اخر الاخبار

من الصعب أن نفترض إن هناك تاريخاً لحقيقة الكذب، لأن افتراض إن للكذب حقيقة هو كذب بحد ذاته ، و هو ما نبه إليه فتراضاً أيضا مؤلف  كتاب ( تاريخ الكذب) الاسباني خوان خاثثيتومونيوث رنخيل ( الاسم الغريب و المنفر و الباعث على السخرية و ربما الكذب!) الذي يصف فكرة الكذب على إنها يجب أن تكون منطقية و بديهية ، أي أن نؤمن أولاً بأننا كلنا نمارس الكذب بالقول ( أنا كاذب) و ثانياً ما قدمه المؤلف في ( ناقص ستة) مثالآ جوهرياً على إن حقيقة الكذب  إشكالية منطقية منهجية سايرت وعي الإنسان منذ قرون غابرة ، و لم يصل  لحلها حتى القرن العشرين ، نقل عن ديوجانس  اللايرتي حكاية ابيمنيدس الكريتي( من كريت) كان حكيما و نبياً ، لجأ ذات ظهيرة حارة لكهف رطب لينام فيه ستة و خمسين عاما( صححه بلونارك المعروف نحو خمسين عاما باسقاط ستة اعوامً) و استيقظ على مغالطة الحقيقة في الكذب ، في الإشكالية الإنسانية في القدرة المنطقية على ارتكاب المغالطات ( انظر الكتاب ص 15) ليكشف حالتين لا ثالث لهما ، أما إن كل الناس كاذبون أم إنهم كلهم غير كاذبين  ، و مضى اغلب فلاسفة الدنيا على إثره ، في معالجة مغالطة ابيمنيدس في إن  هناك لا حقيقة للكذب إلا في وجود كذب للحقيقة ، أي إن الإشكالية قد تمت و استقرت على مغالطة في اللغة  ، بما يعني إن الكذب ميتاحقيقة  ( ميتا لغة ) اي إن أصل حقيقة الكذب هي في العلاقة بين ما يسميها المؤلف ( الميتافكشن –اوتوفكشن) في قص مغالطة الكذب هذا من زاوية الخيال الأدبي ، من جانب المعالجة الخيالية ، بيد إن التعامل المنطقي تم باسهام مبرهنة عدم الاكتمال التي تثبت ان النظام بديهي متكررعلى يد كورت  جوديل  ، أو من خلال نظرية راسل في الانماط ، كي نفهم إن طبيعة الكذب متناقضة ، حينما يستخدمها الإنسان  ، و هذا ماعاناه الفكر الفلسفي  الإنساني  في إن حقيقة الكذب حقيقة متناقضة ، فأقول  إني أكذب ، فإني أعي إني لا كذب  ، لأني حينما أقول إني أكذب أقول الحقيقة ، و ليس هنالك مجال  ممكن للصدق أو الكذب ، لكن طبيعة الكذب  لا تعي ذاك التناقض في ذاته  إلا بوصفه مغالطة   منطقية، لذا اعتبر الكذب  حقيقة للكذب  ، و ربما في وضع الطبيعة تأتي الأمثلة على اختلاف أشكالها كي تضع حقيقة الكذب بوصفها نوعاً من الخداع و التمويه، يمكن تداوله كواجب للبقاء و الديمومة في عوالم الكائنا الحية جميعها ، و هذه طاهرة خداعة في الطبيعة ، أن تجد كل الأحياء و الأشياء تتعامل مع الكذب على إنه طريقة في المخادعة ( بما فيهم أنا باختصار أفكار المؤلف بتهور)يقول المؤلف في هذا الصدد ، و بناء عليه( ظاهرة الكذب في الطبيعة) فإن الكذب كان موجودا في الطبيعة  سابقا بكثير  على ظهور اللغة ، و سابقاً  على ظهورنا بكثير ، و لمن تصور ذلك ، لأن عالم الطبيعة  خلق على شكل أكاذيب عرفها الإنسان بواسطة اللغة متأخراً، و لما استقرا، الإنسان و اللغة ، كانت الفلسفة قد احتضنتهما في مسارين ، الأول قاده ارسطو الثاني افلاطون ، و يعلق المؤلف على ان الكذب يعد بالفعل أمرأ بين إثنين  وفقاً لمنظور بعينه ، و هذان المساران الفلسفيان الافلاطوني و الارسطي هما اللذان رسخا حقيقة الكذب في العالم ، من أن يكون الواقع هو عبارة مجرد محاكاة لحقيقة عالم  كاذب، و إن نصل إلى أن يكون الكذب تاريخاً للكذب في كل شيء ، في رب مخادع لكنيسة تدس الكذب في جوهرالمسيحية، و إلى فضيلة الالحاد، إضافة لوجود تاريح كامل لفروع العلوم و الفنون و السياسة و الادب و التجارة و الاقتصاد، إلى بروز مسألة التجسس في مكافحة التجسس، و في تكوين المجتمعات ، وغدا إن الحاضر  من شدة الحروب  عالما من الارتياب و هو واقع مفرط ، و للوصول إلى حقيقة الكذب كما يراها المؤلف ، ننظر معه نحو أول أكذوبة كبرى يقول : يعد الابداع و القدرة  على الخيال  من افضل السمات  لتي  تميز بها الفرد العاري منذ ظهوره في العالم، له القدرة على التخيل مثل المخالب  لدى النمر و هي السمة المتطورة التي مكنته على البقاء، لكن قدرة التخيل هي أولى أكاذيبه، و إن موجز تاريخ الكذب بالنسبة له تثلج الصدر حقاً ، فقد كتب على الإنسان تزييف الواقع في عقله منذ سلوكه العقلاني  الأول ، وعلى هذا  النحو سوف تتأسس جميع الأنشطة  الخاصة بالجنس البشري  على الكذب  ، و من يقرأ أخيرا يجدً هذا الكتاب المكتظ بالمراجع و الإحالات التي  وضعها المؤلف كي يقول إني لا أكذب على الكذب، و قد ادرك مترجم الكتاب (طه زياده) أن اعلام الارتياب  حرة طليقة في تخيل القارئ العربي فقد نوه  نحو هاجس المؤلف اشهد  ان هذا  العمل  الإنساني القيم، بأفكاره و تأملاته الجديدة و الكثيفة ، سواء التي  اتفق او اختلف معها ، إنه يستحق كل جهد للترجمة.

عرض مقالات: