اخر الاخبار

بعد هذا العرض عن الحركات الثورية الطلابية التي يطلق عليها أحيانا (غضبة الطلاب) والتي تعود أسبابها الى عوامل داخلية وخارجية ويمكن النظر اليها عن طريق:

  1. شغلت الحركات االطلابية عدد كبير من كتّاب العالم وفي مقدمتهم كتّاب فرنسا منهم(سارتر وماركوزو فوكو...) وعالم الاجتماع الأمريكي سي. رايت ميلز - الذي ساعدت كتابته في تقديم “رسالة إلى اليسار الجديد” عام 1960 في إقامة اتصالات عبر المحيط الأطلسي داخل الوسط - ألهم الأمل في إمكانية حدوث ذلك التغيير. فضلاً عما سبقه من مواقف منها بيان (29 سبتمبر 1960) حيث شهد هذا البيان توقيع (121) شخصية فرنسية بارزة، تلتها لأئحة ثانية موقعة من قبل أربعين فرنسي يضاف الى اللائحتين ثمانية عشر توقيع ، ينددون جميعاً بأستمرار الحرب في الجزائر ويحرضون الشباب الفرنسي المجند على العصيان ،مما ادى الى توقيع مثقفين اخرين على ما سمي بـ ( بيان المثقفين الفرنسين ) في 7أكتوبر 1960 حيث أتهموا فيها المثقفين الأولين بالخيانة.
  2. ساعد اليسار الجديد في تعبئة الرأي العام حول قضايا مثل الحقوق المدنية، والفقر الحضري، وسباق التسلح، والحرب وتنظيم المشاريع الخاصة، وتحويل الإنفاق من الأسلحة إلى الاحتياجات المحلية، وتوسيع المشاركة الديمقراطية في أماكن العمل وصنع السياسات العامة، ودعم حركات إنهاء الاستعمار، وتعزيز الحقوق المدنية من دعاة الفصل العنصري.
  3. بدأت المعارضة للحرب، مع تصاعد التدخل الأمريكي في حرب فيتنام، والتي أصبح يُنظر إليها على أنها الرمز الشامل لإمبريالية الحرب الباردة، وأصبح التركيز الرئيسي للناشطين الأمريكيين ونظرائهم في أماكن أخرى. وتجنبت حركات اليسار الجديد عمومًا الأشكال التقليدية للتنظيم السياسي لصالح استراتيجيات الاحتجاج الجماهيري، والعمل المباشر، والعصيان المدني. تم الوصول إلى ذروة نشاط اليسار الجديد في عام 1968.
  4. تصاعد سياسة الفصل العنصري في الولايات المتحدة هي التي قادت الرجل الأسود الى ان يتطلع نحو مستلزمات الحياة المادية التي يتمتع بها الرجل الأبيض ، فقد قاد الزعيم الزنجي القس مارتن لوثر كنغ عام 1963وأبناء جنسه الى ثورة سلمية أدت الى اقرار حقوق الرجل الاسود في الأنتخابات والعمل والمدرسة في ما سمي آنذاك (وثيقة الحقوق المدنية)في تموز 1964 لكن الوثيقة بقيت حبرا على ورق.

لم تحتل القضية الفلسطينية أولوية النشاطات الكبرى الا بشكل مرحلي  وقتي و لم تأخذ بعدا كبيرا. فتعد ثورة الزنوج  التي حدثت في القرن الحادي والعشرين ورافقت وباء كورونا وهي سلسلة امتداداتها تعود لاكثر من قرن ، فأن الثورات مستمرة ولها مشتركات وخصائص متقاربة وان لم نقل أنها واحدة. فسلسلة الاحتجاجات والاضطرابات التي عرفت بـ(احتجاجات جورج فلويد George Floyd protests ) التى بدأت في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا في الولايات المتحدة في يوم 26 مايو 2020. بدأت الاحتجاجات كرد فعل على مقتل جورج فلويد، وهو أمريكي من أصل أفريقي في السادسة والأربعين من عمره، الذي تُوفي أثناء عملية اعتقال، وذلك بعد أن ركع ديريك شوفين، ضابط بقسم شرطة مينيابوليس، على رقبة فلويد ، في حين كان ينظر إليه ثلاثة ضباط آخرين. فكتبت ريبيكا سبانج في سلسلة مقالات في مجلة “ذا أتلانتيك” Atlantic The ان الصور الثورية موجودة في كل مكان. ولكن التغيير البنيوي الحقيقي ينطوي على ما هو أكثر من مجرد إسقاط التماثيل، وما يحدث بعد ذلك هو مسألة صدفة. مع بدء الوباء العالمي والأزمة الاقتصادية المفاجئة وكانا خطيرين بما يكفي للإشارة إلى أن شيئًا ما - إن لم يكن ثورة، فعلى الأقل بوادر حقبة ثورية - كان على وشك الحدوث. اكتسبت الثورة ضد الوضع الراهن بعد فيروس كورونا المزيد من القوة. وخرجت حشود تهتف “حياة السود مهمة” و”كفى كفى” في مسيرات في جميع أنحاء البلاد. فقد أسقطت التماثيل، وأعيدت تسمية المباني، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الرأي العام قد تحول بسرعة غير مسبوقة تقريبا. لقد عادت صورة التظاهرات (في اواسط نيسان 2024) فكان وقع الحركات الطلابية كبيرا في الجامعات الامريكية التي جاءت على خلفية شن الحرب المدمرة لأسرائيل على قطاع غزة وتصاعدت التوترات في الجامعات الأمريكية على خلفية تداعيات احداث في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فبعد التأييد (الامريكي –الغربي)  الكامل لسياسات اسرائيل في التعامل مع قضايا الشرق الاوسط المتعددة ولاسيما باستخدام (القوة والعنف) نجد اضطرابات واحتجاجات الجامعات الامريكية المختلفة ضد الحرب المدمرة التي تشنها اسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين . فقد أقيمت مخيمات الاحتجاج في أكثر من 80 حرم جامعي في جميع أنحاء الولايات المتحدة ،و مع اندلاع الاضطرابات  كان تدخل الشرطة لإخلاء المتظاهرين في جامعات كولومبيا وحرم كوني و جامعة جورج واشنطن و جامعة فوردهام، نيويورك و جامعة ويسكونسن، ماديسون و جامعة أريزونا، توسون جامعة تكساس، دالاس و جامعة تولين في نيو أورليانز، لويزيانا... ولاتختلف الصورة عن بقية الجامعات الامريكية التي تناقلت أخبارها وكالات الاخبار العالمية الغربية في نقل صور تتضمن(اعتقال أعضاء هيئة التدريس من قبل الشرطة وهم يرتدون معدات مكافحة الشغب.وأطلق الشرطة الغاز المسيل للدموع وضرب الطلاب بالهراوات لإجبارهم على التفرق واستخدام الشرطة لكرات الفلفل والرصاص المطاطي في تفريق الاحتجاج.)

كانت المطاليب من قبل طلبة جامعة كولومبيا لنزع العنصرية (CUAD)، وهو تحالف يقوده الطلاب ويضم أكثر من 100 منظمة، بما في ذلك طلاب من أجل العدالة في فلسطين والصوت اليهودي من أجل السلام، للاحتجاج على ما وصفوه بـ “الاستثمار المالي المستمر للجامعة في الشركات”. التي تستفيد منه اسرائيل في سياسة الفصل العنصري الإسرائيلي والإبادة الجماعية والاحتلال العسكري لفلسطين. ويطرح المتظاهرون في جامعات أخرى مطالب مماثلة، ويدعون الجامعات إلى سحب استثماراتها من الشركات التي تبيع الأسلحة ومعدات البناء والخدمات التكنولوجية وغيرها من العناصر إلى إسرائيل.

وقد تميزت هذه التظاهرات بالنقاط الاتية:

  1. تضامن أساتذة الجامعة :في محاولة لإظهار تضامنهم مع الطلاب الذين نصبوا خياما في حرم عدد من الجامعات ونظموا نشاطات تضامنية مع فلسطين وقطاع غزة بعيدا عن أي تهديد بالعنف أو تعطيل للدراسة حسبما أوردت وسائل إعلام أمريكية.
  2. اتساع نطاق التظاهرات: لم تتوقف التظاهرات على جامعة كولومبيا بل في بحر أيام قليلة امتدت التظاهرات الطلابية لتشمل الأراضي الأمريكية طولا وعرضا. وانتقلت إلى أكثر من أربع وعشرين جامعة أمريكية، شملت مؤسسات رائدة منها هارفارد وييل وبوسطن ومعهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا في الشمال الشرقي، مرورا بجامعات برينستن وبراون وكولومبيا ونيويورك وجورج واشنطن على الساحل الشرقي وفي انتشار غير مسبوق، امتدت تلك التظاهرات لتطال ثلاث جامعات في كل من دالاس وسانت أنتونيو وأوستين بولاية تكساس الجنوبية.
  3. يطالب المتظاهرون ( طلاب الجامعات ) بوقف إطلاق النار في غزة وقطع الاستثمارات المالية المستمرة للجامعة في الشركات التي تدعم الجهد العسكري الإسرائيلي في غزة بل وقطع كل علاقاتها مع إسرائيل في بعض الحالات. ونظمت تلك الاحتجاجات تحالفات مجموعات طلابية مستقلة عن بعضها إلى حد كبير. كان القاسم المشترك بين هذه الاحتجاجات هو رفع المتظاهرين شعارات مؤيدة للفلسطينيين ومطالب بإنهاء أعمال قتل المدنيين في غزة، ووقف الدعم العسكري والمالي والسياسي الأمريكي لإسرائيل.
  4. الموقف الحكومي أزاء التظاهرات: تضمن هذا الموقف طغيان لغة التهديد منها في جامعة تكساس بمدينة أوستن حيث قال شيريدان نولن، المتحدث باسم إدارة السلامة العامة في الولاية في تغريدة على منصة إكس “إن المتظاهرين مكانهم السجن، وإن أي طالب ينضم إلى تلك الاحتجاجات المليئة بالكراهية و(معاداة السامية) في أي كلية عامة أو جامعة في الولاية يجب طرده.”.
  5. ساعدت وسائل التواصل في نقل الصورة الحقيقية لممارسات اسرائيل في الابادة الجماعية للمدنيين وأعمال العنف التي تمارسها في غزة مما ادى الى سهولة تواصل المتظاهرين والمتعاطفين مع الشعب الفلسطيني، ونشر الأزمة عبر الرسائل الانسانية عن حجم الابادة بنشر الفيديوهات إلى المجتمع الدولي  وتقويض شعارات (معاداة السامية ) التي ظلت اسرائيل تتذرع بها منذ نشأتها عن طريق البث الحي  والذي تضمن:

- تسهيل وسائل التواصل الاجتماعي الاتصال والتعاون بين الناس ،وكثيراً ما تتطلب مجهودات حشد المصادر أناساً لم يعملوا معاً من قبل؛ وذلك لحل المهمات المعقدة، و تندمج وسائل التواصل الاجتماعي بمواقع حشد المصادر أو المنصات والذي يقدم التعاون الهائل والأدوات الموجودة لدى وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

- استخدام الفيديوهات والصور والتسجيلات وكثير من طرق الاتصال الأخرى لجذب وإثارة المستخدمين المحتملين.فتمكنت  وسائل التواصل الاجتماعي من الوصول إلى أكبر عدد من الناس، لأن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي موجود تقريباً في كل العالم، ويؤكد أن معظم الناس سوف يعلمون بالجهود المعلنة وبالطبع سوف يشاركون في هذا بنشر متعدد ايضاً.

واخيرا: تعد هذه الجامعات التي شهدت التظاهرات من الجامعات العريقة التي تمثل النخبة ممن سيحتلون مراكز النخبة الحاكمة وصنع القرار في مجالات السلطة والمال . ان عموم السياسات الامريكية تقوم على صنع القرار من الأعلى الى القاعدة في الأسفل فما يفكر به أصحاب السلطة والمال  في الأعلى يصبح قانون وينزل بوصفه قانون على الجميع تطبيقه ، فهل ستقود هذه التظاهرات الى ان يكون القرار من القاعدة ويجب ان يطبق في أعلى ؟ فالوقت مبكر جدا لجزم الجواب والمستقبل يحمل احتمالات كثيرة ولاسيما مع نقل هذه التظاهرات الى دول اوربية عديدة. وهل ستنضم فئات أخرى الى التظاهرات وكما وُجد آلان باديو في معنى (مايو 68) في وقتٍ واحد، ثلاثة «مايو 68» مختلفين. علاوةً على مايو رابعٍ،. بين ثلاث سيروراتٍ بالغة التنافر في النهاية.  لنُسمِّها على الفور: (الاول) مايو 68 الطلاب والتلاميذ. (الثاني) مايو 68 العمّالي. (الثالث) مايو 68 الليبرتاري. ؟ هذا ما يمكن النظر اليه مستقبلاً.

عرض مقالات: