اخر الاخبار

في سؤال وجهته مجلة “الآداب” تحت عنوان: استفتاء الآداب: درس الهزيمة الأكبر ! ما هو، في رأيكم، الدرس الأكبر الذي تعلمنا إياه الهزيمة ؟ جاءت الإجابات من مثقفين معروفين عديدين.

فعلى الرغم من سيادة الفكر القومي في فترة الستينيات حيث بلغ ذروته مع موجات حركة التحرر العربية فضلا عن الايديولوجيات الاخرى في الفكر الثقافي العربي العلماني بصوره المختلفة والقيادة السياسية العربية التي قادت الهزيمة هي بعيدة عن الدين الا ان جواب الاستاذ ميخائيل نعيمة حمّل الدين، السبب في هذه الهزيمة قائلاً: ان الدرس الاكبر والأهم الذي يحسن بالعرب ان يتعلموه من هزيمتهم النكراء هو ان الدنيا لا تساس بالدين فالدين موطنه السماء التي لا يعرفها أحد. والدنيا موطنها الارض التي لا يجهلها احد، ثم يربط بين التقدم التقني بأن الماكنة هي سيدة الميدان والمفتاح الذي به نفتح خزانات الدنيا والنزاعات والحروب وعلى وفق الاعتقاد العربي ان الحقوق لا تسترد ولا تصان الا بالحرب، وان الحرب لا يكسبها الا السلاح وان السلاح لا يخلقه الا العلم والمال.وهنا لا بد من التعقيب على طرح نعيمة بأن قرارات تنمية العلم والمال كانت مقتصرة على قيادة (الكاريزما) العربية التي كانت تقاتل الشعوب العربية بالسلاح في اليمن (مثلا) وتخلق العداء في العراق وتتدخل في الشؤون الداخلية العربية لتفرض قسرا ً قوميتها (المزعومة) ولا توظف السلاح ضد العدو.

اما قسطنطين زريق فقد اكد في اجابته التي تحمل وعياً في ابعادها المحلية (العربية) وعالميا (في المساندة الدولية لأسرائيل)  في ان قادة وشعوب العرب كانوا جاهلين للحقيقة وابعادها. والحقيقة هنا واقع القوة الصهيونية: من حيث التجهيز العسكري بالأدوات والرجال والتنظيم والتخطيط، والسند السياسي الخارجي، وتعبئة الرأي العام العالمي، وما الى ذلك من عناصر التهيؤ واعداد القوى. فلم نحرص على التعبئة العامة أوالابتعاد عن خوض المعارك الداخلية التي اضاعت (الجهود والموارد) ولم تدرك ان العصر عصر علم واختصاص وان القدرة هي قدرة العقل المتفتح القاهر، وقدرة الكفاءة المتدربة.والابتعاد عن وضع المصلحة الشخصية اوالحزبية او القطرية قبل المصلحة الشاملة التي تتطلب جهداً وتضحية وانكاراً للذات وتكاتف الايدي وتلاحم (العقول والقلوب).  

اما الاستاذ منير البعلبكي فيجد ان الاستهانة بالعدو اول الطريق الى الفشل والضياع لقد كان العدو منذ 1948 يكثف استعداده لمعركة جديدة حاسمة يمكن بها لنفسه في الارض المحتلة ويوسع من خلالها رقعة تلك الارض في اتجاه الشرق والشمال والجنوب وقضيناها نحن في الاستهانة به والتقليل من شأنه.نستطيع الزعم ان العرب واجهوا المأساة بروح اتسمت قبل كل شيء بالهزل والقعود والاسترخاء،فلم يطوروا اقتصادهم الى اقتصاد حرب ولم يسع الفعل الى خطوات وحدة عربية حتى الوحدة الثتائية بين مصر وسوريا كان مصيرها الفشل.ان الصهيونية بلاء وطاعون مهلك يختلف عن جميع انواع البلاء الذي تعرضت له اقطار الدول العربية فيبقى الدرس الاكبر الذي تعلمناه من النكسة هو ان الاستهانة بالعدو اول الطريق الى الفشل والضياع.

الفئة الثالثة: الفئات الهروبية:- لقد احدثت النكسة حالة من التخلي عما كان يدعو اليه المثقف ولا سيما الذين شكلوا الدعامة الأساسية لأنظمة السلطة التي لعبت الدور الكبير في نتائج النكسة وهي الانظمة التي كانت تمثل التيار القومي وقيادتها التي عاشت ادوار (الكايرزما الخارقة) فضلاً عن المثقفين الذين يرفضون نتائج النكسة وفي هذا الصدد يذكر احمد عبد المعطي حجازي ان نتائج النكسة ادت الى حدوث انقلاب في الحياة المصرية الثقافية والسياسية والاجتماعية لم يكن ايجابيا فكانت النتيجة حصادا شقيا وهجرة واسعة للمثقفين المصريين فقد اصبحت مصر طاردة لمثقفيها فقد خرج من مصر (علي الراعي والفريد فرج ومحمود امين العالم وبهاء طاهر وسعد اردش وكرم مطاوع وامير اسكندر وغالي شكري وعدد من الأساتذة منهم عبد الرحمن بدوي ومن الفنانين التشكيليين ادم حنين وجورج البهجوري وعدلي رزق ورجائي وحتى الموسيقيين رمزي يس وعاطف حليم) منهم من ذهب الى بلاد عربية اخرى ومنهم من ذهب الى اوربا هذا الخروج ادى الى خلخلة الحياة الثقافية في مصر خاصة بعد ان تولى المسؤولية يوسف السباعي وعبد القادرحاتم،ولم تكن علاقتهما بالمثقفين وبالاجيال الجديدة علاقة طيبة، فكانت علاقة حادة وعنيفة، وقد انتقل مركز الجاذبية من مصر الى بلاد عربية أخرى، جاذبيتها لا تعود الى الثقافة بقدر ما تعود الى الثروة، وقد ادى هذا الى فساد مزدوج، أولا: فساد الموهبة لانهم لا يجدون ما يتعلمونه خارج مصر، ثانيا: التكالب على جمع الأموال والثروة، حيث ساهم في صنع ذلك سهولة الوصول الى الصحيفة والمجلة، والمشاركة في المهرجانات والمؤتمرات، والسفر الى الخارج وقد تعددت اصناف هذه الفئة وعلى وفق الأتي:

أ‌- الجيل الجديد: الذي فقد علاقة الترابط بالفئات المهاجرة ولم يكن له أدنى علاقة بالمسؤولين عن الثقافة في ذلك الوقت، فهم رافضون للثقافة الرسمية رفضهم للهزيمة ولنتائجها، وقد حدثت قطيعة بينهم وبين الأجيال السابقة فهي في نظرهم مسؤولة عن الهزيمة حتى المثقفين الذين بقوا في مصر ولم يهاجروا ولم يسلموا من هذا الاتهام إذ كانوا مضطرين للعمل في إطار المؤسسات الموجودة، مثل صلاح عبد الصبور (رئيس تحرير مجلة الكاتب) ورئيس الهيئة المصرية للكتاب ثم المستشار الثقافي في الهند وكذلك يوسف إدريس ولويس عوض فضلا عن توفيق الحكيم وحسين فوزي. فعلى الرغم من الاحتفاء بالجيل الجديد من المثقفين في نشر نتاجاتهم في مجلة الكاتب ومجلة الهلال كان هذا الاحتفاء اجتهادا فرديا من قبل (صلاح عبد الصبور ورجاء النقاش) بمحاولة لإنشاء جسور لم تكن موجودة، فاقتصرت الحالة على نشر قصيدة وأعداد خاصة للجيل الجديد فلم تكن هناك لغة مشتركة بينهم وبين الموجودين من المثقفين فهم محسوبين على السلطة.

ب‌- الفئة المعتزلة:يذكر حجازي لقد قادت النكسة الى نتائج فاجعة لان اربعة مبدعين انتحروا: صلاح جاهين ومحمود دياب ونجيب سرور الذي كف عن العمل وجلس على المقهى غارقا في عالم آخر حتى مات، وصمت نعمان عاشور،و صلاح عبدالصبور مات بالمستشفى، كانت النتيجة حصارا وانتحارا بطرق مختلفة، هناك جيل سُحق وأصيب منه من أصيب بالجنون والانتحار، أي حصاد يكون حين يصبح الوطن وطنا آخر؟ يسقط الحلم سقوطا نهائيا ولا يبقى شيء يضيء الطريق للاجيال التي عاشت في صباها الباكر حلم الستينيات، ثم ان الاجيال السابقة -التي كانت في حكم النموذج او المثل الذي كان يتعلم منه جيل السبعينيات - هاجر والجزء الباقي انتحر بطريقة من الطرق، والنتيجة ان الاجيال الجديدة وجدت نفسها في اليتم لأن الجميع تخلوا عنها: الوطن والثورة والاجيال.

المثقف العربي بين بيانين: (اطلعت على أكثر من بيان رفعه المثقفون العرب على صفحات الصحف ووسائل الاتصال الاجتماعي، ووقعت بالفعل أحدها. راجيا أن يلتحق صوت من العراق بأصوات عربية تسعى بإخلاص إلى التأثير في الضمير العالمي، عله يستجيب لدعوات إيقاف مجزرة غزة الفظيعة، ويؤدي بشكل ما إلى تغيير القناعات غير المتوازنة لذلك الضمير، بل المتحيزة من دون تريث بجهة ظالمة لم تتورع عن استخدام آلتها العسكرية في تفريغ المجال الفلسطيني من سكانه الأصليين في أضخم الحملات العسكرية وأشنعهاعلى مدارالصراع منذ نكبة 1948). بهذه الكلمات كتب القاص محمد خضير حول البيان الذي تم تداوله وتناقله على صفحات (الفيس بوك) جاء كلامه أعلاه على صفحته في (الفيس بوك) بتاريخ 26 تشرين الأول 2023. لنعود الى (بيان 5 حزيران 1967) بقلم أدونيس والذي حمله عدد مجلة الآداب، حيث جاء في البيان بعدد كبير من التساؤلات (السفسطائية) حيث يجمع طرحها الفرق بين الشرق والغرب في مواضع كثيرة بين استخدام وسائل التقدم التقني حيث يمثل الجانب المادي لتقدم الغرب عن الشرق، ثم ينتقل بنا إلى الجانب المعرفي في الفكر والعقل (وما هي أفضلية سلطة العقل) في إثارة تساؤلات ليضع (وزر) التخلف تارة على التراث وأمجاد الحضارة التي بناها الأسلاف فهذه التساؤلات الكثيرة التي لا تخفى على اي شخص يثيرها التفكير الذي يسعى بمكر أن ينال منك وينصر فكره في حالة الدفاع عن موضوع معين ليس بإيمان ونصر لحقيقة جلية وإنما بمدخل (الربح والخسارة) لكي لايبدو منهزما امام المبادئ السامية تساؤلات تتجدد بين (الثورة والانقلاب والنهضة) بين (الخيانة والوطنية) بين (الفكر والقوة) بين (الحوار والإقناع والخنجر والرصاصة).هذه الحوارات تدور في فضاء غربي وفكر غربي يحاول ان يتجرد منه ويرمي تبعاته علينا نحن الشعوب التي سلمت أمرها لقيادات (الكاريزما) التي صنعها ثلة من المثقفين أنفسهم معلنين براءتهم منها بعد النكسة ليبحثوا عن قائد جديد وعلى وفق مقاسات فلسفية جديدة لحوارات يعلنها على وفق الظروف فينتقد (اليسار واليمين والشيوعي والبرجوازي) ينتقد ثقافتنا التي هو جزء منها وينتقد الثوري العربي الذي (ينتقد ويهدم ويدين) باسم الثورة.ليصل في نهاية الامرالى قوله (ليس شاعرا من لا يغير العالم).

بعد بيان أدونيس نعود إلى بيان المثقفين العرب الذي جاء تحت عنوان(بيان مثقفين من العالم العربي في إدانة العدوان الصهيوني الوحشي على غزة)، نبدأ بالتسمية (العالم العربي) وكأننا نسمع إذاعة (BBC) في خمسينيات القرن الماضي وهي تنوه لمستمعيها عن موجات بثها في العالم العربي او (خطابات انتوني ايدن) في ازمة قناة السويس فالعنوان جاء خجولا ً دون تعريف (مثقفين) ويبقى مضمون البيان لا يختلف عما تعود عليه جيلنا من مفردات موضوعات (التعبير والإنشاء) في مادة اللغة العربية،فلم يتغير شيء مع الاحترام الكبير للموقعين ولاسيما ونحن مازلنا نقرأ لهم ونبجل كتاباتهم من المغرب العربي إلى مشرقه ليس هناك جديد عما رافق عمرنا في حدث (العدوان الصهيوني) وهو المرض المستعصي عن الشفاء،ولكن الجديد إن هناك من الاسماء الموقعة على البيان عُرفت في مواقفها(الجديدة) بعد تقربها لمدن المال فبصرها اتجاه بوصلة(التطبيع) وهي تسعى وتنسق مع دول المال التي تعرفنا عليها مع عبد المعطي حجازي.واخيراً لابد ان نختم تقييم البيان برأي القاص محمد خضير على الرغم من توقيعه له قائلا: يجدر بالمثقفين العرب أن يعيدوا كتابة بيانهم.

عرض مقالات: