اخر الاخبار

يجمع د. معتز عناد غزوان في كتابه “الفن والتصميم” نظريات عدة ثم يتبعه بنسق اجرائي، تداولي متبادل مع (المتلقي) بمعان مفهومة واضحة- فالمصمم بمستطاعه تحويل وقائع الحياة اليومية الى تشكيل فني معرفي متفاعلاً مع العلمي- التقني ومتواصلاً مع طابع وجداني- انفعالي مع المتلقين، بابتكار وتواصل فعال مع البيئة (المحيط).

بمقاربة الحقيقة بمخيال فني حر، اذ بإمكان المصمم ان يفيد من الرمز والطلاسم والتعاويذ والاساطير والملاحم، ويعيد انتاجها في البعد الخاص بسعادة البشر ومستقبله في الخير والحرية او بخلاف ذلك حين يسيس النازيون الفن، لماربهم الاجرامية الخاصة، حين استثمروا (الرمز الهندوسي – سواستيكا) الذي يعني لديهم الخالق الابدي المقدس، فبات رمزاً للشر والمحارق النازية! يصلح هذا الكتاب مجلداً يخص فنون التصميم، والتشكيل، بشكل عام، اذ تجتمع فيه مباحث تخص الاسطورة واخرى تخص فنون الحداثة، وما بعد الحداثة في تصميم جرافيكي ينفتح على تأويلات رقمية في نظرية التواصل والتوصيل، وفن التحكم (السيبراني) وتفاعلية (الانفوميديا)، على مستوى المفاهيم والابعاد والقيم الفنية والمجتمعية والتاريخية والسياسية والدينية، واشكاليات التواصل مع عالمنا المعاصر.

البعد الاجرائي: مسجد السلطان قابوس انموذجاً، تصميم المعماري الدكتور محمد مكية، العمارة بشكل عام، يرتبط بعلاقة مع التصميم الداخلي في خطاب بقيمة زمانية ومكانية، تتواصل فيها الحضارة بجلب التراث في حضور تصميمي معاصر، تتكامل فيه الجماليات مع التواصل (الوظيفي) وانساقها المعاصرة. باستمرار هذا التواصل ما بين المصمم ومستقبلي متلقي العمل الفني بعلاماته واشاراته باستمرار صيرورته- بخطابه البصري (Visual Discourse) مترابط العناصر وبتطور الثقافة (المعاصرة)، وافق تأثيراته من منظور جديد، تصميم علاقة مع الاخر، يتبادلان فيه المعاني وانتقال شفراتها الرمزية بين ثقافات امم مختلفة، في اطار تاريخي، باعتماده التغيير والتأويل الخاص بالظاهرة التصميمية المعينة، بتواصل ذاتي وشخصي واجتماعي وثقافي. وابراز عناصر تركيبية في الاخبار والمعلومة والفهم، باختلاف التلقي وتعدديته بوظائف بصرية وتداولية وجمالية، يشكل هوية العصر الديني الاسلامي، تجاه السمات والخصائص وحقائق الربانية، والكونية والانسانية الحياتية بمنهج ايماني، شمولي برمزيته التجريدية، وعلميته الرياضية ووجوده المحسوس باتصال مع الوجود التراثي الثقافي والحضاري والفكري، من جانب تاريخي، فضلاً عن تواصل البعد العالمي مع المحلي. كما يتطرق المؤلف الى ان الحداثة الغربية، من وجهة نظر رفعة الجادرجي قد تؤدي الى تصادم مع الموروث المعماري العربي، ويمتاز الفضاء الداخلي بانه محدد ومغلق، بدلالة مباشرة. وقد تلازم (الموازائيك) التزيني في الحمامات زمن الفترة الاموية في الشام والاردن، وحسب (غارودي) يمثل المسجد (Mosaic) رمزية الصلاة والعلاقة مع الله بمقومات قدسية وهو ما يصطلح على زخارفه واشكاله الهندسية المطلقة المسماة بالأرابسك، بإيقاع بصري متكامل وجمالي، بفضاء زماني، حاضر في الذاكرة الجمعية، والمتفاعل مع التقنيات العالمية المعاصرة، اذ حرص الباحث على تصوير الفضاء التصميمي بنفسه.

ثم يتطرق الى الاهوار وبيئتها التاريخية وانعكاساتها في التصميم المعاصر، فالبيئة (Environment) متشكلة من الماء والتربة، وكائنات بشرية وبيولوجية وسيكولوجية، ممثلة للمكان المادي والمعنوي، ومن مصادره يذهب المؤلف الى تتبع الاختام الاسطوانية الخاصة ببيئة الاهوار القديمة في بلاد ما بين النهرين واكواخ القصب... ويرى التأثير التشكيلي، لدى الفنان ماهود احمد الذي يجسد بيئة الاهوار، ومكوناتها وطبيعة تكوينها، وطبيعة الحياة، وما يخص المرأة في الهور، وهن يتحلن بالأساور والخلاخيل واغطية الراس الفضية. وثمة لوحات للهور، مؤيد محسن، وكامل الموسوي، ونوري مصطفى بهجت فضلاً عن تصميم السجاد السومري برموزه الحضارية القديمة، الخاصة بالآلهة عشتار بطابعها المحلي آنذاك، المتواصل مع قصة الحضارة العراقية.

ثم يتطرق الباحث الى الوجود لدى (سارتر) في الذات، الذي هو اساس الشعور بمحيط الفنان، وبشكل اخص، بالمصمم الجرافيكي، ليضفي المعنى على الحياة، حتى ان (برتراند رسل) الفيلسوف اعطى للأحلام اهمية نابعة من احساس المصمم الذاتي في ابداعه، باعتبار الاحلام لغة تؤلفها (الصور) ورمزيتها النابعة من المخيلة. ثم يتابع نسقه التصميمي المتواصل بتنوع اساليب الفنانين، واختلاف (روبنز) عن اسلوب جواد سليم ويعرف بخصائص (الارت نوفو) بخطوطه الانسيابية وشكله النحتي بفطرية تناسب وظيفته. بوصف الاسلوب تعبيراً عن شخصية المصمم، بنمطه واتجاهه وقدراته التأثيرية في المتلقي كما في الملصق الحداثي المعاصر وعلاماته التجارية وشعاراته عن التطبيق المبرزة لأسلوب العمل الجرافيكي من حيث الهوية والاتصال بمنهج وصفي تحليلي مزدان بصور فنية، تخص الملصق وتنوعاته لدى الفنانين المعاصرين الذين استنبط الباحث ما يخص التجربة الذاتية، في الاستعارات الرمزية والعناصر التاريخية، وتنفيذها الرقمي، بأسلوب اخراجي جديد، ثم ينعطف الى تصميم المجوهرات المعاصرة، واشكالها العالمية ، مع ابراز انعكاس سماتها التراثية العراقية بأشكالها ومضامينها ووظائفها، وطرق تشكيل مادتها تناغماً مع الثقافة، المتحكمة اجتماعياً بتنظيم السلوك ومعاييره الاخلاقية القارة، وببعدها التزيني والجمالي والاستخدامي (الحرفي)، لدى شعوب الهند واليابان وافريقيا، والوقف عن وظيفة الاختزال في الملامح الشكلية للمجوهرات برموز طوطمية، واسطورية (ميثولوجية) متوارثة. مع قيم وعادات حياتية (سلوكية)، فضلاً عن سمات ما بعد الحداثة في المفارقة وهجنة الاسلوبيات وغموض المعنى، مع صور متنوعة من بينها فنون تطبيقية – زها حديد.

ويتوقف الباحث عند منجز جبرا ابراهيم جبرا الفني، وآراؤه في التشكيل العربي، متخذاً من سيرته النقدية الحديثة وكتاباته ومنها ما يخص ترجمة مسرحيات (شكسبير) هاملت، ولير، وسواها. ويثبت مشاركته جواد سليم في تأسيس جماعة بغداد للفن الحديث التي تعد حدثاً مفصلياً، في انعطاف الفن التشكيلي العراقي نحو الحداثة والتجريب والابتكار المعاصر، منذ عام 1951، ويبرز اسلوب جبرا مع لوحات لبيكاسو، دالي، موندريان، وعمارة زها حديد، وفرانك لويد رايت، مع اعمال تشكيلية، تضم شاكر حسن ال سعيد، وقحطان عوني، وآخرون، ولوحة قرويات للفنان جبرا ابراهيم جبرا عن علاقة الانسان بالوطن فضلاً عن رسوم تخطيطية للمرأة ومنها (لميعة عباس عمارة) وصورة للفنان جبرا بريشته، وسوق الصفافير، ثم يتصدر مبحثه (جبرا والفن الحديث) ترأسه رابطة نقاد الفن، وقدم دراسات مهمة تشكيلية عن جواد سليم ونصب الحرية عام 1974، وجذور الفن العراقي عام 1980، والفن والعلم والعقل عام 1986، وكتب عن فائق حسن وسواه من الرواد التشكيليين في العراق، مثل اسماعيل الشيخلي وعلاء بشير وكاظم حيدر، وفرج عبو ومحمد غني حكمت. وكتب ايضا عن اشكال فنية منتقاة من منمنمات الواسطي في القرن الثالث عشر وكذلك ثيمات متواترة اخرى واشكال فنية اوروبية بتكويناتها الزخرفية والوانها واشكالها المؤطرة جمالياً.

وتابع الباحث اشكاليات الترجمة في ادراك الخطاب الجرافيكي السياسي، ونصوصه وعباراته المكتوبة الخاصة بمعضلة ايصال المعاني ودلالاتها، وعناصرها التيبوجرافيكية في الخطاب الفني وتحديد ماهية الحدث واهدافه وادراكه، حسياً ومجرداً، وكلياً، وعلاقة اللغة باللسان وبالفرد والمجتمع. فالكتابة في الرسم تشرح تأملها في خطاب اللوحة البصري ببعده السياسي، وتحليل الفنان للحدث في مخاطبة المتلقي، ويبقى للزمان والمكان دوراً مركزياً في التأويل والتحليل للعمل الفني. في خطابه الجرافيكي السياسي بعناصره المنظمة بصرياً (تيبوجرافيا) الذي امتد الى آليات رقمية ايضا، ومن ثم صراع القديم والجديد، وصراع الهويات، وصراع المناهج والمدارس الفنية، ومفهوم المعاصرة، وكذلك ما اراد الباحث من تعريف (ادوارد سعيد) للثقافة واستشراف المستقبل لدى المثقف ودور التقنيات الفنية والعلمية المعاصرة، والانفوميديا الرقمية، في الاتصال على شبكة الانترنيت، في تداولية الاعلانات التجارية- التفاعلية، بتكنولوجيا متطورة، في فضاء تحولات الفنون البصرية ببعد فكري عالمي، حداثوي، يكشف عن مبادئ فنية متفردة، ومتميزة من سواها من مجالات الثقافة الاخرى.  كالذي يثبته مثلاً اعمال (آندي وارهول) الفنية وما بعد الحداثة، في النصف الثاني من القرن العشرين، في خصائص ظاهراتية وجوهرية يتم تحليلها وتفكيكها في تحولات الخطاب وتعددية اساليبه وتشظياته، وصراع الهويات وتلاقحها، ومغامراتها اللونية والشكلانية، كأن يكون ملصق لفيلم مثير ببعده العالمي، بغموضه وتعقيداته احيانا، وربما اعتقد (سانتيانا) بان الغريزة الجنسية تحقق نمطاً من الاحساس الجمالي بتمثيلها لديمومة الحياة، وهذا ما دفع فن الاعلان وسواه من الفنون بشكل عام وباختلاف اشكالها يخصص مجالاً واسعاً من انشطتها الفنية لهذه العلاقة الخاصة بالمرأة والرجل.  

عرض مقالات: