اخر الاخبار

الأمسية الشهرية، للمقهى الثقافي العراقي في لندن بتاريخ 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 كان محتواها متميزا، فقد كنا أمام عرض مسرحي ستتناوله متابعتنا هذه، إضافة إلى استعراض لكامل مجريات الأمسية وما تضمنته من تقديم لها ومداخلات الحضور بشأنها والحوار مع ضيفة المقهى الإعلامية والكاتبة الروائية سلوى جراح.

استهل الأستاذ مصباح كمال الأمسية بكلمة قصيرة كانت بمثابة مدخل تقديمي للعرض المسرحي حيث قال: “طلبت مني زوجتي سلوى أن أقدم قراءتها المسرحية لروايتها الثامنة “حكاية لا تحتاج إلى عنوان” لأنني حضرت جميع (بروفاتها) وشاهدت مراحل العمل وهو يتطور وينضج، وسمعت كل ما قدم لها من ملاحظات الأصدقاء والأهل.  سلوى عملت على نص هذه المسرحية منذ بداية هذا العام، وتوصلت للنص الذي أرضاها في بداية هذا الصيف، ثم حددت موعدا لعرضه مع المقهى الثقافي العراقي قبل بضعة شهور.  إلا أنها مع بداية الأحداث في غزة تساءلت: هل عليها أن تلغي الفكرة أم تستمر فيها؟ قلنا لها: استمري فأنت تتحدثين عن أهل العراق وفلسطين وتراوحين بين بطلتي الرواية، مريم الوتار العراقية ولميس أبو النجا الفلسطينية.  الليلة سنشاهد ما عملت عليه سلوى منذ شهور ونقّيم هذا الجهد (النقد لكم).  بقيًّ أن أقول إن العمل مهدى إلى غزة ولأهلها، واسمحوا لي أن أطلب منكم الوقوف دقيقة واحدة حدادا على أرواح الضحايا والشهداء”.

 ووقف الحضور دقيقة صمت احتراما وإجلالا لضحايا العدوان الإسرائيلي.  ثم دعا الأستاذ مصباح الحضور إلى متابعة العرض.  وبعد ان أطفأت إضاءة الصالة برزت الروائية سلوى جراح من بين الجمهور لتبدأ حكايتها وهي تمثل شخصيتي روايتها.  وهنا يجدر الذكر أننا لم نسمع او نقرأ أو نطلع على مثل ما تقوم به سلوى الآن.  إنها المرة الأولى التي نرى فيها كاتبا روائيا يجسد شخصياته بتمثيلها (بتشخيصها) بنفسه.  هناك الكثير من النصوص الروائية قد تحولت من جنسها (الأدبي – السردي) أي من جنس إبداعي إلى جنس آخر، يختلف بطريقة تقنياته وأدواته وهو (المسرحي – الدرامي) والذي يخضع لشروط العرض من حوار وحركة ووسائل سمعية وبصرية هي مقومات وعناصر أساسية في العمل المسرحي.  لكن الكاتب في العادة يسلم نصه لفريق عمل مسرحي يتولى أفراده متعددو التخصصات لتنفيذه وتحويله إلى مادة (فرجة).  أما ما فعلته سلوى فبتقديرنا أنه، وتبعا للمعطيات المتوفرة لدينا، يعد تجربة تمتلك الجدة والفرادة.

تميز العرض في المقهى هذا المساء

يمكن تصنيف أداء سلوى بـ “طريقة المونودراما” (مسرح الممثل الواحد) لكنها مثلت شخصيتين في آن واحد، وكان أثاث العرض مسطبة فقط، وأزياؤه (إزار) ايشارب، اما إكسسواره فحقيبة يد نسائية صغيرة.  وما بين أدائها لـ (مونولوغ) كلا من شخصيتيها كانت تلعب أيضا دور الراوية او المعلق على الأحداث أحيانا وأحيانا أخرى تلعب دور شخصيات هامشية أخرى تأتي في السياق السردي للأحداث.  أي تجري حوارا بينها (ديالوغ).  هذا مع استثمارها لاختلاف لهجتي الشخصيتين، الذي سهل علينا متابعة ومعرفة مريم العراقية ولميس الفلسطينية لا سيما انها تمتلك ناصيتي تلك اللهجتين.  وسنأتي في ختام هذه التغطية على كيفية استقبال جمهور العرض لهذه التجربة ورأيه فيها.

 وللتعرف على الإعلامية والروائية سلوى جراح نعود إلى حفل توقيعها لروايتها موضوع اليوم (حكاية لا تحتاج إلى عنوان) الذي جرى العام الماضي في الضفة الغربية من أرض فلسطين المحتلة والذي نظمته دار “طباق “ناشرة الكتاب وعن ذلك الحدث كتب موقع وكالة أنباء (وطن) الإلكتروني عن سلوى وروايتها ما يلي:

“ما بين فلسطين والعراق ولندن، ولدت الإعلامية والروائية الفلسطينية سلوى جرّاح وتنقلت وترعرعت وتعلمت وعملت وكتبت حكايا وروايات عن الاغتراب مثقلة بالحنين إلى الأوطان، إلى فلسطين التي رأت النور فيها، وهاجرت إبان طفولتها عام 1948، وإلى العراق الذي عاشت فيه زهرة شبابها.

 تقول سلوى ل “وطن”: إنها من أسرة عكاوية وولدت في حيفا لأسباب طبية، وعاشت حياتها في العراق، بعد أن هاجرت وهي طفلة صغيرة من فلسطين عام 1948”.

وتضيف: “فتحت عيوني في العراق ودرست فيه وتزوجت عراقي، وعشت فيه حياتي حتى سن الـ 30 عاما، وبعدها انتقلت للعيش في لندن وعملت في هيئة الإذاعة البريطانية “BBC” لمدة 22 عاما، وتقاعدت في سن مبكر جدا وبدأت بالكتابة”.

 وتوضح: “رواياتي تتحدث عن حياتنا ومتاعبنا والسياسة التي تؤثر على حياتنا”.  الرواية فيها بطلتان، واحدة عراقية وأخرى فلسطينية، ويجمعهما الحب والصداقة الكبيرة فتقاسمتا مشاكل الحياة وأفراحها، وتحكي كل واحدة منهما حكايتها.  ومن أجواء الرواية نقرأ ما ورد في الغلاف الأخير لكتابها: “ الآن انتهيت من قراءة ما كتبته السيدة مريم عبد الله الوتار.  أحزنني ما حدث لهاشم العطاري، وما عاشته حبيبته من حزن وضياع، أجادت وصفه، رغم كل مخاوفها من ألّا تقدر على إعطائه ما يستحق، أحسست أن عليًّ أن أكتب لها رسالة إلكترونية أعبر لها فيها عن عمق مشاعري بفقدانها الكبير”.

 الروائية سلوى من مواليد فلسطين عام 1946، تحمل شهادة البكالوريوس في الأدب الإنكليزي، وعملت في شركة نفط العراق مترجمة في القسم التجاري وبعد تأميم النفط انتقلت للعمل في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون العراقية.

في عام 1977 بدأت العمل مع هيئة الإذاعة البريطانية.  أمضت سنين العمل في صناعة البرامج وإجراء المقابلات مع نجوم الفكر والأدب.  تركت العمل مع إذاعة البي بي سي عام 1999 وتفرغت للكتابة، نشرت العديد من المقالات الأدبية في مجموعة من الصحف اللبنانية والعراقية، ثم توجهت لكتابة الرواية”.

 نعود إلى وقائع الأمسية.  حين انتهت سلوى من أدائها المسرحي، ضجت القاعة بالتصفيق المتواصل واندفع البعض من الحضور اليها لتقديم التهاني والزهور، لكن الفنان فيصل لعيبي صاحي وهو من أسرة المقهى أعاد الحضور إلى جو آماسي المقهى المعتاد حيث جرت العادة ان يفتح باب الحوار بين ضيف الأمسية وجمهوره.

 وعلى المصطبة الديكور الوحيد (الفقير) للعرض جلست سلوى وبجانبها فيصل ليدير دفة الحوار الذي مهد له قائلا: “شكرا سلوى ـ ثم توجه إلى الجمهور ـ تعرفونها مذيعة وصانعة برامج تعنى بالثقافة والمعرفة في البي بي سي العربية ورأيتموها مع المخرجة المبدعة روناك شوقي ممثلة قديرة في أكثر من عمل مسرحي ثم قرأنا رواياتها وقصصها.  والآن نكتشف انها ممثلة ومخرجة، فهذا العمل الذي شاهدتموه قبل قليل كان من صنعها بكل تفاصيله.  وقد رأيتم فيه التراجيديا التي تقاسمتها المرأتين العراقية والفلسطينية.  أدعو من لديه استفسار او تعليق او مداخلة فليتفضل”.

حفيظة إبراهيم (شاعرة فلسطينية): ليس لديّ سؤال لكني أحب أن أشير إلى أن الانتقالة بين الشخصيتين العراقية والفلسطينية كانت بديعة جدا، جعلتينا لا نضيع بين الشخصيات لأنك ببراعة يا سلوى أعطيت لكل شخصية حقها.  أبدعت.. يعطيك ألف عافية.

د. حميد الكفائي: ليس هناك من قصة من مقالة ليس لها عنوان. لماذا حكايتك هذه بدون عنوان؟!  فيا ترى هل هناك قصة بلا عنوان؟!

 سلوى جراح (ترد) لأن هذا عنوان متفرد.  لقد انتهت العناوين في هذه الدنيا.  لم يتبق شيئا لم نعطه عنوانا وتسمية فهذه الحكاية لا تحتاج إلى عنوان.

الكفائي (يعلق): أنا غير مقتنع.

نسرين طرابلسي (ضيفة من سوريا): يسلمو هل تم ست سلوى، كان لي شرف ان سمعت هذه الحكاية بيني وبينك فيما سبق.. وظليت مشدودة إلك لحتى هلا ما سمعتها مرة ثاني، كنت باتمنى الصوت يكون أوضح لأنه عن جد العرض رائع وممكن ان يتصور تصوير احترافي وينحط ع اليوتيوب وخلي الجيل يتفرج أديش رواد الإعلام ورواد الفن ورواد الأدب أديش بعدن معطائين وبأحدث طرق الأداء وبأرقاها .. يعني حسيتك عمرك ١٨ سنه (ضحك من الحضور).

سلوى (تجيب): أنا نشرت أول رواية في عام الفين وخمسة، دائما كان عندي حلم ان أرى شخصياتي تتحرك في عمل فني، وقد كتبت إلى المخرج السوري حاتم علي، لكن للأسف رحل، وبعدئذ أدركت أن تحقيق هذا الشيء يحتاج إلى سعي وجهد في مجال العلاقات العامة.  سألت نفسي لم لا أعمل على تحقيق ذلك بجهدي الذاتي.  فكرت في تحويل روايتي الأخيرة، وخططت في البداية ان يكون العرض من شخصيتين الأولى مريم والثانية لميس، ثم تعرفت على مخرجة فلسطينية وكنت أنوي السفر وتقديم العمل في البلاد، يعني حيفا، فاعترضت هذه المخرجة.  قالت إن عمل الشخصيتين سيتحول إلى ما يشبه مسلسلا مصريا، لكنها اقترحت عمل من نمط آخر، وهذا يعني ان تقوم ممثلة واحدة بلعب دوري الشخصيتين، One Man Show، فلقيت هذه الفكرة الرضا في نفسي.

ريم قيس كبة (شاعرة عراقية): سأتحدث لك عزيزتي سلوى فيما بعد.  عاشت يداك على هذا العمل الرائع.  أهنئك.

وليد العبيدي (سينمائي عراقي مقيم في السويد): أقف إجلالا واحتراما لما قدمته السيدة من أسلوب نادر ما يستطيع المرء أن يعبر عنه بهذه الطريقة وخاصة عندما يكون الكاتب يكتب بقلمه، او الآن يكتب على الآلة الكاتبة، ولكن هذا الإحساس في الأداء، في التعبير، في تعبير الصوت أم الإشارة أم الحركة، يجعل الكلام يدخل إلى القلب مباشرة.  لهذا استطعنا أن نستوعب ما في هذه الحكاية، حقيقة من أدائها الرائع، هذا الأداء صحيح لو كان الصوت واضحا، حيث ان بعض الكلمات لم تصل للأسف، يعني لم تصل بصورة واضحة، لكن مجرد التعبير بالحركة، جعلنا ننفعل وقد تجلى هذا بالصمت الذي ساد فترة العرض الذي هو تعبير على التفاعل مع ما كانت تقدمه سيدتنا الفاضلة، هذا أولا.  ثانيا، وهو ليس سؤالا إنما ممكن ان يقترب من السؤال.  عادة الكاتب يكتب تجربته بالحياة مثلا، يكتب عن تجربة المحيط الذي يعيش فيه، ينقله بصورة مهذبة، نحن نعبر عنها بالسينما (انت تنقل الواقع مع التشطيب) هذا النقل للواقع يجعلك تؤدي صورة تقترب من الوصول إلى المتلقي.  سؤالي هو: هل السيدة عند كتابتها لأي من رواياتها استطاعت ان تعمل إسقاطات للحياة التي عاشت فيها او التي سمعتها من عائلتها وخاصة انها عاشت مكانين وربما زمانا واحدا مكان الطفولة الذي انتقلت منه وكان عمرها أربع سنوات إلى العراق ومكان الطفولة والشباب التي عاشتها في العراق، فهل هذه الحياة جعلتها تعمل بإسقاطات في رواياتها ام أنها استخدمت خيالات الكاتب، فأحيانا نحن نبني البناء الدرامي في أي موضوع نجعل الشخصيات في عملية بنائها ربما من حياتنا العامة فأرجو توضيح ذلك وان كنت وفقت في توصيل ما كنت أعنيه وشكرا.

 سلوى: أجاوب على هذا السؤال بشكل بسيط.  الكاتب لا يكتب من فراغ فهو يستعيد حدثا شارك به او يشبه، شيئا رآه، يخلق من شخصية صغيرة، يكبرها.  بالنسبة لي هذه روايتي الثامنة، في رواياتي الأولى استخدمت فيها أحداث من طفولتي وسنوات حياتي وشبابي، اما روايتي الأخيرة فلم أكن فيها في العراق، فأنا تركت العراق قبل الحرب العراقية – الإيرانية.  تجربة شخصية (لميس) لا تشبه تجربتي فانا لم اترعرع في بلد آخر غير العراق فلم أعش في لبنان، عائلتي لم تعش في مخيم، الكل يعرف ان والدي كان يعمل في شركة نفط العراق فعمل في وظيفته في البصرة وفي مناطق أخرى فاستثمرت مخزوني الحياتي في كتاباتي وابتكرت شخصيات من الواقع ولهذا انا أحب شخصيتي لميس ومريم.

عبد المنعم الأعسم (كاتب وصحفي): انا اتابع أكثر كتابات سلوى وأهتم بها، وكتبت مرة عن واحدة من رواياتها.  الفلسطينيون في العراق، كثير من الكتاب والأدباء عاشوا في العراق، وكتبوا عن تجربتهم، لربما جبرا إبراهيم جبرا ورواياته والقصص التي كتبها كانت رائدة في التشكيل الوجداني للفلسطيني العراقي، وأقصد الوجدان الفلسطيني العراقي، سلوى اشتغلت على هذا الجانب، اشتغلت على تشكيل وجدان ينبض بمسارين: مسار عراقي ساخن ومسار فلسطيني له خلفية، ولربما هي اكتشفت أن هناك كثيرا من التداخل بين عناصر الوجدان.  لم اطلع للأسف على روايتها الأخيرة وأظن إنها تشتغل بنفس النظام.  أهنئها تهنئة من القلب وأنا أحرض على قراءة هذه الرواية ورواياتها الأخرى السابقة وهي تنفع في موضوع تشكيل الوجدان ثنائي الشخصية او ثنائي الثقافة. شكرا جزيلا.

 عشتار المفرجي (ممثلة عراقية): لا أدرى ان كانت ست سلوى مع عملها الذي هو المونودراما – الممثل الواحد One Man Show قد تجد الحاجة فيه إلى الموسيقى.  فأنا حين دخولي إلى هذه الصالة توقعت ان أرى بيانو مع العمل.  فهل فكرت ست سلوى بذلك؟  انا برأيي لو تم ذلك يزيد من درامية العمل.

 سلوى (تجيب): ان هذه المسألة تتطلب إلى شخص مختص بالموسيقى يكون معي في التدريبات فانا عملت لوحدي ولم أفكر بغير البساطة في العمل دون الترف الفني من الموسيقى والإنارة والديكور.. الخ.

 نادية العتيبي (ضيفة من قطر): ست سلوى لقد قلت إنك فعلت ما مطلوب منك.

 سلوى (مقاطعة) فعلت ما اردت أن افعله.

 نادية (مواصلة) نعم هذا ما أقصده وأديته على أفضل وجه.  لكن لي أن أفسره بطريقة أخرى، في نساء، أنا من قطر، هناك نساء في الخليج، جيل منهن قد تم تغييبه، تغييب هويته وهذا بالضبط ما تحدثت عنه في عملك، فقد أعطيت بحق ما على المرأة ان تلعبه في الحياة، فأنت أشرت إلى ذلك الجيل المنسي فهو منسي في الأدب العربي.  وانا أحببت بما أشرت له عبر عملك لك كل الشكر لك ست سلوى.

 سارة خالد (ضيفة من الكويت) نعم، انا مع ما قالته نادية، فقد اندمجت في الأداء وكأنني اشاهد فيلما.  فشكرا لك.

سلوى: انا اشكركم.  اشكر جميع الحضور.

وبتصفيق حار من الصالة انتهت أمسية المقهى الثقافي العراقي، وكانت إضافة أخرى في سجل هذه المنصة الثقافية التي تواصل برامجها بعمل جاد ومتواصل.