اخر الاخبار

شكلت ثورة 14 تموز انتصارا كبيراً لأنصار إقامة الدولة المدنية الديمقراطية في العراق، حيث أُشركت كل المكونات العراقية في إدارة الدولة، وراحت تتبلور هوية وطنية جامعة. كما أُنجز العديد من القضايا الاقتصادية والاجتماعية واستعيدت نسبياً الثقة بين الدولة وقاعدتها الاجتماعية، ورُسمت معالم أولية لتنمية وطنية مستقلة. كما خطّت حكومة 14 تموز خطوات مهمة على طريق العدالة الاجتماعية عبر تغيير الملكية الزراعية للأرض ودمج الفلاحين في النشاط الاقتصادي والسياسي ودعم النشاط الإنتاجي للبرجوازية الوطنية. وقد تم إنشاء العشرات من المنظمات الجماهيرية والجمعيات والنقابات التي سعت لتعبئة الجماهير وجذبها إلى العمل من أجل الحرية ولقمة العيش وبالتالي تحقيق التحول الديمقراطي سياسياً واجتماعيا.

كما شرعت الثورة بتنمية اقتصادية ذات جوهر إنساني، فسُنّت قوانين جديدة للضرائب، تخفف نسبياً عن كاهل الكادحين وتمكّن الدولة من تقديم الخدمات للناس وتقلل الفوارق الطبقية وتحقق شيئا من التكافل الاجتماعي، والذي ضمن بدوره زيادة الأجور بنسبة 52% ورفع مداخيل الناس وخاصة شغيلة المدن، وتم إصدار قانون الضمان الاجتماعي المرقم 27 لسنة 1960، وتشييد أحياء الفقراء في مدينتي الشعلة والثورة، وتخفيض أجور المساكن والمحلات الصغيرة (قانون رقم 6 لعام 1958)، الأمر الذي وفّر أماناً أسرياً عاماً، كان مفتقداً، مما ساعد الناس على الاهتمام بتعليم أبنائهم.

وغيّرت الثورة أحوال العمال ايجابيا بشكل كبير، فحددت ساعات العمل بثمان ساعات، ووضعت حداً أدنى للأجور، وشيّدت مساكن للشغيلة وألزمت اصحاب المصانع ببناء دور للعمال (حسب القانون رقم 84 لسنة 1958)، وأطلقت حرية التنظيم النقابي والمهني، واقامت صندوقاً لتقاعد الموظفين والمستخدمين. وكان لهذه التغييرات تأثيرات هامة على شعبية التعليم وانشداد العمال والشغيلة وأبنائهم لمتطلباته.

أن هناك نماذج لا تحصى من الانجازات الايجابية التي حققها العمال العراقيون بعد ثورة تموز، ولاسيما في مجال الانتاج الاقتصادي والتنظيم النقابي ومقاومة مخلفات العهود السابقة، إلى جانب الصور الرائعة التي تفوق الحصر. كما وجدت نماذج سلبية وسيئة، نسبت زوراً إلى العمال دون مشاركتهم بها، او دست عليهم بوسيلة أو بأخرى.

كما تركت لنا سنوات نضال الطبقة العاملة العراقية ارثا كبيرا في قانون العمل ومشاركة العمال فيه. يقول النقابي طالب عبد الجبار (وتحت الحاح العمال ونقاباتهم والمكتب التنفيذي للنقابات، اضطرت وزارة الشؤون الاجتماعية في نيسان 1959 إلى تأليف لجنة مهمتها تعديل قانون العمل. وقد شارك في اللجنة ممثل عن المكتب التنفيذي) . ويضيف (وكانت اهم التعديلات التي ادخلتها بموجب قانون التعديل الثاني الجمهوري رقم 71 لسنة 1959 شمول القانون لبعض العاملين بأجور في الزراعة وزيادة نسبة التعويضات عن اصابات العمل او بسبب العمل واشراك النقابات في فض المنازعات التي تنشا عن العمل وتلك الناجمة عن تطبيق القانون، وتقليص ساعات العمل إلى 46 ساعة في الاسبوع وزيادة الاجازات المرضية والاعتيادية وضمان حرية العمل والتنظيم النقابي).

لقد ناضلت الطبقة العاملة في السنوات السابقة لثورة تموز 1958، وقدمت الكثير من المآثر البطولية والشهداء وساهمت من خلالها في تقويض دعائم الحكم الملكي وإسقاطه في ثورة تموز المجيدة، حيث ربطت نضالها الاقتصادي بالنضال السياسي، وهو ما تحقق لاحقا.

لقد تحققت الثورة بنضال جماهير الشعب وقواها الوطنية وطبقتها العاملة، التي تفاعلت مع قيام الجمهورية في العراق. ودعا المكتب التنفيذي بشكل علني إلى تكوين المنظمات النقابية على صعيد المهن المختلفة لتأسيس النقابات العمالية في مختلف مدن البلاد. كما تم فرض تطبيق قانون رقم 1 لعام 1958 الذي تم تشريعه قبل أشهر اي في 16 اذار 1958 من قبل سلطات النظام الملكي واعتبرت بنوده نافذة المفعول من الاول من ايلول 1958 اي بعد ستة أشهر من تشريعه. وقد عّدل قانون رقم 1 بالقانون رقم 82 لسنة 1958 ثم بالقانون 71 لسنة 1959.

ويشير كاتب كتاب “ربع قرن” النقابي طالب عبد الجبار إلى التجربة السابقة التي ناضلت فيها الطبقة العاملة ونقاباتها. لقد كانت هذه الفترة تجربة جديدة وحريّة بالتقدير بالنسبة للحركة النقابية العمالية في العراق، زودت العمال بدروس ثمينة في مسألة التحالفات الطبقية والجبهة الوطنية، كما اغنت من وعيها السياسي كثيرا. وستظل هذه الفترة من الحركة النقابية حلقة مضيئة في مسار الحركة العمالية باعتبارها التجربة الاولى في العمل النقابي العلني الواسع في عهد الاستقلال.

وعلى الصعيد العربي، واصل الاتحاد العام لنقابات العمال، نشاطه، ومتن علاقاته، بالعديد من الاتحادات والمنظمات النقابية على امتداد الوطن العربي، ساعياً إلى تخليص الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، آنذاك، من سيطرة فئة الارستقراطية النقابية على قيادته، والعمل الجاد لتعزيزه وتوطيده، وتطويره، ليكون قادرا حقاً على تبوء مسؤولياته الجسام.

ولعبت الحركة النقابية العراقية بقيادة اتحادها العام دورا كبيرا في الدفاع عن مكتسبات الثورة والدفاع عن الجمهورية الفتية وحققت انجازات كبيرة للطبقة العاملة وكذلك الحقوق القومية للشعب الكردي ودافعت عن حقوق الاقليات وعن حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته على أرضه.

وانغمر العمال في النشاط النقابي وانتسب إلى النقابات عشرات الآلاف منهم. فاستطاعت الحياة النقابية الحرة، استقطاب كافة القوى النقابية المخلصة واستثمار جميع الكفاءات التي تمتلكها الكوادر النقابية ذات التجربة القديمة مع الطاقات الشابة الجديدة، لإرساء المنظمات النقابية على اساس مبادئ الديمقراطية النقابية والسير حثيثا وفق نهج طبقي ثوري ثابت، دفاعا عن مصالح الطبقة العاملة، ودعما للثورة والعمل الجاد لتطويرها صوب تحقيق مصالح الشعب الوطنية الديمقراطية.

ويمكن تلخيص أبرز المظاهر السياسية التي اتخذها المؤتمر العام لنقابات العمال بما يلي:

  1. ان المصالح الطبقية للعمال جزء لا يتجزأ من المصلحة الوطنية.
  2. ان النظام الاستعماري هو العدو الرئيسي للطبقة العاملة العراقية والشعب العراقي.
  3. ان تحالف العمال مع الفلاحين والكسبة هو الضمانة الرئيسية للتقدم الاجتماعي والديمقراطي.
  4. الدعوة إلى تصفية بقايا الاستعمار والتضامن مع القوى الوطنية العربية، ومن اجل الدفاع عن حقوقهم وحياتهم النقابية.
  5. المطالبة بقبول الصين الشعبية عضوا في هيئة الامم المتحدة.
  6. إرسال رسالة تحية إلى العمال العرب وكافة الاتحادات العمالية في الاقطار العربية.

7-الدعوة إلى مضاعفة نضال الاتحاد القومي والوطني ضد الاستعمار والرجعية البغيضة ومؤامراتها.

ومن أهم نتائج مؤتمرات النقابات العمالية:

  • اعتبار الاول من ايار عيد العمال، عطلة رسمية يحتفل فيها العمال.
  • أصبح الاتحاد العام لنقابات العمال عضواً في الاتحاد العالمي لنقابات العمال، اضافة إلى اشتراكه في اجتماعات ومؤتمرات الاتحاد العالمي للنقابات.
  • كما قدم الاتحاد العام لنقابات العمال، مسودتي قانون العمل وقانون تقاعد العمال، وحق النقابات في الصناعة الواحدة او المتشابهة او المتصلة من حيث الانتاج في تكوين اتحاد مهني واحد.

وهكذا ومن خلال الدعم الكبير الذي قدمه الحزب الشيوعي العراقي إلى نشاطات وفعاليات الاتحاد والنقابات بصورة عامة، أصبحت الطبقة العاملة صاحبة التغيير والتأثير ونمت في الحجم والتأثير والفاعلية، وصار هناك ما يقارب الربع مليون عضو نقابي، وتنامى الوعي الطبقي والمهني. وقد وضع هذا التطور الطبقة العاملة العراقية وحزبها الشيوعي على اعتاب مرحلة جديدة من المواجهة مع البرجوازية وبالذات مع اشد اجنحتها يمينية ورجعية، وهي مرحلة تمتد جذورها إلى البدايات الاولى من الصراع.

ــــــــــــــــــــ

المصادر

-النقابي طالب عبد الجبار، ربع قرن من تاريخ الحركة النقابية العمالية في العراق ص 52

- نفس المصدر السابق ص   53

-ابراهيم حسين لمحات من تاريخ الحركة النقابية العراقية سنة بلا مصدر سابق ص 35 و36

-الثقافة الجديدة –قائد نقابي–الدور المجيد لحركة العمال النقابية في ثورة 14 تموز 1958 عدد145 اب 1983 ص 113-

-المصدر السابق ص110 و111

-ابراهيم حسين لمحات موجزة من تاريخ الحركة النقابية العراقية ص38

-النقابي هاشم علي محسن مصدر سابق ج5 ص 84

-ابراهيم حسين مصدر السابق ص46

عرض مقالات: