اخر الاخبار

كان تشخيصاً صائباً على وفق مصاديق سياسة الثقافة والمثقفين العرب والشعب العربي يلفه الصمت. كان النواب شعلة ثورية للتحفيز على الواقع الغارق بالعفونة. فهو يصرخ عاليا يقرع اذان المتخاذلين مؤكداً على حقيقته وفكره ومبادئه دالاً بذلك على عمق اصالته وصحة انتساب اصوله الزاخرة بالقيم والأخلاق، فالشاعر هنا يمارس دور المُذّكر المحفز، المحُث، لا ان يتقمص لوناً عنصرياً في التفاضل والتمايز ففي قوله:

هل عرب أنتم؟

و(يزيد) على الشرفة يستعرض اعراض عراياكم

ويوزعهن كلحم الضأنِ

لجيش الردة

هل عرب أنتم؟

والله انا في شك من بغداد الى جدّة

هل عرب أنتم

وأراكم تمتهنون الليلَ

على ارصفة الطرقات الموبوءةِ

أيام الشِدَّة؟!

استفاد النواب من الحقائق التاريخية، وبالأخص الإسلامية منها ضمن التوظيف الدقيق:

انبيك علياً

ما زلنا نتوضأ بالذلِّ ونمسح بالخرقةِ حدَّ السيفْ

ما زلنا نتحجج بالبرد وحرَّ الصيف

ما زالت عورة عمرو بن العاص معاصرةً

وتقبح وجه التاريخ

ما زال كتاب الله يعلق بالرمح العربية!

يقول النواب: ان رجال عصرنا هم رجال عصر الامام علي (ع) انفسهم والذين اتعبوا الامام كثيراً، فعندما اراد القتال على الفئة الباغية تحجج العراقيون آنذاك والموالون للإمام (ع) بالبرد وحرَّ الصيف. ثم استفاد النواب من تضمين حادثة رفع المصاحف في معركة صفين والتي كان من جراء تلك الخدعة انهاء الموقف الايجابي وحسم الانتصار المتوقع للإمام، فالنواب كان ضليعاً بربط التراث بالمعاصرة وقد اراد ان يقول ان حالة الخداع لا زالت مستمرة عند حكام دولنا العربية. كذلك ادخل ضمناً الحقيقة التاريخية في عصر الأمام علي (ع) وهي حالة التحكيم والتي مثل عن الامام فيها ابو موسى الاشعري، الذي لم يكن علياً مقتنعاً فيه، فقد ادخل النواب هذا التضمين الحدّثي ضمن مقدمة لقصيدة «وتريات ليلية»:

أما انا فلا اخلع صاحبي

عاشرته وخبرته وعرفته

ولذا لا اخلع صاحبي

وهنالك العديد من استخدام الآيات القرآنية تضميناً في بعض مقاطع قصائده مضافاً للحدث والموقف والحقيقة التاريخية، فشعره مدرسة جامعة فيها الادب والتاريخ والتي تنمو بنمو الحياة بمجمل الأطر الفنية ضمن قواعد واصول متينة، يشاء لها القدر ان تكون مكتملة المعالم وذلك ما اتضح فعلاً عند دخول النخبة المثقفة من الشعراء في معالم وأدب النواب، فلم يحصل التبادل والتلقيح الفكري بينهما، وانما حصلت حالة التأثير المباشر في شعره، وللأسف الشديد لم يخرج احدهم من طور التقليد في بنية القصيدة الشعرية وما صاحبها من الايقاع النوابي المميز وكأن المتلقي لسماع نتاجاتهم تجتمع له الدراية الكاملة على أنه لون ادبي (نوابي) لا غير وهذا ما يؤسف له من ضياع هوية الشاعر، ولكن بالمقابل تأخذ النخبة احاسيس وصور مختلفة نتيجة الرؤيا الثاقبة لحالة الوعي، يسند كافة احاسيس وعواطف والرؤى الاجتماعية والسياسية، والثورة العارمة من الموسيقى الشعرية المميزة بالاتباع من شعر النواب لذا نرى الخوض في تلك المدرسة هي حالة الغاء هوية الشاعر، اذا لم يكن له متسعاً من خصوصية في اختيار المفردة من اللفظ ذات الدلائل المتعددة، ويكَّنْ يقظاً خشية الوقوع في التقليد، علماً ان النواب يمتلك الخصوصية في الألقاء، مما يعطي ذلك الانسجام التام وإظهار الصور الشعرية وكأنها صور سينمائية، تمتلك الحيوية في الحركة مما يساعد ذلك على اظهار كل الزوايا والخفايا في عمق الغرض الذي اراده، وكذلك التركيز والاهتمام بمخارج الحروف مما يعطي اتمام الغرض المعنوي، انه سيد الموقف المطلق، ولذلك تتم عنده الغاية الادبية، لأن الموقف الفني او الاحساس الفني الذي يحددا بالشاعر الى نظم قصيدته هو الباعث الامل والغاية الأخيرة، ولا نجاح لأي شاعر اذا لم ينقل القارئ الى اجواء ذلك الموقف، على أن يمرّر القارئ في الحالة النفسية التي ارادها واعتمد في صياغتها، ولذلك يؤكد عباس محمود العقاد...[ ان الشاعر الجيد لا يكذب ولا يصف للناس الا ما هو صادق في احساسه، موفق في أدائه]. ومن ذلك تعايش النواب مع الحركات الثورية وغنى لأبطالها، ولم يقتصر على وطنيته الممزقة بجراحات اليمين واليسار، كان أُممياً، انسانياً، ابكته العبودية والتمايز الطبقي، ابكته العنصرية في امريكا اللاتينية، تألم واشفق كثيراً على الطفل العربي في فلسطين، لبنان، العراق، مصر، والسودان كان شجاعاً جسوراً، صديقاً للشهداء، مؤكداً ان دماء الشهداء تكتب التاريخ الصحيح وتعلن الثورة والتغيير:

وطني علمني، علمني

ان حروف التاريخ مزورة... حين تكون بدون دماء

ومؤكداً الشجاعة ونبذ الخوف:

لا أخاف، وكيف يخاف الجسور بطلقته

طلقة كاتمة           

قدمي في الحكومات، في البدء

والنصف والخاتمة

ويعلن النواب تضامنه مع (ناصر بن سعيد) احد السياسيين المعارضين من ابناء الجزيرة العربية.

يا ناصر بن سعيد

اذا كنت حياً بسجنٍ

وان كنت حياً بقبرٍ

فأنت هنا بيننا ثورة عارمة

لقد كان ابطال النواب هم كتبةُ التاريخ بالبطولة والدماء، هم اصحاب المواقف العظيمة المؤثرة. لم يأخذ النواب ابطاله من تيارٍ واحد وفكر واحد واتجاه واحد، لقد استمد النواب ابطاله من التراث ومن المعاصرة، ولكل بطل عمل وموقف عظيم، كان علي (ع) وابو ذر الغفاري والحسين بن علي (ع) وحسين الاهوازي وجيفارا وهوشي منه وخالد الاسلامبولي وناصر بن سعيد وناجي العلي وجميلة ابو حيردو، ويرى النواب (ان هؤلاء الابطال- وبمختلف افكارهم – لهم وجه واحد في روحي) .

لقد مدح النواب ابطاله كثيراً- اغلب ابطاله الشهداء والراحلين- لم يمدح من الأبطال ما هو باقٍ على قيد الحياة، لقد كان ضجراً من هذه الحالة ويستعيبها ولم يستخدمها وسيلة للوصول الى ما وصل اليه من ارفع مستوى في العلاقات الاجتماعية والاحتضان العربي على ارفع مستوى دولي، فقد كان له ذلك من خلال الاستعراض العام للواقع السياسي المرّ وما صاحبه من استخدام الوقاحة في اللفظ المبرح ومن صدقية فائقة لأحاسيسه في تصوير الواقع العربي والوطني حتى احبه الجمهور واخافه الحكام رغم كل اغراءاتهم المادية والمعنوية الا انه يقول:

اضحك ممن يغريني بالسرّج

وهل يسرج في الصبح حصان وحشيّ

ورث الجبهة من معركة (اليرموك)

وعيناه (الحيرة)

والانهار تحارب في جسدي؟

واما ما اشكل على شعره: فهو استخدامه بعض الالفاظ البذيئة، وقد اجاب عن ذلك بـ

(أروني موقفاً أكثر بذاءةً ..ممّا نحن فيه).

وضمن لقاء صحفي في مجلة «الكفاح» عام 1990 (ماذا نقول... (انتهازيون) قليلة...(كلاب) قليلة... ثم هؤلاء الناس الذين تقال بحقهم هذه الكلمات لا تؤثر بهم اصلاً.. ماذا أفعل؟ تقول له (انتهازي)...يفرح، وربما لا يفهم معناها، لكن قل له (ابن الكذا) يفهمها... وتهزه في اعماق اعماقه وجذوره وتاريخه كله... فمع ذلك انا لا استعملها الا جزءاً من بناء فني وليست كشتيمة، هي حالات وجع قصوى لها مكان في بناء فني ثم لماذا يستغربون...؟ لينين كان يقول عن البولنديين الشيء الكثير... عثمان بن عفان كان يقول اكثر مما أقول (مليون مرة) وبالتاريخ كله موجودة هذه الحالة.. كما في اوربا والأدب الاوروبي.

عرض مقالات: