكتفى طارق زيدان بالكشف عن بعض الملابسات، بالإفادة مما قرأه في ملفات المعلومات المبعثرة والنصوص التي تشكل تجربة وائل وأخته زهور وما عرفه عن دنيا...

الرواية جديرة بالدراسة والقراءة وقد أقدمت على دراستها ببحث مطول قد يرى النور في قادم الأيام أكدت فيه على مواطن التجريب وضروراته ووجت أن الرواية كان يمكن أن يجري بناءها على أساس الأصوات ويكون كل صوت راوية لجانب من أحداثها وتستغني عن افتعال راو من خارج الأصوات الرئيسة على الرغم من أن المخرج هو أحد أصوات الرواية بحكم قربه من زميلته (دنيا) وتفكيره بها وكان يمكن للكاتب أن يجعل منه طرفا أساسيا في الصراع، أو له علاقة بعقدة الحدث. لكنه ترك كل شيء بمجرد معرفته أنها قد حسمت أمرها، انسحب بسلام ولم يفكر بها، لا في السر ولا في العلن، ويمكن القول أن هذا الراوي قد أخذ دور المؤلف بتدخله في النهايات، إذ لم يكن الحدث بحاجة إلى هذا الدور الجانبي المقحم على النص، وفي الوقت نفسه سرق دور المتلقي الذي أصبح عنصراً أساسياً من عناصر الحدث في الرواية الحديثة المعاصرة.

عرض مقالات: