اخر الاخبار

في قراءة حديثة للحركات الثورية يطرح المفكر اليساري الفرنسي (آلان باديو) في كتابه “لغز مايو 68/ لنا الحق في التمرد”  والصادر عام 2018. وضمن تساؤلات بصيغ ادبية في معنى انتفاضة 1968 في فرنسا طرحها بعد خمسين عاما على انفجارها يناقش (آلان باديو) احداث الحركة الثورية حيث يعرف آلان باديو الحركات الثورية في ستينيات القرن الماضي ولاسيما في فرنسا في مايو /1968، هي تمرُّد لأخلاقياتٍ جديدة ضد العالم القديم، بوصفه مَقدِمًا للنزعة النسوية، بوصفه إنتاجًا تمهيديًا للتحرر الأخلاقي، ووداعًا غَسَقيًا للطبقة العاملة، وآخر اليوتوبيات، بوصفه تحرراً جنسيًا، وتاريخًا نرقُصه على أنغام موسيقى الروك، ، وألعابًا نارية نقابية قبل خمودِ النيران، وتمردًا مناهضًا ـ للسلطة، ومنفذًا للمراهقين القادمين من ازدهار ـ المواليد بعد الحرب، وواقعَ الموضة بين الشَعر الطويل والتنورات القصيرة [الميني ـ جوب]، وإدماجًا للطبقة العاملة في مجتمع الاستهلاك، بوصفه رفضًا لمجتمع الاستهلاك من جانب المستهلكين، واستدارةً للعبور من بنيوية ألتوسير إلى حيوية جيل دولوز، وبدايةَ النهايةِ للحرب الباردة. فما هي أسباب الحركات الثورية الطلابية؟ التي يمكن تقسيمها الى العوامل الداخلية والعوامل الخارجية ، وما هي العوامل الداخلية التي جاءت بها:

  1. فسر بعض الكتاب التمرد الطلابي على أنه شكل من أشكال المعركة بين الأجيال، أو ثورة أوديبية للأبناء ضد آبائهم ولم تفسر هذه النظرية غير التاريخية سبب احتشاد الطلاب في الحرم الجامعي اعتبارًا من عام 1964 فصاعدًا ، لأن الحوافز الأوديبية من المفترض أنها أكثر عالمية. علاوة على ذلك، أشارت الدراسات الاستقصائية للطلاب الذين شاركوا في هذه الثورات إلى أن آباءهم كانوا على الأرجح لديهم خلفيات ليبرالية أو راديكالية، وأن يكونوا في الواقع داعمين نسبيًا لجنوح أبنائهم السياسي.
  2. لم تكن الظروف المادية السيئة التي يعيشها العديد من الطلاب في الجامعات سريعة التوسع دفعتهم إلى الثورة. فهناك تساؤلات حول حقوقهم المدنية والسياسية وحقوق الآخرين، ذلك أن عددًا من التحولات بدأت بالحدوث وشكلت واقعاً مختلفاً و بدأ نمط الحياة ومستويات المعيشة في التزايد بشكل حاد وجديد حيث بدأت ظاهرة تسمى “النزعة الاستهلاكية” في إحداث تأثيرها. وربما تعد الميزة الأكثر تميزا في هذا العقد قادت سلسلة من الاحتجاجات والمواجهات السياسية المكثفة والعنيفة.
  3. ان تغير النظام الاقتصادي اثر على النظام التعليمي وغير القوى الفاعلة الأخرى في ذلك الوقت، فكانت فرنسا (مثلا) بحاجة إلى عمال تقنيين وباحثين للمنافسة في السوق العالمية. وقد انفجر عدد طلاب الجامعات، من 60 ألف طالب من إجمالي عدد السكان الفرنسيين البالغ 42 مليون نسمة قبل الحرب العالمية الثانية، إلى 500 ألف طالب من إجمالي عدد السكان البالغ 50 مليونًا. ومع الانفجار الكمي حدث تحول في الجودة. أدى التوسع الاقتصادي والتغيرات في التعليم إلى التحاق المزيد من الأطفال من عائلات الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة الدنيا بالجامعات. ولا تزال عدم المساواة في الانظمة الرأسمالية تمنع الكثيرين من الالتحاق بالتعليم العالي، ولكن قبل الحرب، كان واحد فقط من بين كل مائة ابن وبنات من الطبقة العاملة قد وصل إلى الكلية قبل الحرب، وبحلول عام 1968 كان ما يقرب من واحد من كل عشرة قد وصل إليها.
  4. أثار ارتفاع معدلات البطالة مخاوف جدية لدى الطلاب بشأن العثور على وظائف بعد التخرج من الجامعة، بالنسبة لأولئك الذين تمكنوا حتى من التخرج. كما فشل سبعون بالمائة من طلاب الجامعات الفرنسية في إكمال دراستهم، وكان 40 بالمائة من العاطلين عن العمل البالغ عددهم 450 ألفًا تقريبًا تحت سن الخامسة والعشرين.

اما العوامل الخارجية فيمكن تقسيمها وعلى وفق الدول التي اندلعت فيها التظاهرات الطلابية ومن ابرزها هي:

  1. لم يكن الشباب ينظرون فقط إلى مشاكل الحرم الجامعي الخاصة بهم، بل امتدت رؤيتهم السياسية وغضبهم خارج الحرم الجامعي وفي جميع أنحاء العالم. وبينما كانت الإمبريالية الفرنسية تقاتل من أجل سحق جبهة التحرير الوطني الجزائرية، ولعب شباب فرنسا دورا قياديا في التنظيم ضد الحرب. ففي أكتوبر 1960، حشدت قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة عشرة آلاف شخص للاحتجاج في الحي اللاتيني. وبينما كان صرافو التأشيرات البالغون ينقلون النقود عبر فرنسا لصالح جبهة التحرير الوطني، حثت منظمة الشباب على رفض التجنيد بين الشباب. ونظم ثمانية آلاف طالب باريسي أمام اللجان الجامعية المناهضة للفاشية (FAU) ضد منظمة الجيش السري الإرهابية اليمينية المتطرفة (OAS). بعد انتهاء الحرب الجزائرية في مارس 1962 بانتصار جبهة التحرير الوطني واستقلال البلاد، تحول الاهتمام إلى حرب الولايات المتحدة في فيتنام، وهي مستعمرة فرنسية سابقة أخرى.ومن الجزائر إلى عام 1968، تحركت قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة أكثر فأكثر نحو اليسار. دفعت مجموعة من الاشتراكيين الكاثوليك الاتحاد إلى السياسة وتعاونوا مع الشباب الشيوعي اليساري في اتحادات كرة القدم الفيدرالية. حصل هذا الفصيل اليساري “المينو” على السيطرة على الاتحاد من الجناح اليميني في مؤتمر سبتمبر 1963، وسعى إلى مواصلة الزخم النضالي من حملاته في حرب الجزائر. وفي حين انخفض عدد الأعضاء من 100.000 في عام 1961 إلى 50.000 بحلول عام 1968، وستقود هذه حركة التظاهرات الطلابية في شهر مايو وتساعد في جذب النقابات العمالية إلى النضال. فكانت هناك أثارة الأسئلة حول حرب أميركا في فيتنام، والطابع الاستبدادي للمؤسسات الاجتماعية بشكل عام. يكتب جينسبورج عن ثورة الطلاب الإيطاليين أن “عام 1968 كان أكثر بكثير من مجرد احتجاج على الظروف السيئة”. لقد كانت ثورة أخلاقية، ومحاولة ملحوظة لتحويل التيار ضد القيم السائدة في ذلك الوقت”.
  2. وفي الولايات المتحدة الامريكية وبحلول منتصف الستينيات كان النشاط قد حصل على موطن قدم في الجامعات الامريكية وازدهرت الاحتجاجات الجماعية مع انضمام عدد لامثيل له من الطلاب الى المساعي الوطنية لإنهاء الممارسات التمييزية ضد الأقليات العنصرية والنساء .كانت ايديولوجيات اليسار الجديد مزدهرة داخل الحرم الجامعي . وبحلول عام 1968 لم يكن من غير المألوف أن تشهد آلاف الطلاب يتظاهرون في الجامعات التي لم يمسها النشاط الجامعي تاريخيا.و مع هذه المشاركة الواسعة داخل الحرم الجامعي جاءت الرغبة المتزايدة من أجل تسريع وتيرة التغيير القابل للقياس ، وبين عامي 1968 و1973 أصبحت الاضطرابات في الحرم الجامعي متقلبة بشكل متزايد مع جهود المقاومة. المقاومة داخل المجتمع الأمريكي الأوسع، فقد تنوعت التنظيمات الطلابية فالطلبة السود شكلوا اتحادات الطلاب السود التي تأثرت بالحركات الراديكالية في منتصف الستينيات والتي تضامنت مع الاتحادات القومية للأقليات المختلفة الاخرى . لقد كان تشكيل موجة جديدة من الطلاب الملونين المشاركين في السياسات الراديكالية وكانت فعلاً حتمياً ورد فعل لأستخدام القوة ومقتل العديد من الطلبة الملونين . كانت مطاليبهم تتعلق بالمناهج الدراسية و أنشاء مراكز ثقافية وتعيين الأساتذة من الملونين (نظام التشغيل) واعادة هيكلة التعليم العليا. وتنظيمات السود تعمل على توحيد المطالب مع (البورتوريكيين والامريكيين الأسيويين والامريكيين الأصليين) .ظلت ممارسة اللاعنف نظرية وليست ممارسة من أجل اصلاح التعليم وقد واجه الطلاب السود (المحاكم والطرد والاعتقالات وأشكال العنف الأخرى).

وقد وجد باديو مايو 68 انتفاضةً وتمرد الشبيبة (الطلبة والتلاميذ) : وتشمل التظاهرات الحاشدة، المتاريس والمعارك مع الشرطة، انتشار صورَ العنف والقمع، وقد تميزت بثلاثَ خصائص هي :

الخاصية الاولى: كانت الانتفاضة في حينها ظاهرةً عالمية. من مكسيكٍ المذابحِ في ميدانٍ عام إلى ألمانيا الهبَّات الطلابية القوية، من صين الثورة الثقافية إلى الولايات المتحدة ذات الحركات ضد حرب فيتنام، من إيطاليا الكيانات المستقلة ذاتيا إلى يابان الجيش الأحمر، من الانتفاضات الإصلاحية في تشيكوسلوفاكيا إلى التمردات الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني، كان الشباب في كل مكان يهبُّ ضد العالم كما أُعيد تأسيسه في نهاية الحربِ العالمية الثانية. إن مايو 68، بمعنى مُكَوِّنه الطلابي، هو التنويعة الفرنسية لظاهرةٍ عالمية.

الخاصية الثانية: كان الطلبة [طلبة الجامعات]، وحتى التلاميذ [تلاميذ المدارس الثانوية]، يمثلون أقليةً بالغة الضآلة من الشباب في مجمله إننا نتحدث عن جزءٍ محدودٍ جدًا، ومتميزٍ بداهةً، من مجموع الشباب، جزءٍ منفصلٍ بقوةٍ عن جمهور الشبابِ الشعبي. وهذا ما يمكن أن يُفسّر أن قسمًا هامًا من حركة الشباب، في مايو 68، هي حرَّكهُ أبناء وبنات البورجوازية، بما في ذلك البورجوازية الكبيرة وانحيازها جماعيا إلى جانب «الديموقراطية»، و«حقوق الإنسان»، و«الحضارة الغربية». تتضح هذه الظاهرة المثيرة للاهتمام حين نتذكر أن الشبيبة الطلابية لمايو 68 كانت نابعةً في غالبيتها من البورجوازية السائدة.

الخاصية الثالثة: قبولٌ جديد للعنف، لمشروعيته، حتى لو لم تُمارِسه في الشارع إلَّا مجموعاتٍ مُنظَّمة ومحدودة. هذا العنف دفاعيٌ بشكلٍ كبير، ضد القمع، ضد قوات الدولة،. وموجَّهةٍ مبدئيا لتغيير الجامعة، لخلق «مجموعات عمل»، للاعتراض على الامتحانات، لنقد “الدرس الأستاذي” من دون مشاركةٍ فعّالة من الطلبة ، ولتغيير البرامج الدراسية بصورةٍ إبداعية وغيرها.

عرض مقالات: