اخر الاخبار

لملمْ جراحك وأعصف أيها الثأرُ

ما بعد عار (حزيرانٍ) لنا عارُ

وخل عنك هدير الحق في أذن

ما عاد فيها سوى (النابال) هدّار

      *   *   *    *

عشرين عاماً ركبنا ظل قادتنا

نطوي المتيهَ ونسري حيثما ساروا

إن غرّبوا فمهب الخير غايتنا

او شرّقوا فمدب الشمس مضمارُ

حتى إذا اشتد عصف الريح واختلجت

رؤى السفين، وغامت فيه أقدارُ

لم تدر كيف تداري النوء (صارية)

وكيف يدرأ عسف الموج (بحّار)!!

 

على الرغم من تعدد الصور في قصيدة مصطفى جمال الدين ولكن هذه الأبيات صورة حاضرة لحرب غزة في العار الذي يلحق بالصمت العربي والمسؤولية الكاملة التي يتحملها النظام السياسي العربي ماضيا ً وحاضراً فلم يتغيرشيء عن زمن قراءة القصيدة في مهرجان الشعر العربي ببغداد في قاعة الخلد في 23 نيسان 1969.

كما أن (جامع الجثث) تتكررمشاهدتنا له يوميا في غزة فصور الجثث حاضرة في غزة نقلها محمد خضير منذ زمن طويل تعود إلى زمن نشرقصته (جامعو الجثث) في 1 ديسمبر /1967 فقد كان للأرض العارية في البعيد، هناك لون البشرات الميتة، والهواء ساكن. كما أن الأصوات غير الإنسانية للسيارات في الشارع المجاور والطلقات المتقطعة تستمر في تقطيع نسيج الحياة العتيق وتخلفه – لا عصافير أو طيور مهاجرة، لا صراخ طفل أو أغنية لم يكن يُسمع صوت مذياع قط...، ولا يرى حبل غسيل. ولكن جامع الجثث سمع وقع احذية على حجارة الحارة كان لجنديين إسرائيليين يتبعهما ثلاثة صبية عن بعد.

اما مشهد الحفرة التي تضم جثثاً ألفناها يوميا عبر ما يٌنقل لنا من صور (غزة اليوم) :في كل مكان كانت هناك جثث...عند عربة ملأى بالجثث... قال جامع الجثث المحتضرلزميله الجاثم فوقه ضعوني في الحفرة فوقهم.

للأسف لم نعثر على مثل هذه النصوص مع حرب غزة على الرغم من أن احداثهاهي ليست بالاحداث الجديدة، فاذا كانت حرب حزيران قد خسرناها على المستوى السياسي والعسكري واظهرت فشل النظام العربي ولكننا كسبنا نصوصاً في الشعر والقصة والفنون الادبية والمسرحية والسينمائية شخّصت نكسة حزيران بكل ابعادها فهل انتجت حرب غزة فنون ادبية ونحن نعيش معها كل لحظة بفضل التقدم التقني في وسائل الاتصالات المتنوعة؟ نطّلع على فئات المثقفين وان اقتصرت على بعض مثقفي الاقطار العربية ولكنها فئات تعد أنموذجا لمواقف الكثير من مثقفينا العرب.

نحن أمام مثقفين مرت عليهم في تاريخ فلسطين(نكبة 1948) و(نكسة1967) لقد كان من السهل إطلاق تسمية الهزائم لتكون متميزة (نكبة ونكسة)، نتعرف الى إجاباتهم وآرائهم في نكسة حزيران، والتي حملها العدد (7-8) من مجلة الآداب البيروتية الصادر في يوليو/ 1967 حيث جاء على الغلاف عبارة (عدد ممتاز)، آراء أبرز مثقفينا العرب في تلك الفترة ولنبدأ مع كلمة(طريقنا الجديد) لرئيس التحرير الراحل (سهيل أدريس) حيث تضمنت كلمته في ان التدخل الاستعماري ليس وحده المسؤول عن الهزيمة التي لحقت بالعرب في 5 حزيران معلنا: إننا مقصرون، وان الطريق الذي سلكناه حتى الآن ليس هو الطريق المأمون الذي يقينا العثار ويجنبنا الزلات. إن الإنسان العربي، في مختلف أقطاره، مؤمن الآن أعمق الإيمان أن أمامه دروبا جديدة لا بد من أن يسلكها إذا حرص على بناء مستقبل أمين يضمن له ذاته ويتابع الدور الحضاري الذي تميز به ماضيه.

بعد قوله هذا الذي يحمل الاعتراف بـ(التقصير) والطريق الذي سلكناه ليس الطريق الصحيح ولا بد من البحث عن طريق آخر جديد ولكن هذا الطريق الجديد مقرون بعدم التخلي عن (الماضي الحضاري)، ثم يدعونا إلى قراءة هذا العدد الذي يحمل آراء مثقفينا العرب الذين تم استطلاعهم عن (النكسة)، منوهاً أن المادة المنشورة في هذا العدد تحمل التناقض، أو على الأقل الخلاف في وجهات النظر. كما أن لهجتها تتفاوت بين إلياس والتفاؤل والتجريح والتعزية.

فئات المثقفين:بعد أن تعرفنا على ديباجة العدد لابد أن نتوقف عند فئات المثقفين التي أفرزتهم النكسة وعلى وفق الفئات الآتية:

الفئة الأولى:المثقف الانقلابي:- وهو المثقف الذي يتبنى مفردات النقد الأدبي للرد على حالة الإحباط التي افرزتها النكسة فهو مضطرب في توجيه اللوم بين (الهجاء والمأساة واللامعقول والواقعية والمفارقة...) يعود بنا إلى التراث ويحّمله أسباب النكسة كما جاء في قصيدة نزار قباني (هوامش على دفتر النكسة)... التي أشُبعت بالدراسات النقدية ويمكن أختصار(ثيمة) القصيدة بمحور (الانقلاب على التراث) و(نقد السلطة السياسية) و(الخطاب الإعلامي الموظف لخدمة السلطة السياسية) و(الأمل المعقود على الأجيال “النشئ الجديد” من المحيط إلى الخليج).فيفتتح القصيدة قائلاً:

أنعي لكم، يا أصدقائي، اللغة القديمهْ

والكتب القديمهْ

أنعي لكم..

كلامنا المثقوب، كالأحذية القديمهْ..

ومفردات العهر، والهجاء، والشتيمهْ

أنعي لكم.. أنعي لكم

نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمهْ

ثم يحّمل الخطاب الإعلامي سبب الهزيمة ويقول:

إذا خسرنا... لا غرابة

لأننا ندخلها

بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابة بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة

لأننا ندخلها

بمنطق الطبلة والربابه

لقد كانت هذه (العنتريات) يسّوقها الجهاز الرسمي للسلطة عن طريق الآتي:

1) السلطة العليا في مصر وهي سلطة عبد الناصر وهنا لابد من الإشارة إ لى الأحاديث الصحفية لجمال عبد الناصر ليلة الحرب ففي مؤتمر صحفي نقلته صحيفة النهار (البيروتية)حيث وجُه لعبد ناصر سؤال: لقد قلتم إنه إذا أرادت اسرائيل أن تهدد بالحرب فنحن على إستعداد لها ونقول آهلا وسهلا، فهل ثقتكم هذه ترجع الى قراءتكم للموقف السياسي الدولي أم أنها ترجع الى ايمانكم بالتفوق العسكري للقوات المسلحة للجمهورية العربية المتحدة ؟ وبعد ان وضح عبد الناصر ان التهديد الأسرائيلي قائلا : كان من الواجب على أي عربي ألا يستجيب لهذا التهديد. ولهذا أنا قلت إذا أرادت إسرائيل أن تهدد، وهي هددت بالحرب، فأهلا وسهلاً ثم يكرر عبد الناصر(إذا كانوا عايزين يجربوا الحرب بقول لهم تاني النهاردة أهلا وسهلاً..احنا بنختار المكان والزمان اللي بنتكلم فيه.. واحنا بنختار المكان والزمان اللي بنقول فيه أهلا وسهلاً... احنا كنا مستعدين بالنسبة للتفوق العسكري طبعا إحنا نعتقد أن قواتنا المسلحة قادرة على أن تقوم بواجبها بشرف وقوة وامانة). فجواب عبد الناصر يظهر لنا أنه لم يحاول الرد عن مدى ضمان الموقف الدولي مع مصر ولا سيما (الاتحاد السوفيتي سابقا) الذي كان موقفه الواضح اثناء (العدوان الثلاثي/ 1956) فكلمات أهلا وسهلا عبارات لاتحمل الا عبارات (أنشاء خالية من المضمون) من دون تقدير القدرة الذاتية أو دراسة الموقف الدولي.

2) أجهزة الإعلام المصرية اذ ينقل لنا صلاح عيسى خلال الايام العشرين التي بدأت بإعلان سحب قوات الطوارئ الدولية في 15/أيار 1967،كانت أجهزة الأعلام المصرية قد شحنت المصريين – والعرب جميعا ً بشحنة من الحماس الانفعالي العنيف، وقدمت حقائق –ثبت أنها كانت أكاذيب عن أكبر قوة ضاربة ورادعة في الشرق الأوسط، وتغنت بالدم والضرب والرجوع إلى فلسطين ((كما رجع الصباح من بعد ليلة مظلمة)) وأكدت أنه إذا ما بدأت إسرائيل العدوان فسوف تتعرض لدمار شامل وحمل صوت أحمد سعيد الجهوري – يوم 5 حزيران – تعليقه الساخر : اين انت يا ديان !!ومن هذا الحماس (الطاغي)، تغيرت لهجة الأعلام المصري فجأة في ظهر يوم 8 حزيران، وبعد أن أصبحت الهزيمة واقعا لم يعد من الممكن الصمت، لتصبح لهجة حزينة، وهكذا أخرجت الأذاعة المصرية من ارشيفها الاغاني الوطنية الوصفية، التي بدت كأنها رثاء للوطن وبكاء عليه، والانتقال من حالة انفعالية كالحماس الى حالة متناقضة كالحزن.. يكشف الحالة التي تم الانتقال اليها ويزيد من درجتها.  

ويصل القباني في اطار البحث عن الحقيقة من هو وراء النكسة وهي ذروة القصيدة في ان النظام العربي الذي يطبل له الكثير ويجدون في رموزه (الكاريزما) التي (نرمي اسرائيل في البحر) فهذا النظام كان عبارة عن : نظام استبدادي سيتحدث عنه بعد ان يُمنح الأمان له قائلاً:

لو أحد يمنحني الأمان..

لو كنت أستطيع أن أقابل السلطان

قلت له يا سيدي السلطان

كلابك المفترسات مزقت ردائي

ومخبروك دائما ورائي..

عيونهم ورائي..

أنوفهم ورائي..

أقدامهم ورائي..

وبهذا يجسد القباني صورة انقلابه بقوله: من (شاعر الحب والحنين.... لشاعر يكتب بالسكين).

الفئة الثانية: المثقف الواقعي- النقدي: يمكن اختصار تعريف الواقعية وعلى وفق دراسة الموسوعات النقدية هي بلوغ الحقيقة وخلق اليقين مهما كان سبيل الوصول إليه.وإن كانت الواقعية الجادة في العصور الحديثة غير قادرة على تمثيل الإنسان خارج حدود الواقع الشامل، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وهو أمر ملموس ودائم التطور.

عرض مقالات: