اخر الاخبار

لا تحيلنا جملة (بواكير النهضة) في عنوان الكتاب الذي صدر حديثا لأحمد الناجي (بواكير النهضة النسوية في العراق) الى العناصر المؤشرة ضمن العنوان وهي تحت مسمى (النسوية) فقط، بل الى نهضة اخرى كامنة ربما تعد الاطار العام لتلك النهضة وهو التاريخ؛  ليس لأجل سرد وتوثيق مجريات الاحداث فحسب وإنما اتخاذه وسيلة للكشف عن انماط التفكير التي تؤثر على طبيعة حياة الناس، لا سيما ان الكتاب تحدث عن محتوى ثقافي أطر الفترة الزمنية الممتدة منذ مطلع القرن العشرين حتى قيام ثورة 14 تموز 1958 وقد قسم فيها المؤلف كتابه الى مقدمة وثمانية فصول وخاتمة.

جاء في الفصل الأول (المرأة في فكر رواد النهضة العربية) خطاب رواد النهضة الذي تنضوي تحت لوائه تداعيات نشوء الفكر الاصلاحي، مشيرا الى قصدية التغيير التي تبناها ودعا اليها نخبة من المفكرين والادباء بالرجوع الى التراث العربي الاسلامي والاتكاء على تجليات التطور الحضاري الاوربي الغربي، وكان اولهم في هذا المنحى الصحافي اللبناني احمد فارس الشدياق(1801 ـ 18879) وبطرس البستاني ورفاعة رافع الطهطاوي وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد عبده ومرقص فهمي وقاسم امين مبينا ما قاموا به من نشر للمقالات وما تبنته الجرائد والصحف التي كانت تصدح بافكارهم ورؤاهم، ثم عرض الكتاب بعضا من المفكرين المناهضين والرافضين لتوجه تحرير المرأة واعطائها حقها المشروع في مواكبة الثقافة والادب ومنهم محمد ابراهيم القاياتي ومحمد احمد حسنين البولاقي ومصطفى الغلاييني ومصطفى صبري وعبد الرحمن الحمصي وعبد المجيد خيري ومحمد طلعت حرب وغيرهم ممن اصدروا كتبا وكتبوا رسائل ومقالات تصب اهتمامها في رفض التغيير فيما يخص المرأة، مع اهتمام المؤلف برصد الاحداث والمواقف والملابسات المرافقة لتلك الفترة عربيا على وفق الوضع السياسي في ظل الدولة العثمانية.

أما الفصل الثاني ( مكانة المرأة العراقية في العهد العثماني) وفيه يناقش المؤلف التداعيات المتلاحقة التي حاقت بالدولة العثمانية على اثر الحرب العظمى 1914 ـ 1918 والتي كانت سببا يحول دون ترجمة الكراسة التي اصدرها الرصافي الى اللغة العربية وكان ذلك قبل الاحتلال البريطاني للعراق ومن ثم كيفية تفاقم الاحداث التي ادت الى بقاء الرصافي خارج العراق وهو صاحب الفكر التنويري الذي اصدر كراسا باللغة التركية يناقش فيه امورا كثيرة بخصوص المرأة والرجل ويناقش افكار شبلي شميل وافكار كل من يقف بالضد من تحرر المرأة واعلاء شأنها.

وكان الفصل الثالث يتطرق الى (المرأة العراقية في عهدي الاحتلال والانتداب البريطاني) وفيه يخوض الكاتب عرض معركة السفور والحجاب مستعينا بقصائد الشعراء إزاء تنامي الموقف الرافض لتحرر المرأة وفي المقابل محاولات جماعة حسين الرحال امام نخبة من التيار المحافظ في الصحافة، متخذا من الاراء وتنافرها معركة من اجل التجديد في ميدان الفكر والتنوير، وقد تبنى الكاتب في هذا الفصل التطرق الى قضية التعليم ومساره الذي يكشف تطور العملية التعليمية في البلد على وفق مسار متسق مع تقدم المجتمع الذي بدأت تظهر فيه بوادر قبول تعليم المرأة عند حدود المرحلة الابتدائية ومن ثم كيف خفتت نبرات التعصب واتسع التسامح المجتمعي بشكل تدريجي في تلك الحقبة مكللا بنقلة نوعية تمثلت بدخول الطالبة ملك رزوق غنام كلية الطب عام 1932.  

في الفصل الرابع اشتدت جدلية السفور والحجاب الى ان خاضت غمار الحجاج المتين الذي حولها في نهاية المطاف الى مثابة مفضية الى الدعوة لتحرير المرأة ونبذ القيم والتقاليد البالية والاعتراف بالتطورات الحاصلة في الشأن الاجتماعي. بينما  شهد الفصل الخامس من الكتاب (نهوض المرأة العراقية في عقد الثلاثينيات) وفيه لعبت المرأة دورا رياديا مختلفا على جميع الاصعدة عن طريق حضورها المؤتمرات النسوية ونشوء الاتحادات والجمعيات وتبني الصحف لمشاركات نسائية مهمة كان من بينها صحف اسبوعية خاصة بالمرأة كتابة وتحريرا ومنها مجلة (المرأة الحديثة) ومجلة (فتاة العراق) وجريدة (فتاة العرب) ومجلة (فتاة الرافدين) ومجلة (الرحاب) ومجلة (الام والطفل) ومجلة (بنت الرشيد) وجريدة (زين) وغيرها.

وجاء الفصل السادس ( المرأة العراقية بعد الحرب العالمية الثانية) وفيه يبين الكاتب تداعيات تدهور الحالة الاقتصادية وانعكاسها على الحالة الاجتماعية بعد الحرب العالمية الثانية وفي المقابل بروز الوعي السياسي العام في البلد ليتبنى الموجة المعادية للفاشية والمطالبة بالديمقراطية وضرورة التعليم للنساء ودور المظاهرات التي شاركت فيها المرأة واعتقلت مثل صبيحة المدرس والتي استشهدت مثل عدوية الفلكي وهنا سلط الكاتب الضوء على حكومة نوري السعيد الذي شن حملة اعتقالات كان هدفها القضاء على الحزب الشيوعي في العراق وراح ضحية ذلك الكثير من النساء والفتيات والشباب وحكموا على الاخريات باحكام ثقيلة بعد ان لاقين التعذيب في سراديب التحقيقات الجنائية على الرغم من تعارض ذلك مع الاعراف والتقاليد. 

تناول الفصل السابع (نضال المرأة العراقية في عقد الخمسينات) وفيها تنامى الشعور الوطني ودخلت المرأة بقوة في المعترك السياسي  لاداء مهمات وطنية الى جانب الرجل، فتأسست رابطة الدفاع عن حقوق المرأة (رابطة المرأة العراقية) وهو تنظيم اسسه الحزب الشيوعي في ظل الزخم المتصاعد للحركة الوطنية وكانت هناك مشاركات مهمة لهذه الرابطة على الصعيد الدولي،  ومن ثم اصدار مجلة سرية برئاسة تحرير الدكتورة (نزيهة الدليمي) تحت مسمى جريدة “حقوق المرأة” وكانت تعبر عن وجهات نظر مهمة في جميع القضايا واصبحت فيما بعد صلة الارتباط بين مركز الرابطة وفروعها التي تشكلت في معظم المدن العراقية.

اما في الفصل الاخير فقد بسط لنا الكاتب (تطورات حقوق المرأة السياسية) وفيه بيّن لنا كيفية اكتساب المرأة العربية الحق في التصويت والترشيح للانتخابات وهذا يعود الى منتصف القرن العشرين بحسب الدراسات الحديثة الصادرة عن الامم المتحدة ، وبين الكاتب ان العراق يعد متأخرا في هذا الجانب فقد منح هذا الحق للمرأة في عام 1980 وقد ثبت الكاتب سنة ظهوره في باقي البلدان العربية مثل لبنان وسوريا ومصر وهناك بعض الدول لم تكتسبه الا في الاونة الاخيرة اي بعد مضي سنوات على الالفية الثالثة.  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*منشورات اتحاد الادباء والكتاب في العراق- بغداد 2022.  

عرض مقالات: