“خان الشابندر” رواية محمد حياوي، صدرت عن دار الآداب، الطبعة الثانية 2017 بعد رواية ثغور الماء عام 1983، ومجموعة قصصية (غرف مضاءة لفاطمة) عام 1986، وطواف متصل- رواية 1988، ونصوص المرقاة – قصص 1996، وقصص قصيرة بالهولندية، 2010 (Dank je wel Olifan) ترجمتها (شكرا لك يا فيل) إلى جانب ذلك فهو شاعر وصحفي ...
تبدأ الرواية باستدراك “ولكن إليك الحقيقة” من دون مقدمات ثم تأتي الجملة المتشائلة لتشكل عنده فلسفة تناولتها روايته: “ لقد خلقنا في هذا العالم لنشهد سلسلة من المسّرات والآلام المتناسخة.” وقد جمع فيها النقيضين، ويحتوي مدخل الرواية على كلمات قالتها (هند) السيئة موضوع الرواية وبطلتها، وهذه الكلمات تخرجها من عالمها الوضيع وتضعها في منزلة أعلى من العلماء والشرفاء: “ سننقذ روحك من الغرق والتحطم. وعندما يتساءل “عن أي غرق؟” تجيبه: “ الغرق في الحياة الفاسدة حيث يلتهم عقلك روحك...” وتحذره من العودة إلى طبيعته السابقة على الإطلاق. هكذا يبدأ روايته بمقدمة ليست بعيدة عن موضوعه برمته، بل من صلبه... فقد اختار الراوي الأول والعليم المتلبس ثوب الصحفي موضوعا معقدا، يبدأ بالبحث عن حياة بنات كتب عليهن مهنة الدعارة محاولا معرفة خصوصية كل منهن بالخوض في طبيعة كل واحدة والأسباب التي جعلتها تسير في طريق شاق وعر ومعرفة أسباب هذا السلوك ليفاجئ القارئ بحقائق كثيرة وغريبة، ربما لم تكن حاضرة في أذهان الكثير من القراء المتلقين، ليخرجهم من الأفكار الجاهزة، وأغلبها تضع اللوم على تلك المخلوقات المتذرعات بصعوبات الحياة الاجتماعية والاقتصادية وغيرها. والراوي يحاول تجاوز كل الذرائع والتوصيفات التي تدين هذه المرأة السيئة ذاتها مجردة عما يحيط بها من ظروف عائلية وإن كانت شاذة متمثلة بضوية التي هي ضحية أب ظالم وشاذ لا يمتلك أخلاقا، إذ يجبر ابنته على ممارسة الجنس معه مرات عديدة، حتى حملت منه، وبعد أن عرفت أمها بحملها دون أن تعرف الجاني، واجهت الأب بالمصيبة، فأمرها بأخذها إلى بغداد والعودة بدونها.
وتدور أحداث الرواية في حي قديم، أزقته قذرة، وبيوته آيلة للسقوط، وفي بيت تتقدمه ثلاث عتبات مهدمة وهي لا تخلو من الرمزية. الراوي يدخل هذا المكان لأول مرة بتشجيع من صديقه (محمود) العارف بكل أسرار وثغرات هذه البيئة وبيوتها وأهلها وما يدور بينهم، ويعد أول وسيلة أو معبر لمعرفة أسرار بيت للدعارة. دخل هذا الراوي عن طريق صديقه الذي لم يكن له أي دور في الرواية سواه، بعدها صار الراوي يكتشف تفصيلات المكان والأحداث وما يخص كل شخصية ليس بدافع الغرض الأساسي في الدخول لهذا العالم، بل بدافع نبيل وهو تقديم دراسة اجتماعية حول هذه الأجواء المليئة بالمفاجآت والخصوصيات وليس بدافع المتعة إنما بحثا عن موضوع صحفي، وأول انسانة يتعرف عليها هي السمسارة أم صبيح. ولم يحصل منها على معلومة مهمة ما عدا سلوكها او طريقتها في استقبال الزبائن ودورها في حماية العاهرات بدفع مبالغ لإسكات المليشيات المدعية بمحاربة الفساد، وقد سمع هذه المعلومة من البنات، ويتعرف على مكان غرفة (ضوية) البائسة، التي حاولت أن تقربه منها، وقد فشلت كل محاولاتها، وبعد أن عرفت غرضه من هذا اللقاء، أعطته العذر، ولكن لم تستسلم لقدرها.
ويخرج من بيت أم صبيح مع صديقه الذي افترق عنه فورا وتركه وحده، يبحث عن وسيلة للوصول إلى مكان سكنه في الكرادة، لم يجدها، يتصل بأحد الحراس في أقرب سيطرة فيأمره بالرجوع من حيث أتى لأن كل الطرق مسدودة، وفجأة يلتقي بصديقه (سالم) الذي كان معه أيام الدراسة في الجامعة قبل ثلاثين سنة، والذي سمع بإعدامه لهروبه من العسكرية، ويسترجع تلك الأيام والأسماء وذلك الزمان والأمكنة والتي مازالت باقية في ذاكرته، وهي الآن آيلة للسقوط، وأثناء دعوة نيفين زميلته في العمل إلى بيتها؛ يخبرها عن لقائه بزميله سالم والذي يعد معبرا جديدا للدخول في أحداث تستكمل صورا من أحداث الرواية لكن نفين لم تتذكر شيئا... ويكشف الراوي شيئا بسيطا عن سيرتها فهي رسامة وتحب تربية الطيور، هجرت زوجها الذي سافر مع ولده إلى استراليا، بينما رفضت الهجرة معهما وبقيت مع والدتها المريضة. خرجت من البيت قبله وتبعها إلى عمله في الجريدة ولم يصله حيث ظل يجوب الشوارع في طريقه لشارع المتنبي ويتعرف على صبية اسمها زينب تبيع الكعك فصارت معبرا جديدا ساعدته في الوصول إلى هدفه، ووجدته زبونا لتصريف بضاعتها ووجدها شاطرة في معرفة الأزقة وأقصر الطرق، ومعرفة بعض الشخصيات الشعبية في المنطقة. فيتعرف على أم نعيم وأبي حسنين المصري مصلح الصوبات ومنه عرف قصة حسنين الذي ذبح من قبل الإيرانيين مع مجموعة من الجيش الشعبي، ويلتقي بـ (مجر) صاحب محل صغير، ولكن يبدو أن عمله الأساسي مراقب لكل من يدخل الميدان، لدرجة فاجأ (عليا) الراوي بسؤاله: هل جئت تبحث عن (هند) وبيت (أم صبيح)؟ فيقول: - كنت بانتظارك لتدلني على البيت.
وعلى الرغم من أن الراوي انحرف كثيرا عن الهدف الرئيسي ومسعاه في كتابة موضوع صحفي أو بحث اجتماعي عن حياة هذه الفئة من النساء وأسباب انحرافهن، وعلى الرغم من التزامه في بداية شروعه في العمل واعلانه أن هدفه ليس ممارسة الجنس إلا أنه وقع في الفخ ونام مع ضوية التي لا حقته غير مصدقة به، وكذلك أحب هندا حبا حقيقيا وأحبته بصدق. خصوصا بعد أن عرف قصتها كمدرسة للتاريخ، وقد خسرت زوجها بعد انتفاضة آذار 1990 على يد القوات الحكومية التي هاجمتهم أثناء محاولة هروبهم وبأعجوبة نجت هي وابتها سارة ثم تعرضت لهجوم بعد سقوط النظام من مليشيات بحجة عمالتها للمحتلين حيث عملت مترجمة لوحدة هندسية صغيرة في الجيش النيوزيلاندي وهناك تعرفت على (مارك) أحد ضباطهم وهو مجرد صديق وعدها بتدبير لجوء لها وابنتها سارة في نيوزيلاندا. لكنها اعتقلت من قبل المليشيات..