اخر الاخبار

لقد وجّه العديدُ من المستشرقين بمن فيهم علماء في الانثروبولوجيا و الإجتماع و باحثين في التاريخ و الفلسفة الكثير من التساؤلات حولَ العرب و العربي و شخصيته و بحثوا مآلات الحضارة في ظل الإسلام و تاريخها و حيثياتها بواسطة مناهجهم و منظار تقيّمهم لها فمنهم من غالى بتحيزه و قصّر في نتائجه أمرّ تقصير،و منهم من رأى في الحضارة الإسلامية منبعاً أصيلاً لحضارةٍ مميزةٍ بما أنتجته و قدمته للأنسانية جمعاء و منهم من وقفَ موقفَا وسطاً فنهلَ من ذاكَ و من هذا.و لعلّ ما قاله إدوارد سعيد يلخّص  تلك الرؤية التي تأصّلت شيئاً فشيئا في كتابات الكثير منهم فيقولُ “هؤلاء كانوا يرون بأنّ كل ذرة من ذرات الشرق تُفصح عن طابعها الشرقي و بالتالي أصبح الإنسان الشرقي شرقيّا في المقام الأوّل و إنساناً في المقام الثاني.”و إنهم يرون أن لغة الغرب  “ كانت لا تملك الجماليَّة بينما كانوا هم متخلِّفين عن الرَّكْب” و أما دينهم فهو “مزيجٌ مشوه مستقى من الأصول  المسيحية و اليهودية”.

 هذه الرؤية تكشف مسبقاً ذلك التنميط المتعمّد بل و المتحامل أحياناً على شخصية الآخر و حياته الإيمانية و دينه بل و حتى لغته و طريقة تفكيره.و رغم إنّ الكثير من دارسي الشرق حاولوا وضع مناهج أشد صرامة كي تُبعد عنهم شبهة التحيُّز،لكنهم فشلوا و لم يتمكنوا من رؤية الشرق بقضّه و قضيضه.و قد كان لِنورمان دانييل رأي دقيق حول تحيّز الباحثين في الغرب و عدم قدرتهم الانفكاك من الاستنتاجات المُسبَقة و المقررة فأوضحَ إنه و “ رغم المحاولات التي بذلها بعض الباحثين في العصور الحديثة للتحرُّر من المواقف التقليدية للكُتَّاب المسيحيين عن الإسلام، فإنهم لم يتمكَّنوا من أنْ يَتَجَرَّدُوا منها تَجَرُّداً تاماً كما يتوهَّمون”.

 الفكر المضاد للإستشراق

و بما إنّ لكلّ فكرٍ ما يضادهُ و يُظهرُ تناقضاته و تقصيراته،و بما إنّ لكل منهجٍ ما يَنْقَصه،كانَ لابد من بناءٍ مضاد للفعل الإستشراقي يبحث وهناته و أغلاطه،و ينبّه على ما بدر من حاملي لوائه من تطرّف فظيع و تحيّز جعل من حضارة الآخر مجرّد وسيلةً لم تفضِ إلى البراعة و التميُّزِ ،بل و آلتْ كما يرون للخرافة و الكسل و مجرّد النقل الأعمى و أن قالَ بعضهم بترفعٍ و منّة إن هناك قلةٌ من مفكري الإسلام قد أضافوا القليل لما أسس له الإغريق و اللاتين من قبل و كان ذلك كذباً و تزييفاً،و هم و انْ كان بعضهم على علمٍ بأثر المخطوطات -التي لا يزال بعضها طي الكتمان-و الكتب المتقدمة آنذاك و التي تُرجمت و نوّرت ظلام أوروبا خصوصاً في ايطاليا أكثر بلدٍ تأثّر بالثقافة العربية الأندلسية جرّاء الترجمة التي استمرت مئات السنين  و كذلك اسبانيا و البرتغال اقول و أن كانوا يعلمون بأمر كل هذا، لكنهم اخفوه و دلّسوا عليه أشد تدليس.

إن هذا البناء المضاد لتحيُّز الكثير من المستشرقين،كان له أثر فعال في معرفة حقيقة التأثير الإسلامي في أوروبا بدقةٍ و تمحيص بلا مغالاةٍ و لا تعصب و لكن بدقة المنهج الحقّ و سعة العالم المدقق فنشأ تيارٌ فكريٌّ كان بأساسهِ يتطلع لمعرفة الحقيقة لا أكثر ،و لذلك دأب علماء هذا التيار على فحص الأدلة المعرفية الخاصة بالمستشرقين المتحييزين و أخذوا على عاتقهم مراجعة دقيقة لنوعية المخطوطات المتعددة و المتشعبة الفروع و ترجموا الكثير منها و اضافوها لأبحاثهم و خرجوا بنتائج لم تخطر على بال أحد حتى نحن الذي ندّعي انتمائنا للحضارة الإسلامية.

إّن هذا التيار لم يكن خاصاً بعلماء العرب و المسلمين و لكن تبنّاه مفكّرون غربيّون كثيرون استطاعوا بدراساتهم الوصول إلى شغاف الحقيقة قدر المستطاع، حتى ذهب البعض منهم  إلى أكثر من ذلك مثل غوستاف لوبون مؤلف كتاب “حضارة العرب”الشهير الذي دافع فيه بحماسةٍ عن العرب و عدّهم أرقى من جميع امم الغرب التي عاشت قبل النهضة اخلاقاً و ثقافةً رافضاً بذلك تلك المقولات العنصرية لأرنست رينان المعروفة و التي جاء في بعض منها أنّ “العرب لم يصنعوا غير انتحال مجموع الموسوعة اليونانية و إنّ الشرق السامي والقرون الوسطى مدينان لليونان بكل ما عندهما من الفلسفة طبعا، ولذا فإذا ما دار الأمر حول اختيار حجة فلسفية لنا في الماضي كان لليونانية وحدها حق إلقاء دروس علينا”.

كما بيّن لوبون تسامح الإسلام و رقي الحضارة العربية لما لها من آثارٍ تفوق مجرّد كونها حضارة نقل و ترجمة و ذكّرَ الجميع بتلك الآثار العلمية في الرياضيات و الفلك و الطب و الصيدلة و الموسيقى و علوم البلاغة و التاريخ و الجغرافيا و في نهاية كتابه  وضّح فيه اسباب ضعف العرب ووقف عليها.

ولا ننسى ذكر اولئك المستشرقين الخاصة الذين دأبوا بجهد لإيجاد الحقيقة و البحث عنها حَق البحث و بذلوا في سبيل ذلك جهوداً كبيرة اخذت من حياتهم الكثير،و منهم المستشرق الفرنسي توسان رينو ،و اجناتي كراكوفسكي و المستشرق الألماني فرانز فبكه الذي غيّر كثيراً من بديهيات الاعتقاد الغربي بشأن تطور الرياضيات لدى العرب و مدرسة فيديمان المتخصصة في الفيزياء و مارتن فيلهم كوتا الذي أثبت في كتاباته أهمية العالم الإسلامي البوزجاني و اكتشافاته و جان جاك سديو الذي كشفَ النقاب مثلاً عن أهمية العالم المغربي الرياضي أبو الحسن المراكشي.

عرض مقالات: