د. فاضل سوداني كاتب وممثل ومخرج وباحث من العراق له تجربة جميلة في المسرح كتابة واخراجا وانا اقرأ له مجموعة من المسرحيات التجريبية كنت أتساءل مع نفسي تري من اين يمكنني أن انفذ الي عالم سوداني مسرحيا؟ اذ هناك منافذ كثيرة يمكن فتحها للدخول الي عالمه المسرحي كتابة، واري ان الذي يحاول الوصول الي روح الاعمال المسرحية للدكتور فاضل سوداني لابد أن يكون علي معرفة بثقافة الطقوس وكذا بالشعر.

والشعر لا يعني هنا قصيدة، فالشعر التقليدي الجاهلي الذي وصلنا واستمر معنا في رحلتنا حتى اربعينات القرن الماضي عندها عرف تجديدا داخلياً في روحه بما عرف بقصيدة التفعلية مع روادها الاوائل نازك والسياب بلغته من تطور مع الأجيال اللاحقة وصولاً الي قصيدة النثر وما بعدها.

مسرحياً الكتور فاضل سوداني يعتمد الشعر والصورة وعموده الفقري الطقوسية. فنجده يسمي نصوصه بالطقوس المسرحية فكل نص عنده هو طقس مسرحي على خلاف التسميات الأخري التي يعتمدها عدد من المسرحيين ولمسرح الصورة أرضية في العراق موطن سوداني اذ هناك تجربة الدكتور صلاح قصب في هذا المجال رغم انه اعلن ذات مرة في كتاب له صدر في الكويت انه هو من اوجد مسرح الصورة متجاهلا بذلك جهود الكاتبة الاميريكية بوني مارانكا والتي اشتغلت كثيرا علي هذا المفهوم واصدرت في ذلك كتابا وفيه جاءت تسمية مسرح الصورة وهي أسبق من صلاح ولا يستبعد ان يكون صلاح قد اخذ منها التسمية لينسبها الي نفسه بالرغم من ان هناك حتي في العراق تجارب في هذا المحال سبقت صلاح القصب وربما يكون قد شاهدها في كلية الفنون الجميلة التي كان طالبا بها.ورغم ذلك يبقي هو رائد مسرح الصورة في العراق وربما عربيا كذلك الي حين نتمكن من قراءة تحارب اخري لمسرحيين اخرين في الدول العربية.

اذن يعتمد الدكتور فاضل سوداني في نصوصه المسرحية التي امكننا قراءتها على الطقوس ومن ضمنها الكلمة الشعرية الدالة، كما يعتمد روح المأساة كما عرفها ارسطو وكما قرأناها وتعرفنا عليها عن طريق كتابة فن الشعر. طقوس سوداني المسرحية طقوس وحشية عنيفة اعتمادها الأساسي علي جسد الممثل وقدرته الادائية وصولاً الي جمالية الصورة فالصورة لها دور كبير في هذا العصر. نصوص الدكتور فاضل سوداني المسرحية التي امكنني قراءتها مؤخرا هي اربعة نصوص ضمها كتاب حمل عنوان «الرحلة الضوئية». والنصوص هي:

الرحلة الضوئية وكما يعّرفها الكاتب نفسه «طقس بصري عن ماساة الفنان العالمي فان كوخ.

النزهات الخيالية وتتحدث عن جحيم الفيلسوف عموما وبالذات «كيركيغارد».

اغاني جلجامش عن البطل الإسطوري جلجامش وبحثه عن عشبة الخلود.

النار المتوحشة  وهي عن خيانة الإنسان.

وهكذا يكون الدكتور فاضل سوداني قد اختار بوعي أبطال طقوسه المسرحية بهدف أن يرينا من خلالها المعاناة الإنسانية عند هؤلاء ومن خلالهما الإنسان في كليته الوجودية. فآلام الفنان فان كوخ تشبه آلام الفيلسوف كيركيغارد وتشترك مع آلام ومعاناة جلجامش

ان الباحث عن الخلود على الرغم من أن جلجامش سوداني لا يشبه جلجامش الإسطورة وإن كان يحمل ذات الإسم وإن مساره في نص سوداني ليس هو ذاته في الإسطورة القديمة وتشترك كذلك مع آلام ومعاناة بطل النار المتوحشة الأب الخائن لولده الفار من الجندية ونيران الحرب، فيخون إبنه ويسلمه للسلطة لتقتله، إذن الآلام في الأعمال الأربعة سواء كانت جماعية او فردية هي معاناة إنسانية حقيقية.

 الي جانب ذلك يعتمد د. فاضل سوداني اللغة الشعرية في كتابة حوارات نصوصه الجميلة وتتميز الصورة الشعرية لديه الي جانب الصورة الادائية في اعطاء العمل قوة فنية سمعية بصرية مما يحقق المتعتين في العرض وحتى في القراءة اي متعة الخيال الشعري والصوري، بمعنى أن متعة الاذن ومتعة العين، كلاهما من المتع المطلوب توفرها في اي عرض مسرحي ناجح.

وانت تقرأ اعمال د. فاضل سوداني تدهش وتتمتع في آن واحد، تدهشك لغته الشعرية وتبهرك صوره في طقوسه الادائية، لأنها نصوص مختلفة وتجريبية الي ابعد حدود التجريب وربما هي تجربة فريدة حتي الآن في الحركة المسرحية في البلاد العربية.

عرض مقالات: