اخر الاخبار

مرة أخرى أعود الى من أسميته بعد رحيله «معلم القيم السامية» .. فقد كان بالنسبة لجيلي، وربما لجيل سبقني، وبالتأكيد لأجيال لاحقة، معلّما، بحق، كانسان وقائد شيوعي وصحفي قدير.

واليوم إذ تتشرف «طريق الشعب» في أن تجعله شخصية مهرجانها، فانما تكرّمه ببعض ما يستحق.

أنستذكر، اليوم، السجايا الراقية، أم الأمثلة الملهمة ؟ أنستذكر الثقافة العميقة أم روح التنوير ؟ أنستذكر التواضع واللطف والأريحية، أم مودة الرفقة والصداقة ؟ أنستذكر الزهد وكرم الروح، أم تحدي الصعاب والاصرار الذي لا نظير له على المسير ؟ ما الذي نستذكر، وأمامنا الكثير، وما الذي نؤجل استذكاره، وأمامنا الكثير ؟ 

ذلك الكربلائي الجريء الذي اقتحم، يافعا، السماوات، فوجد سبيله الى الشيوعية، ورحل، قبل ثلاثة أعوام، شيخا جليلا في غربته، ظلت خطواته واثقة في طريق امتد الى ما يقرب من سبعة عقود تحت راية حزبنا، وسيظل مفتوحا، تروده قوافل أولئك الذين تخرجوا من مدرسة عبد الرزاق الصافي، ونهلوا من فكره النيّر، واستضاءوا بشموعه التي ظلت تنير لهم الدروب، وهم يمضون الى تلك الضفاف التي عانقت أحلام أبي مخلص.

كانت أيام «طريق الشعب» أجمل الأيام، وفيها كان الصافي نجما يضيء دروب المكافحين .. نجما ظل ينير حتى آخر لحظات حياته حين رحل عام 2019 بعيدا عن سمائه الأولى، مودعا بالأمل الذي بقي ملازما له منذ أيام فتوته في كربلاء الحزن، مرورا بمآثر بغداد، وتحديات كردستان، ووصولا الى المنفى اللندني ..

وكانت تجربة «طريق الشعب» حيث كان رئيسا لتحريرها في سبعينيات القرن الماضي، تجربة فريدة .. كانت مدرسة تأسيس بالنسبة للكثير من الصحفيين الشباب، وكنت أحدهم، وفيها كان المثال، عبد الرزاق الصافي، ملهما للأجيال، ومعلّما للقيم السامية ..

وبفضله، وفي ظل قيادته، احتلت «طريق الشعب» في االسبعينيات مكانتها المرموقة في تاريخ الصحافة العراقية، وصارت صفحاتها الثقافية تجسيدا للابداع الجمالي، ومحورا للمثقفين المكافحين من أجل ثقافة تقدمية. وفيها تجلت صور الدفاع عن مصالح الشغيلة والكادحين، وترسخت تجربة المكاتب الصحفية، وتعمقت خبرة العمل المهني والفكري والسياسي، فتحولت الى داعية ومعبيء ومنظم جماعي.

هل ننسى، من بين ابداعات لا تحصى، كراسته الطريفة الشهيرة في قواعد اللغة والاملاء، التي كان يعممها حيثما حل، سواء في عمله في اذاعة «صوت الشعب العراقي» التي بدأت البث بعد انقلاب شباط 1963 الفاشي، أو في سنوات «طريق الشعب» أو سنوات الحركة الأنصارية ؟

أما سيرته، التي أصدرها في كتابين، فكانت توثيقا لمراحل هامة من حياته ومن تاريخ الحركة الثورية في بلادنا ..

وأما مأثرة بقائه، في أصعب ظرف، حتى اصدار آخر عدد من «طريق الشعب» في 31 آذار 1979، يوم الذكرى الخامسة والاربعين لتاسيس حزبنا، وافلاته من أيدي رجال الأمن الذين كانوا يلازمونه طيلة الوقت، فقد كانت قصة بطولة، هي ليست القصة الوحيدة في حياة أبي مخلص.

مهما كتب وقيل في هذا الثائر الجليل، فان سمة حياته الأساسية تتجلى في أنه كان انسانا معلّما ومثالا ملهما ..

حمل الصافي مشعله ومضى رافعا راية الحزب الشيوعي في طليعة الساعين الى عالم جديد .. شقّ، مع رفاقه، الدروب، وأنار المسارات، كي تمضي الأجيال، وهي تغذ الخطى صوب ضفاف العدالة ..

رسائل الأمل التي بثّها فينا، نحن تلاميذه ورفاقه، هي رسائل نور تتحدى ظلمة الاستبداد، وينابيع معرفة ينهل منها المتعطشون الى الحرية، وأناشيد تصدح بها أصوات المتطلعين الى غد العرااق ..

عبد الرزاق الصافي .. أنت من منحنا الأيادي والآمال !

عرض مقالات: