اخر الاخبار

يعتمد التفكيك على الهدم والبناء، وكذلك على نسف النصوص التي تعاني من هبوطها، لذلك لو دخلنا إلى التأويل ومن ثمّ التفكيك، فسوف نكون في منطقة من المعاني العميقة والهياكل السيميائية المتغيرة بواسطة نصّ الكلمات، فالكلمة نصّ مركّب يعتمد الرمزية والتي تجذب الأشياء من خلال التصوّرات ومن ثمّ مقارباتها، لذلك فالأشياء البعيدة تغدو أمامنا صغيرة، والأشياء القريبة تبدو أمامنا كبيرة ومن هنا، جاءت تسمية المنظور الشيئي. وهي إحدى حالات الفنّ والفنّ التجريدي وكذلك الفنّ الكلاسيكي الذي يعتمد على منظور الأشياء وتعامدها، ويكون التعامد (كلّ شيء عمودي في الطبيعة ينقل عمودياً على اللوحة)، ومن خلال هذه الأمثلة تتعيّن أمامنا المقاربات الفنية والتي لها الركائز في تثبيت المعاني أو نسفها في حالة التشييد والبناء وهنا، تختلف الحالة بين الهدم والبناء. في المنظور التفكيكي هناك جزء معتمد ضمن فلسفة الاختلاف، ولكن بما إنّنا في موضوع التأويل، فأنّنا في الوقت نفسه ننقاد إلى الدوال، وأهمها الدال المملوء الذي يتقبّل التأويل، وكلّ دال لا يتقبّل التأويل يعد من الدوال الفارغة، لذلك لو نظرنا إلى العالم فسوف نرى أنّه يشكّل النصّ الكبير (فإنّ هذا العالم الذي تغزوه الذاتيات ويحكمه مبدأ التدليل الكوني، ينتج انزلاقات « دلالية « لا تتوقف، ومن ثمّ فأنّه يحيل إلى أيّ مدلول. فما دام مدلول كلمة أو شيء ليس سوى كلمة أخرى أو شيء آخر، فإنّ أيّ شيء ليس سوى إحالة مبهمة إلى شيء آخر. ولهذا السبب، فإنّ مدلول نصّ ما قضية لا أهمّية لها، والمدلول النهائي سرّ يستعصي على الإدراك. « 1 «). يتبنّى النهج التفكيكي الذي طوره وأضاف إليه جاك دريدا في النصف الثاني من القرن العشرين، وجهة نظر تفكيكية حيث نجد اللغة مركبة ومتشعّبة وأنّها لا تحوي على معاني ثابتة، لذلك سننساق خلف بعض النقاط والتي تتضمّن مفاهيم التأويل التفكيكي:

الناقد الجديد: عن طريق التفكيك تظهر وسائل جديدة في التعاطي بين المحتوى النصّي والعلاقات الخارجية، ومن هنا، نتبين ان التجدّد النقدي في البناء النصّي، يقودنا إلى ما هو أسمى إلى الاختلاف والاختلاف اللغوي والغوص في العناصر النصّية. كما يشكّل النقد في التفكيكية، اللعبة اللغوية لفنّ الكلام، ولهذه اللعبة أسسها وأوهامها وكذلك مبادئها التي تشكّل النظام الجديد في المنظور النقدي، وأقوى تعرية للمفاهيم، هي المفاهيم البنائية كما ان (التفكيكية في بعض أجزائها ردّ فعل حذر لميل الفكر البنائي إلى استئناس تبصّراته وتأهيلها لتكون في مستوى فهم العامة. فهذا جاك دريدا يكرّس أقوى مقالاته لمهمّة تعرية أحد مفاهيم البنائية، الأمر الذي يخدم تجميد لعبة المعنى في السياق وقَصره على نطاق طيّع هيّن فقط « 2 «). التأويل متعدّد الاتجاهات: يركّز التأويل التفكيكي على أنّ للكلمات والنصوص مجموعة متنوّعة من المعاني المحتملة وأنّ هذه المعاني تعتمد على السياق والإطار الذي يتمّ فيهما استخدامها. كأن يكون التأويل باتجاه الأشياء والأفكار المبتكرة في الذهنية، أو جذب الاستعارة والاستعارة البيضاء والعمل على تدجينها باتجاهات ومعرفة نصّية، لذلك تصبح جزءاً من أجزاء النصّ وأحد عناصره.

الكلمة والبنية: تركّز التأويلية على أنّ الكلمة تشكّل نصّاً، ومن هنا، من الممكن أن نقول بأنّها النصّ الناقص، وهو في الوقت نفسه؛ التأويل الناقص، حيث تعوم الكلمة على بقعة بلا معين، وأهمّ إعانة لها هو علاقاتها مع أحد الأفعال الحركية، حيث يبدأ التركيب النصّي المصغّر.

إنّ التراكيب النصّية والتي تقودنا إلى البنية الكبرى، هي عبارة عن بنى صغيرة، تنساق خلف الأنساق ومعانيها، فالكلمة العارية لا يمكنها أن تكون نصّاً مجرداً.. ويميّزها المشهد الكلّي. (فالنصّ جملة من العناصر تترابط بتوفر الروابط التركيبية والروابط الزمانية وكذلك الروابط الإحالية، فلا يكاد نصّ يخلو من ضمير عائد أو اسم إشارة أو غيرها من المعوّضات؛ وهذا أمر يسّرته وظيفة الذاكرة البشرية، التي يمكنها أن تختزن آثار الألفاظ السابقة وتقارن بينها وبين العناصر الإحالية الواردة بعدها أو قبلها فتحللها بنجاح دون ضير في التواصل. « 3 «).  إنّ بنية الكلمة تساوي بنية النصّ في حالة دمجهما بالعلاقات النصّية، وذلك لكي تصبح عنصراً من عناصر النصّ، وفي هذه الحالة ستتعلق بالزمنية وهي زمنية العناصر النصّية. الترابط والتشابك اللغوي: يركّز التأويل التفكيكي على الدراسة العميقة للروابط بين الكلمات من جهة، وبين العبارات والبنى النصّية من جهة أخرى، ولكن تبقى هذه المهام والمفاهيم في إطار النصّ. يعتبر أنّ كلمات النصّ متشابكة معاً لتشكيل معاني معقدة ومتداخلة. كما تعتبر البنية متوازية مع المعنى في المنظور اللغوي، وهذا يعني أنّه التشابك الأوّل، أمّا التشابك الثاني، فهو الاتّجاه الدلالي بين مستوى البنية والمستوى الدلالي، حيث أنّ المستوى الدلالي يمتلك خاصّية المعاني. في منظور التأويل التفكيكي، يأتي الترابط والتشابك اللغوي كأحد الأسس الأساسية التي يميّز هذا المنهج الفلسفي. والذي يتمثل في الترابط والعلاقات بين الكلمات والعبارات التي تشكّل حركة نصّية داخل النصّ، وهو التفعيل النصّي؛ بينما يشير التشابك إلى الصلات العميقة والتشبيهات بين مختلف العناصر اللغوية. يظهر الترابط من خلال تفكيك العلاقات بين الكلمات والجمل في النصّ، ويتضمّن ذلك دراسة الأنماط المتكرّرة والمواضع التي يظهر فيهما مفهوم معيّن، ومن الممكن أن يكشف عن معاني متعدّدة وتوجّهات مفهومية مختلفة تحملها النصوص. أمّا التشابك اللغوي، فيأتي نتيجة فحص العناصر اللغوية وكيفية تشابكها وتشبيهها ويمكن أن يكشف التفكيك عن تواجد أنماط أو هياكل متشابهة بين مكوّنات النص، وهو ما يساهم في إبراز الأفكار الأساسية التي يحملها.

من المهمّ أيضاً أن نشير إلى أنّ هذه الأسس لا تقتصر على الكلمات والجمل، بل يمكن تطبيقها أيضاً على الرموز والرموز اللغوية الأخرى التي قد تظهر في النصوص.

الانعطافات والمفاجآت: يعد التأويل التفكيكي النصوص بوصفها تحوي على انعطافات غير متوقعة ومفاجآت غير متوقعة، وأنّ الكلمات يمكن أن تأخذ معاني غير مألوفة أو تتحوّل في معانيها تبعاً للسياق.

ـــــــــــــــــــــــــــ

1 - التأويل بين السيميائيات والتفكيكية – ص 119 – أمبرتو إيكو – ترجمة وتقديم: سعيد بنكَراد.

2 - التفكيكية، النظرية والممارسة – ص 22 – كريستوفر نوريس – ترجمة: د. صبري محمد حسن

3 - نسيج النصّ، بحث فيما يكون الملفوظ فيه نصّاً – ص 121 – الأزهر الزناد – تونس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب عراقي يقيم في الدنمارك.

عرض مقالات: