لقد تحمل الفلاح العراقي قروناً من الظلم نتيجة الاحتلالين العثماني والانكليزي حيث كان لهما دور سيئ في إدارة الأرض، فالاحتلال العثماني عمل على تفتيت القبيلة التي كانت تعمل في جنوب ووسط العراق وحتى في اجزاء من كردستان وفق العلاقات الابوية، اي ان العمل الجماعي والنتاج الجماعي للجميع ولا يوجد شيئ للبيع، وعند مجيئ العثمانيين وحيث كانوا يطالبون بالأموال لتجهيز جيوشهم بدأوا بتقسيم القبيلة واوجدوا شيوخ عشائر يديرون الأمور لصالحهم ثم جاء داود باشا عام ١٨٦٩ وطبق قانون الارض العثماني وملك الاراضي لهؤلاء الشيوخ والمتنفذين وبدأت الاقطاعيات بالنشوء وزادت الضرائب على الفلاحين والعاملين في الارض مثال ذلك في العام ١٩٠٣ كامل الريع العراقي ٢،٤ مليون روبية في حين أن الضرائب المتحصلة من الريف ٩،٤ مليون روبية، بعدها جاء الانكليز فزادوا الطين بلة، فبدلا من تطوير العراق صناعياً أصدروا  قانون الدعاوي العشائرية ضمن القانون المدني العام ١٩١٩ فزادوا من سلطات الاقطاعين والملاك والشيوخ ورسخوا هذا بالقانون رقم ٢٨ لسنة ١٩٣٣ المسمى قانون الزراع الذي زاد من ملكيات الاقطاعين والمتنفذين من ابناء المدن وجعل الفلاح أشبه بالقن مرتبطا بالإقطاعي لا يمكنه الفكاك منه، وكذلك ربطه في المدينة وحدد نسبة الربح على ديون الفلاحين ب٥٠بالمائة، وبالنتيجة اصبح محصول الفلاح لا يزيد عن ٢٥بالمائة من ناتجه الكلي ومثال على الدخل كان معدل دخل الاقطاعي السنوي اكثر من ٢٧ الف روبية في حين معدل دخل الفلاح لا يتجاوز ٢٥٠ روبية السنوي .

اما بالنسبة للملكيات والاقطاعيات في الريف فكان مالكوها لا يتجاوزون أكثر من ١بالمائة من سكان الريف في حين ٨٥ بالمائة من سكان الريف لا يمتلكون شبراً واحداً من الاراضي الزراعية مع العلم ان سكان الريف كان يمثلون ٧٥بالمائة من سكان العراق، اي كان سكان الريف ٣،٨ مليون نسمة القادرون على العمل منهم ١،٨ مليون نسمة. اما العاملون الفعليون لم يتجاوز عددهم ٨٠٠ ألف نسمة اي اقل من ربع عدد السكان لذلك كانوا يعيشون الفاقة والفقر بأسوأ أشكالها حسب احصاء عام ١٩٥٧ للسكان!!!! ليس الاضطهاد الاقتصادي فقط ما تعرض له الفلاح كما ورد او كما نوهنا وانما الاضطهاد الجسدي والنفسي نتيجة اعمال السخرة. مثال واحد لذلك  في ثكنات الانكليز ففي العام ١٩٢٦ قام الجيش الانكليزي بتسخير ٥١٢٥٠ فلاحا مع اضطهاد الاقطاعي وتشغيلهم سخرة في أعماله الخاصة …… في ظل هذه الظروف القاسية على الفلاح اتت ثورة ١٤ تموز عام ١٩٥٨ الخالدة فكان من اول انجازاتها هو صدور قانون الاصلاح الزراعي رقم ٣٠ لسنة ١٩٥٨ وبموجبه تمت مصادرة اراضي الاقطاعيين وتم توزيعها على الفلاحين الا انه وضع حد اعلى للملكية للملاك ١٠٠٠ دونم للأراضي السيحية و٢٠٠٠ دونم للأراضي الديمية كما واعطى حق الاختيار والتعويض للملاكين، مع هذا فهو يعتبر  في  حينه من اهم القوانين التقدمية للإصلاح الزراعي في المنطقة حيث رافقها تأسيس اتحاد الجمعيات الفلاحية  واكثر من ٣٠٠٠ جمعية فلاحية في عموم العراق وبذلك انهى السلطة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للإقطاعيين  وغير من كامل التركيبة الطبقية الاجتماعية في الريف العراقي وفي عموم العراق.

واليوم هناك محاولات جادة من قبل الجهات الزراعية والحكومية لإعداد قانون جديد للإصلاح الزراعي. ولمرور أكثر من نصف قرن على القوانين السابقة نرى من الضروري طرح مسودة القانون على ابناء شعبنا بشكل عام وعلى الفلاحين واتحاداتهم الفلاحية بشكل خاص لإبداء رأيهم فيه لأنهم اصحاب المصلحة الحقيقية في القانون.

عاشت ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مهندس زراعي استشاري