اخر الاخبار

 هذه الرواية تقدم شواهد تاريخية على حقبة سياسية عاشها كهول العراق وعانوا منها كثيرا، ثم كان أن لسعته شدتها بالسجن او القتل المجاني  او الابعاد الاداري او الدخول في حومة التشظي والصدام العقائدي بين رجال التجربة السياسية الواحدة. (منازل العطراني) تبدو للوهلة الاولى سجلا لحركة عائلة محمد الخلف الاجتماعية والسياسية، لكنك تلمس  خلال القراءة ان الرواية تقدم رؤيا للتجربة الاجتماعية – السياسية عراقيا بعد قيام انقلاب الزعيم عبد الكريم قاسم على النظام الملكي عام 1958.

يقول العتابي في الورقة الثانية التي سجلها في صفحتي 117-118 بالنص:

((شهدت   مرحلة ما بعد تموز 1958 غياب الممارسة الديمقراطية في ألغاء الدستور وتعطيل البرلمان وتمرير كذبة أنهاء فترة  الأنتقال وأجازة الأحزاب ىسيناريو هزلي من أعداد الزعيم لمصادرة الحريات... الصراع يتصاعد بين قوى موالية وأخرى معارضة وفتح أبواب المعتقلات والسجون بتهم كيدية باطلة واستخدام السلاح في مواجهة الكرد.. السلطة يقودها  العسكر والتجارب التاريخية علمتنا أن الديكتاتوريات يصنعها أولئك)). ثم يتساءل الروائي عن معنى ان يقود ضابط السلطة، حيث قاد نفسه الى حتفه وقاد البلاد الى الهاوية التي أستمرت بصور متعددة.

 الروائي لا يدين الحاكم الفرد فقط بل الاتجاهات السياسية الجماهيرية التي وقفت معه أملا في تغيير ثوري حاسم ثم سقطت في فخ أهواء النزعة الفردية للزعيم الأوحد والتضاد بينه وبين قوى الردة والقوى القومية التي سعت الى ربط مصيرها بعبد الناصر وشعار الوحدة.. في وقت سقط فيه شعار الديمقراطية على يد الحكم الفردي، وسقط شعار الوحدة ولم ينفذ عندما ذبحت القوى الديمقراطية أثر قتل الزعيم  وقياداته صباح 8شباط 1963.

تفاصيل الورقة الثانية التي دونها العتابي كثيرة تجلت في الكثير من صفحات هذه الرواية الجريئة الطرح التي لم يخش كاتبها فضح لعبة الديمقراطية الكاذبة زمن الزعيم، وهو أمر ادى الى أجراء انتخابات نقابة المعلمين كمثال  وانقسام التربويين الى قائمتين: ديمقراطية ( الموحدة) وقومية ( التعليمية) حيث استخدمت قوى الامن الهراوات لمنع المعلمين الديمقراطيين من الوصول الى صناديق الاقتراع أضافة الى الاعتقالات المباشرة والاحالة الى المجالس العسكرية العرفية  والحكم على قيادييها الذين كان منهم المعلم محمد الخلف العطراني معلم مدرسة سويج شجر الذي قذف به  في السجن بتهمة اقلاق السلطة.

 ومن حظي اني كنت واحدا من مرشحي القائمة المهنية في لواء الكوت عام 62 وقد عومل وفد معلمي  الصويرة المنتمين للقائمة المهنية  عند وصولهم مركز الاقتراع في مركز محافظة الكوت باشد انواع القسوة والعسف  من قبل قوى الامن  وفريق القائمة المنافسة، والمؤلف يرصد  هذه التجربة في الكوت كما يرصد تجربة أعتقاله والحكم عليه من قبل المجلس العرفي العسكري بسبب هذا النشاط وسواه.

تبدا الرواية أساسا بفرار محمد الخلف من سحن الكوت يوم سقوط نظام الزعيم الذي وضعه هناك والاف الشخصيات اليسارية قبل قيام انقلاب شباط الذي استلم ما وجده منهم في السجون وتولى محاكمتهم وأعدام الكثير منهم وبينهم الشهيد ابو العيس، ومجاميع الكاظمية والموصل والبصرة وعقرة وسواها من قيادات الحزب الشيوعي وأنصاره.

 من جانب شخصي فقد اقتدت مع سواي من الصويرة الى موقف التسفيرات في مدينة الكوت بعد سقوط نظام الزعيم، عند دخولي الموقف أستقبلني ممثل الحزب الشيوعي في المعتقل وقال لي أنه والأخوة الأخرين معتقلون قبل قيام نظام البعث وفي زمن الزعيم نتيحة مشاركتهم في توزيع منشورات  تطالب بالديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان، وهي ذات التهمة التي وجهت للبطل  محمد الخلف (حسن العتابي) خلال  محاكمته في المجلس العرفي العسكري، وهو ذات المجلس الذي بقى بعد حكم الزعيم الأوحد وتولى رئيسه ذاته العقيد شاكر مدحت السعود محاكمتنا بعد هذا.

 تعد هذه الرواية في الكثير من تفاصيلها وخطوطها العامة جزءا من تاريخي الشخصي، وان كانت أسرة محمد الخلف قد نكبت دوما باعتقال رئيسها وهربه من السجن الى العطرانية، فأن اعتقال خالد بعد هذا وأطلاق سراحه وتواري الاب عن المشهد الخارجي  ومعاناة الزوجة المتصلة   أدى الى لون من العذاب النفسي المتصل توجه بعد هذا أختطاف  ولدهم الشاب (عامر) من الشارع  وسجنه وضياع آثاره لفترة عذاب متصلة حتى أبلغ الأب من قبل السلطة أن ولده  عامر قد أعدم منذ فترة   لمعارضته  للنظام وانهم سيعطونه  شهادة الوفاة بعد حين، دون أن يخبر أحدا أو يقيم مظاهر الحزن والفاتحة.

قمع محمد الخلف مشاعره وهو يواجه زوجته الملتاعة ام الشاب المختطف وزوجته الشابة ولم يخبرهما بشيء.

تبدو الرواية هنا في أشد درجات التوتر دراميا حيث تذهب الزوجة الشابة لمراجعة دائرة الامن المختصة وتواجه بموقفهم المتشنج واعلانهم أنهم أبلغوا والده قبل هذا بحقيقة الامر.. لتبدأ أحزان الأسرة علانية ... مؤلمة شديدة التأثير

كان الاكثر ألما مشهد الام، وهي لاتصدق أعدام ولدها وتعتقد أن القضية مجرد أكذوبة.. وتظل الأم تنتظر ولدها حتى يوم أعلان خروج كل السجناء من سجونهم استعدادا للحرب الوشيكة مع قوى التحالف الدولي.. تظل الباب مفتوحة ليومين بأنتظار المأمول.. لكنه لم يأت، فقد أضحى شهيدا ضمن مجاميع المقابر الجماعية التي خلفها نظام صدام  للوطن المنذور للموت والجريمة وعسف الحكام.

 في (منازل العطراني ) الكثير من التفاصيل ومن تعاقب الرواة وأنتقالات الروائي من زمن لاخر وفيها الكثير مما ينبغي التوقف عنده من مثابات وأفكار، لكنها تعد بعد كل هذا رواية نشيج عراقي أستطاعت أن تكشف الخيوط العريضة لجرائم السلطة، فردية أم حزبية مثقلة بالعسف والتجاوز على حرية الشعب وكرامته.

 أنها رواية حرية وكشف لحقائق.