اخر الاخبار

كل الأمم تفتخر بفنانيها ومبدعيها وتضعهم في منزلة خاصة ، ترعاهم الدولة وتهتم بهم الحكومة ، ويحترمهم المجتمع ، بوصفهم من رموز المجتمع العراقي،  وهم مواهب وطاقات متميزة  لن  يتكرروا بسهولة . وقد نص الدستور العراقي في المادة ( 35 ) منه على رعاية الدولة للنشاطات والمؤسسات الثقافية بما يتناسب مع تاريخ العراق الحضاري والثقافي .

هذه الرعاية حرصا من المشرع على دور الثقافة في تنمية المجتمع ، ولأن المؤسسات الثقافية دعامة كبيرة من دعائم بناء المجتمع وتقدمه ، ففي الوقت الذي ينعم به الفنان في كل دول العالم بالرعاية والمكانة اللائقة ، وتتوفر له ظروف الحياة التي تليق به بوصفه موهبة ترعاها الدولة ويحافظ عليها المجتمع ، فأن تبوء تلك المواهب والطاقات المكان الذي يميزها ويرفع من مكانتها  ويجنبها الظروف المهينة والصعبة التي يمكن ان يمر بها ، ويبعد عنها شبح العوز والفقر والنسيان والمرض والإهمال ، فإنها  تعد مهمة وطنية تقف الى جانب المهمات التي تعني بها الحكومة ويساندها المجتمع ٬ وتشكل موقفا يدل على مستوى النضوج الفكري للمجتمع .

وفي خضم الأحداث التي مر بها وخاضها المجتمع العراقي ، كان الفنان العراقي معطاء ومتواجدا يقف برسوخ يساهم في المتغيرات التي تدفع بالمجتمع نحو الأمام ، وبدا التأثير واضحا في عدم الاستقرار السياسي على وضع الفنان العراقي ، وكثيرا ما انتهكت حريته ومكانته بسبب مواقفه السياسية أو الإنسانية ، لينعكس هذا بشكل واضح وجلي على عدم تقدير الفنان ودعمه بما يجعله في منأى من دفعه الى سحق موهبته وايقاف عطاءه الفني او تعطيله او تشريده  او اجباره على الصمت او اضطراره لايجاد وسيلة عيش أخرى  .

في الوقت الذي تتبارى دول العالم لمنح مبدعيها وفنانيها الجوائز المالية والرمزية التي تعبر عن حق الفنان في الرعاية ، فإنها بالتأكيد تعبر ايضا عن تقدير المجتمع لهذه المواهب والطاقات  باعتبارها تشكل ثروة وطنية لن تتكرر بيسر ، ولن يجود بها الزمن بسهولة  ، وفي الوقت الذي تعتمد الحكومات والشركات بدفع  الاجور اللائقة في أعمالهم ٬  نجد التدني في الاجور والمردود المالي القليل الذي لا يلبي حاجة الفنان العراقي في الاعمال التي يقدمها ، والتي لا تليق بهذه المواهب والطاقات  في ظل تصاعد جنوني للأسعار .

والحقيقة المرة التي قد تغيب عن بال العديد من المهتمين بأمور الفن والفنانين ، ان هذه الشريحة المهملة بشكل لا يصدق في بلد يجري من تحته انهار من الثروات ويتبرع بالأموال الى دول اخرى ، في حين ينتشر فنانيه ومبدعيه  لاجئين في مجاهل الأرض ومغترباتها ، ويعيش الأخرين في حال لا تميزهم عن غيرهم بالرغم من كونهم مواهب وطاقات ورموز عراقية نادرة الوجود .

كيف يمكن لنا ان نعيد عطاء قامة مثل قامة يوسف العاني وطعمة التميمي و بدري حسون فريد وخليل شوقي و سليمة خضير وكاظم الساهر وحسين نعمة  او سامي قفطان وفيصل لعيبي وعبد الستار البصري  وابراهيم العبدلي واسماعيل الشيخلي ومائدة نزهت  وحسين نعمه وسامي كمال  وازهر الخميسي وكوكب حمزة  وشذى سالم  وفؤاد سالم وحسن حسني  وانوار عبد الوهاب وغيرهم مما لا تستطيع هذه الفسحة ان تحصر اسماؤهم  ، وأين ذلك الاهتمام الذي يستحقونه  ؟  وأين الرعاية التي يوجبها الدستور على الحكومة لهم ؟ وكيف يمكن لنا ان نعيد عطاء  الراحلين قاسم محمد  ويوسف العاني وسامي عبد الحميد وعبد الهادي مبارك  وشكري العقيدي وعفيفة اسكندر وطعمة التميمي ومحمد غني حكمت وفائق حسن  ورياض احمد وصباح السهل  ومنير بشير  وخليل الرفاعي  واسماعيل فتاح الترك وحافظ الدروبي والرحال  وغيرهم  الكثير  .

كيف يمكن للعراق ان يستعيد كل تلك الطاقات والرموز ويتباهى بها ويحرص عليها  ؟ ونحن لم نستطع ان نعطيها حقها ولا حفظنا لها مكانتها !!  وكيف يمكن لنا نجد بديلا عنها نتباهى به ونقدم اعماله في مهرجانات المسرح والغناء والموسيقى ومعارض الفن الراقي ؟ كم نحتاج من جهد وزمن حتى يمكن ان نجد احدا مثلهم يحل محلهم ويشغل مكانتهم  ؟ وقسم منهم لم يزل بيننا مستمرا بالعطاء ، ولأنه يعتقد بانه يعطي للشعب وللتاريخ ، فيتوجب علينا حقا ان نقف له احتراما واجلالا ،  وان نطالب حكوماتنا أن تهتم بهذه الشريحة الكبيرة والنبيلة ،  وان تكون حياتهم وتقاعدهم متميزا ،  وان  تكون لهم حصة من التماثيل التي تزين ساحات بغداد والمدن العراقية ، فهم نخبنا المثقفة التي نتباهى بها.

عرض مقالات: